تغير قواعد المبارة السياسية بين حماس وإسرائيل

تغير قواعد المبارة السياسية بين حماس وإسرائيل

[escenic_image id="5513444"]

مر عام على حرب إسرائيل ضد قطاع غزة، وهي فترة كافية لاختبار وتقييم الحرب وآثارها وإستراتيجيات أطرافها. بدأت الحرب بعد فترة من التسخين تساقطت فيها الصواريخ من قطاع غزة على جنوب إسرائيل بعد انقضاء أجل التهدئة/الهدنة التي دامت لستة لشهور بين الطرفين، وبعد أن رفضت حركة حماس تمديد التهدئة/الهدنة التي كانت عقدتها مع إسرائيل بوساطة مصرية.

شروط التهدئة لم تكن مقبولة لحماس ورأت الحركة أن التسخين يساعدها على عقد اتفاق جديد بشروط أفضل. أيضًا، تصورت حماس أن التهديد بتجدد الصراع يمكن أن يجبر الأطراف على قبول التعامل معها كممثل للفلسطينيين، وكسلطة أمر واقع تتمتع بالشرعية في غزة، كما يمكن له أن يساعدها على التفاوض على اتفاق جديد للمعابر يسهل حركة البضائع والأفراد عبر حدود القطاع المحاصر بعد أن انهارت الاتفاقية المنظمة للمعابر بانتهاء وجود السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة.

شنت إسرائيل الحرب تحت شعار وقف إطلاق الصواريخ من غزة، وإن كان بعض المسئولين الإسرائيليين تحدث عن أهداف أكثر طموحًا وصلت إلى حد القضاء على سلطة حماس في غزة. وانتهت الحرب دون سقوط سلطة حماس وإن كان إطلاق الصواريخ من القطاع على إسرائيل قد توقف. لم يتوصل الطرفان لاتفاق جديد للتهدئة/الهدنة، ولم يتم تجديد الاتفاق السابق. عادت العلاقة بين إسرائيل والقطاع إلى ما كانت عليه في مرحلة اتفاق التهدئة/الهدنة، ولكن هذه المرة دون أي اتفاق أو إطار قانوني يحمي الوضع وينظمه.

بدلا من اتفاق يصعب اختراقه بين إسرائيل وبين حماس وسّعت إسرائيل نطاق حركتها فعقدت اتفاقا مع الولايات المتحدة لفرض حظرٍ على وصول السلاح لقطاع غزة عبر عمليات استخباراتية وبحرية تشمل منطقة واسعة تمتد من البحر المتوسط حتى الخليج ويشارك في تنفيذه عدد من الدول. التغير الوحيد في السلوك الإسرائيلي تجاه القطاع تمثل في الحد من تواتر الهجمات الإسرائيلية ضد نشطاء حماس في غزة، الأمر الذي أدى إلى تخفيف التوتر بين إسرائيل وبين حماس.

بعد حرب غزة أصبحت المباراة السياسية/ العسكرية بين إسرائيل وحماس محكومة بقواعد جديدة. بمقتضى القواعد الجديدة تمتنع إسرائيل عن مهاجمة نشطاء حماس داخل القطاع طالما لا يشكلون تهديدًا مباشرًا لإسرائيل، أي طالما لم يكونوا في طريقهم لتنفيذ هجمات ضد إسرائيل. تتيح القواعد الجديدة لأنشطة حماس التدريبية والتعبوية داخل القطاع درجة أعلى من الحصانة ضد الهجمات الإسرائيلية. واصلت إسرائيل، - وإن كان بشكل متقطع - الهجمات على الأنفاق العابرة لحدود قطاع غزة مع مصر. هجمات إسرائيل على الأنفاق متباعدة ولا تستهدف كل الأنفاق ولكن فقط تلك المستخدمة في نقل الأسلحة والمهمات العسكرية لداخل القطاع، فيما يمكن اعتباره جزءًا مكملا لسياسة منع وصول السلاح التي يجري تطبيقها في المناطق المحيطة بالقطاع وعلى حدوده.

الشروط الجديدة للعلاقة بين إسرائيل وحماس توفر حماية من الهجمات الإسرائيلية لأنشطة نقل البضائع والسلع المدنية عبر الأنفاق إلى القطاع، الأمر الذي عوّض مواصلة إغلاق المعابر الواصلة بين إسرائيل والقطاع. خفت حدة النقص الشديد في السلع والأدوية والمستلزمات المدنية الأخرى في قطاع غزة، وهو النقص الذي ميَّز فترة التهدئة السابقة على الحرب، وإن كانت القيود أصبحت أكثر صرامة فيما يتعلق بسلع تعتبرها إسرائيل قابلة للاستخدام المزدوج. وتتوسع إسرائيل في تعريف السلع ذات الاستخدام المزدوج لتشمل مواد البناء، الأمر الذي لم يسمح بإعادة ما خربته الحرب في القطاع. النوع الوحيد من السلع الذي التزمت إسرائيل بتزويد القطاع به عبر المعابر التي تربطها بالقطاع هو؛ المحروقات اللازمة لتشغيل محطات توليد الطاقة في غزة. بالإضافة إلى ذلك فإن قسمًا من احتياجات قطاع غزة من وقود السيارات يأتي من إسرائيل، بينما يتم تهريب القسم الباقي عبر شبكة الأنفاق المعقدة المزودة بمضخات عبر حدود القطاع مع مصر.

لقد تم التوصل للقواعد الراهنة الحاكمة للعلاقة بين إسرائيل وسلطة حماس في غزة من خلال الوساطة التي قامت بها مصر أثناء الحرب، وفي الأسابيع القليلة التي تلتها. لم تسفر الوساطة المصرية عن التوصل لاتفاق مكتوب بسبب الشروط المتشددة والمطالب غير الواقعية من جانب الطرفين، ولكنها أسفرت عن تفاهمات غير رسمية احترمها الطرفان طوال العام الأخير.

الطرفان مرتاحان، ولو مؤقتا، لهذه التفاهمات، أما مصر فهي الخاسر الأكبر بسببها. إخفاق وساطة القاهرة في إنتاج اتفاق مكتوب بين حماس وإسرائيل أحرج الدبلوماسية المصرية، لكن الأهم هو أن اعتماد غزة المتزايد على الأنفاق الحدودية لتهريب السلاح بات يمثل تهديدًا مباشرًا لأمن مصر وسيادتها.

 حرب غزة غيرت قواعد المباراة السياسية بين حماس وإسرائيل، ولكن ليس إلى الحد الذي يتيح لأي من الطرفين ادعاء الانتصار في هذه الحرب. حققت إسرائيل درجة أكبر من الأمن للبلدات الجنوبية القريبة من حدود غزة، لكنها لا تضمن عدم تجدد الهجمات الفلسطينية القادمة من القطاع. لم تنهر سلطة حماس تحت ضغط الهجوم الإسرائيلي ولم يبق لإسرائيل جنود داخل القطاع، لكن الحياة الطبيعية لم تعد للقطاع، ولم تتمكن حماس من تحويل صمودها في الحرب إلى اعتراف سياسي يتيح لها المشاركة في العملية السياسية.

حظر السلاح المفروض على غزة أصبح أكثر إحكامًا، مما صعَّب وصول السلاح والمهمات العسكرية للقطاع، لكن مراكز التدريب العسكري داخل القطاع وكذلك الأسلحة والمهمات العسكرية التي قد تصل للقطاع أصبحت في مأمن من الهجمات الإسرائيلية. المرجح أن حماس استطاعت تعويض ما فقدته من أسلحة أثناء الحرب، بل أضافت لترسانتها أسلحة جديدة، لكن معدل تطوير قوة حماس العسكرية أصبح أكثر بطئا بكثير بسبب الحصار المفروض على الحدود وفي البحار البعيدة. تراقب إسرائيل بحذر التطور الحادث في قوة حماس العسكرية لكنها تتمنى ألّا تجد نفسها مضطرة لخرق التفاهم الحاكم لعلاقتها مع حماس عبر توجيه ضربة استباقية لقوة حماس العسكرية المتنامية. حالة اللا حرب التي سادت العلاقة بين إسرائيل وحماس خلال العام الأخير هي على درجة كبيرة من الهشاشة وتهدد بالانفجار في أي وقت. وصول تسلح حماس لمستوى يصعب على إسرائيل التسامح معه، أو الضغوط التي تتعرض لها حماس بسبب غموض أسلوبها في التعامل مع الموقف الراهن قد يفتح الباب لتجدد القتال مرة أخرى.

                          مدير مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام

font change