400 قتيل في بغداد خلال الأربعة شهور الماضية نتيجة هجمات ارهابية

400 قتيل في بغداد خلال الأربعة شهور الماضية نتيجة هجمات ارهابية

[escenic_image id="5513448"]

خلال الأشهر الأربعة الماضية، لقي ما يقرب من 400 شخص مصرعهم في بغداد نتيجة التفجيرات الإرهابية. ولم تكن الهجمات الثلاثة الكبرى متشابهة من الناحية المنهجية فحسب، ولكنها ركزت جميعًا على أهداف سياسية، لا سيما المؤسسات الحكومية التي تخضع  للقيادة العراقية. وتلك الهجمات تذكرنا بأن بناء الدولة العراقية لا يزال يجري العمل فيه بالنسبة للمجتمع الدولي والسلطات العراقية. كما تسلط الضوء على ضرورة توجيه المزيد من الاهتمام لهذا البلد من قبل إدارة أوباما.

وكما كتب جون الترمان سابقًا في" المجلة"، فإن الحرب في العراق قد اختفت من الصحف والتليفزيونات الأمريكية العام الماضي. واختفت العراق الآن أيضًا من جدول أعمال الإدارة الأمريكية وخطبها الرئاسية. وقد يفسر هذا الاختفاء على أنه ناتج عن انشغال أمريكا بما يحدث في باكستان وأفغانستان. ولكن إنهاء المهمة في العراق بصورة تتسم بالتماسك والقوة والطموح يجب أن يكون هدفًا لإدارة أوباما، وهنا يتضح أنه ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تكفل التزامًا سياسيًا بالعراق، وتضع حلولًا للمشكلات، التي قد يواجهها هذا البلد في المستقبل؛ فمن غير المحتمل أن تختفي التحديات الراهنة في لحظة الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق، بل وربما تزداد هذه التحديات عندما تصبح الأمور السياسية والاقتصادية في أيدي السلطات العراقية. والأولى بالنسبة لإدارة أوباما أن تستعد لمساعدة العراق في ثلاثة مجالات رئيسية وهي : المجالات الأمنية والاقتصادية والإستراتيجية.

هناك ثلاثة أحداث رئيسية شكلت العلاقة بين الأمريكيين والعراقيين. أولها اتفاقية الإطار الاستراتيجي، التي تهدف إلى تنظيم التعاون الدولي ، وتساعد على تحسين التعليم ، والاقتصاد ، والنظام القضائي. والثانية هي اتفاقية "وضع القوات" ، التي حددت الجدول الزمني لانسحاب الجيش الأمريكي من المدن العراقية بحلول 30 يونيو/حزيران 2009، والالتزام بمغادرة العراق بحلول 31 ديسمبر/كانون أول عام 2011. وكلتا الاتفاقيتين تمت  الموافقة عليها من قبل البرلمان العراقي في نوفمبر2008، ولكن الجدول الزمني لانسحاب القوات الأمريكية من العراق قد يتغير بعد الاستفتاء الذي سيعقد مع الانتخابات البرلمانية في مارس 2010.

وقد أظهر البنتاجون ووزارة الخارجية الأمريكية، في ظل إدارة أوباما، التزامًا باحترام هذه الخطوات المهمة. وعزز أوباما وجهة النظر هذه خلال خطابه المهم عن العراق في ولاية كارولينا الشمالية في فبراير/شباط 2009، و كان الخطاب بعنوان الإنهاء المسئول للحرب في العراق. وهذا الخطاب يمثل التطور الثالث المهم الذي يؤثر على العلاقات العراقية الأمريكية. وكان أوباما واضحًا في خطابه عندما تحدث عن الوضع الأمني قائلًا: "العراق ليس آمنًا بعد... سيستمر العنف كونه جزءًا من الحياة في العراق". وكان أوباما على حق في ذلك .

ولكن السؤال الذي فرض نفسه هو: كيف يمكن الحد من هذا التوقع إلى أدنى مستوى دون المساس بالأهداف التي تحققت بالفعل؟

 سوف تتحدد الإجابة من خلال نتائج الانتخابات التي ستحدد الاستقرار السياسي في البلاد. وسوف يتأثر الجواب أيضًا بالجدول الزمني لرحيل القوات العسكرية الأمريكية، والذي يمكن أن يتأجل إلى ما بعد الانتخابات. وبعبارة أخرى، يجب أن تركز إدارة أوباما على إعداد قوات أمن وقوات مسلحة عراقية يمكن الوثوق بها، أثناء قيامها بسحب القوات الأمريكية.

وعلاوة على ذلك، بينما تركز الإدارة الأمريكية معظم جهودها على  جبهة باكستان وأفغانستان، يجب أن يركز أوباما أيضًا على العراق ويجب ألا ينظر إلى تحسين البيئة الاقتصادية العراقية على أنها ذات أهمية ثانوية. فقد اكتسبت الحكومة العراقية الحالية سمعة أنها تعزز مجال الأعمال والاستثمار، ووضعت خطوطًا عريضة لإستراتيجية توسيع نطاق القطاع الخاص بالبلاد وتعمل علي جذب المستثمرين الدوليين. وازداد الاستثمار الأجنبي أكثر من 200 ٪ خلال العام الماضي. وهذه الاستثمارات تتركز بشكل رئيسي في صفقات النفط والغاز والعقارات ومشروعات الاستثمار المختلط التي أدت أيضًا إلى تعزيز الثقة مع الشركات العالمية التي ترى العراق، كموقع استثماري، قابلًا للحياة والنمو والتطوير.

وكما قال برهام صالح، نائب رئيس الوزراء، في مؤتمر الاستثمار بالعراق الذي عقد في لندن في أبريل /نيسان عام 2009، "إن توفير الوظائف والخدمات بمثابة أفضل إستراتيجية لمكافحة التمرد وإعادة بناء الاقتصاد". وفي أيامنا هذه، يوفر القطاع العام بالعراق 43%، من الوظائف في البلاد ونحو 60 ٪، من العمل بنظام الدوام الكامل، وهذه الأرقام ينبغي أن تحفز الحكومة على الاستمرار في توسيع القطاع الخاص بالبلاد، وذلك بالتأكيد بمساعدة الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

و يجب أن يتم تشجيع العراق أيضًا على تقليل اعتماده على عائدات النفط، التي تشكل أكثر من 60 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي للعراق و19 ٪ من عائدات الميزانية. فأحد أهم الدروس من الأزمة المالية العالمية الحالية هو ضرورة زيادة إنتاج النفط وتنويع الاقتصاد. ووفقًا لصندوق النقد الدولي، فإن الاقتصاد العراقي سيستمر في الزيادة على مدى السنوات الخمس المقبلة ليحقق معدل نمو يزيد على 7٪ سنويًا. وبعبارة أخرى، فإنه مع تحسن الأوضاع الأمنية والتوزيع العادل للموارد الطبيعية وإدارة الأعمال بشكل جيد، سيحصل العراق على الكثير من الاستثمارات التي يحتاج إليها. ولكن حتى ذلك سيتوقف على مدى رغبة إدارة أوباما في الحفاظ على التزامها بهذه الأهداف.

 إن نجاح العملية الانتخابية في مارس/آزار 2010، والانتهاء من سحب القوات الأمريكية قد يساعد على تغيير النظرة الدولية إلى العراق ليصبح بمثابة أحد الأسواق الناشئة.

وينبغي أن تحاول الولايات المتحدة الاستعانة  بالآخرين في القيام بما لا تستطيع القيام به بمفردها، بما في ذلك الدول المجاورة وحلفاؤها الأوروبيون والأمم المتحدة. وعلى الرغم من أن الرئيس أوباما لم يختر هذه الحرب، ولم توافق الدول الأوروبية على التدخل في هذا البلد، فإن انهيار العراق سيكون كارثة على المنطقة وعلى أوروبا أيضًا. ومن ثم فإن خطة سحب القوات الأمريكية من شأنه أن يسهم في نجاح إستراتيجية دبلوماسية أكبر، تدفع دول الشرق الأوسط والحكومات الأوروبية والأمم المتحدة إلى اتخاذ دور بناء وسباق في العمل على إنقاذ الاستقرار في الخليج العربي.

ينبغي أن يكون تصميم إستراتيجية سياسية شاملة تحدد توزيع الموارد داخل العراق أولى أولويات الإدارة الأمريكية وحلفائها، وكذلك يجب أن تشمل هذه الأولويات تحسين مسألة تعيين السنة في الجيش وقوات الأمن العراقية، وتحقيق الاستقرار في البلاد سياسيًا واقتصاديًا. وهذا المسار محفوف بالمخاطر، لكنه لا يزال أفضل من النهج قصير المدى، البعيد عن أي رؤية سياسية أشمل للعراق والشرق الأوسط.

font change