20 مليون مسلم يبحثون عن اعتراف أوروبي أوروبا : انخراط المسلمين في الغرب مجلس العلاقات الخارجية توني جونسون 1 ديسمبر/ كانون أول 2009

20 مليون مسلم يبحثون عن اعتراف أوروبي
أوروبا : انخراط المسلمين في الغرب
مجلس العلاقات الخارجية
توني جونسون
1 ديسمبر/ كانون أول 2009

[escenic_image id="5512629"]

يبدو أن الخوف وسوء الفهم المتبادل قد أعاد صياغة العلاقة بين أوروبا الغربية وسكانها المسلمين منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. فالسكان المسلمون في أوروبا الغربية يمثلون مشكلة بالنسبة للحكومات الأوروبية والمواطنين الأوروبيين، على حد سواء، لاسيما فيما يتعلق بسياسات التكامل و الاندماج. وقد تصدى مجلس العلاقات الخارجية لهذه المسألة في تقريره الأخير المعنون "دمج الإسلام".

ويطرح تقرير "دمج الإسلام" نظرة عامة حول المشكلة مع التركيز، بشكل خاص، على السكان المسلمين في أوروبا الغربية، حيث يستعرض التقرير في مقدمته أهم الحوادث التي زادت من حدة التوتر بين عدة بلدان في أوروبا الغربية وسكانها من المسلمين. ومن أمثلة هذه الحوادث، الهجمات الإرهابية التي وقعت في لندن في عام 2004، وحظر الحجاب الذي فرضته فرنسا في عام 2004، والرسوم الكاريكاتورية المسيئة للإسلام التي نشرت في الدنمارك في عام 2006.

ويتبنى التقرير فكرة أن المسلمين في أوروبا الغربية يكادون يكونون غير مندمجين في المجتمع. ويتتبع تاريخ المسلمين في أوروبا الغربية، الذي يعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما كان يتم الترحيب بالمهاجرين ليساعدوا في إعادة بناء أوروبا. ووفقًا لما ذكره التقرير فقد ازداد التركيز بشكل خاص على الأقليات المسلمة في أوروبا بعد ظهور نظم حكم إسلامية مثل تلك الموجودة في إيران، كما ازداد مرة أخرى بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول.

ومن المثير للاهتمام، أن التقرير يوضح أن الاتحاد الأوروبي قد شهد زيادة في تدفق المهاجرين من جميع أنحاء العالم في العقد الماضي. وتعد فرنسا أكبر بلد في الاتحاد الأوروبي يضم أكبر أقلية مسلمة، حيث إن نحو 8 في المائة من السكان يعتبرون أنفسهم من المسلمين. ومجموع السكان المسلمين في أوروبا الغربية عمومًا يمثل نحو 20 مليون نسمة من بين الـ 500 مليون نسمة الذين يشكلون تعداد سكان الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن مشكلة دمج الجاليات المسلمة قد تصبح أقوى في المستقبل، حيث يقدر بعض المحللين أن هناك موجة جديدة من المهاجرين ستأتي من دول العالم الإسلامي، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات المواليد في أوساط الأسر المسلمة الموجودة بالفعل في أوروبا.

ويحدد التقرير التحديات المختلفة التي قد يواجهها السكان المسلمون في أوروبا. ففيما يتعلق بالفقر والعزل، يذكر التقرير أن المجتمعات الإسلامية تكون في الغالب أفقر من المجتمعات الأخرى الموجودة داخل الاتحاد الأوروبي. بينما يشير التقرير إلى أن العزل قد يصاحب المشاكل الاقتصادية، التي يبدو أنها تصيب المجتمعات الإسلامية، إلا أنه يشير أيضًا إلى أن المسلمين ينعزلون في الغالب نتيجة حواجز اللغة واختلاف العادات الدينية والاجتماعية.

ولكن التقرير يبدو متناقضًا فيما يذكره حول هذه النقطة، حيث يدرج التقرير آراء المحللين الذين يؤكدون أن الطبقة المتوسطة من المسلمين تندمج بشكل أفضل في المجتمعات الأوروبية. ومع ذلك، فإن التقرير لا يوضح هذه النقطة من خلال التركيز على العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى اندماجهم بشكل أفضل، ولكنه بدلا من ذلك يركزعلى نوعية الإسلام الذي تعتنقه هذه الطبقة.

ويتناول التقرير أيضًا العادات الإسلامية، مثل ارتداء الحجاب، وتحريم الخمر، والتي تبدو عادات أجنبية بالنسبة للثقافة الأوروبية، وتعزز من ميل المسلمين في الغرب إلى عزل أنفسهم عن المجتمع. ومن جوانب الضعف في التقرير قيامه بتشبيه الجالية المسلمة في أوروبا بطائفة الآميش المسيحية المنغلقة على نفسها في الولايات المتحدة. وهو تشبيه ليس في محله، حيث إن المسلمين مشهورون على مر التاريخ بقدرتهم على الانخراط في الثقافات المختلفة. وعلاوة على ذلك، فإن طائفة الآميش المسيحية في الولايات المتحدة تعد مثالًا صارخًا على الانغلاق على الذات ولا يصح بتاتًا عقد مقارنة بينها وبين الجاليات المسلمة في أوروبا لإلقاء الضوء على مشكلة هذه الجاليات.

وبالنسبة للتكامل الثقافي، فقد أشار التقرير إلى أنه على الرغم من أن هناك دلائل على أن المسلمين في أوروبا عمومًا يؤمنون بالديمقراطية و يمارسونها فإن هناك آخرين يعتقدون أن الديمقراطية تتعارض مع الثقافة الإسلامية، خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة وحرية التعبير والفصل بين الكنيسة والدولة. ولكن لا يقدم التقرير أية أدلة تجريبية مقنعة تدعم نظرية أن الإسلام يتناقض مع الديمقراطية في أوروبا.

ويعترف التقرير بأن المسلمين يواجهون العديد من أنواع التمييز بدءًا من التمييز في العمل و انتهاءً بالتمييز في السكن. كما يسلط التقرير الضوء على المعايير المزدوجة التي تتعامل بها وسائل الإعلام مع المسلمين في أوروبا. ومن ضمن الأمثلة التي يذكرها التقرير في هذا الصدد حادث مقتل المخرج فان جوخ، وكيف تعاملت معه وسائل الإعلام بالمقارنة بحادث مقتل مروة الشربيني في ألمانيا. ولكن التقرير يشير أيضًا إلى أن التمييز لا يحدث من جانب واحد فقط، حيث يجهر المسلمون في أوروبا "معاداتهم للسامية".

وبالرغم من محاولة التقرير أن يكون موضوعيًا وأن يقدم كل وجهات النظر المختلفة الخاصة بهذا الموضوع، فإنه لا يفلح سوى في أن يكون متناقضًا. فهو لا يبحث بشكل كافٍ في الثقافة الإسلامية ليدعم مزاعمه. كما لا يقدم التقرير أيضًا توصيات بشأن سياسات عملية لتحسين أوضاع المسلمين في أوروبا. وبدلًا من ذلك، يقتصر التقرير على تقديم طائفة واسعة من التوصيات التي تتراوح بين تعزيز الاستخبارات داخل البلدان إلى محاولة تدريب أئمة المسلمين.

وعلاوة على ذلك، فإن مناقشة مفاهيم مثل العزل الذاتي لا تسفر في النهاية سوى عن إلقاء اللوم على المسلمين والإسلام لعدم قدرتهم على الانخراط في المجتمع. ونتيجة للتركيز المفرط على مشكلة العزلة الذاتية تم تجاهل المشكلات الأخرى، التي قد تكون لها العديد من الحلول العملية، مثل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالتمييز الذي يعاني منه المسلمون في أوروبا الغربية. ومع ذلك، فإن التقرير ينجح في إثبات أن ما يزيد من تعقيد قضية انخراط المسلمين هو أنها تدور في حلقة مفرغة، فالتمييز يؤدي إلى مشكلات اجتماعية واقتصادية تؤدي بدورها إلى زيادة التمييز، وهذا بدوره يمنع تحقيق التفاهم المتبادل بين المجتمعات المختلفة الموجودة في أوروبا الغربية.

font change