آرون ديفيد ميلر، الخبير الأمريكي في شؤون المفاوضات العربية الإسرائيلية

آرون ديفيد ميلر، الخبير الأمريكي في شؤون المفاوضات العربية الإسرائيلية

[escenic_image id="5512347"]

يعمل آرون ديفيد ميلر كباحث في السياسة العامة في مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين. كما أنه عمل أيضًا مستشارًاً سابقًا في المفاوضات العربية الإسرائيلية لوزراء خارجية الولايات المتحدة، سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين. ولأن عمله بالخارجية امتد لعشرين عامًا، فقد شارك في الجهود الدبلوماسية التي قامت بها الولايات المتحدة لتقريب وجهات النظر بين سوريا وإسرائيل والأردن والفلسطينيين. وآخر كتاب صدر لميلر في عام 2008 بعنوان أرض الميعاد: البحث المراوغ لأمريكا عن السلام العربي الإسرائيلي.

 ميلر أيضًا بصدد تأليف كتاب آخر في الوقت الحاضر. ليصدر في عام 2012. حول ما إذا كان من الممكن أن يظهر رئيس أمريكي عظيم يقود العالم من جديد. و قد تحدث ميلر مع مجلة "المجلة" عن سوريا ونفوذها المتنامي في منطقة الشرق الأوسط، والوضع الراهن بين إسرائيل والدول العربية – خاصة سوريا -  وإمكانية إحياء عملية السلام، آرون يكشف في هذا الحوار العقدة التي تعطل عملية السلام بين السوريين والإسرائيليين.

المجلة: بِمَ تفسر تلكؤ الولايات المتحدة في تعيين سفير جديد لها في دمشق؟

 أنا لم أنظر أبدًا إلى هذا الأمر على أنه أمر مهم أو له دلالة سياسية معينة. فالسفير ليس أكثر من مجرد أداة من أدوات الدبلوماسية. وأعتقد أن المسألة إجراءات لا أكثر و لا أقل. فليس هناك معوقات سياسية، على حد علمي، تقف في طريق قرار الإدارة الأمريكية الحالية و تمنعها من القيام بذلك.

المجلة: نصحتم الولايات المتحدة وغيرها من الأطراف المعنية في الشرق الأوسط بتركيز جهودهم على محاولة التوصل لاتفاق سلام إسرائيلي-سوري، لكون التوصل إليه، في الوقت الراهن، على الأقل، أكثر سهولة من التوصل لاتفاق سلام إسرائيلي- فلسطيني. كيف ترى تقدم الأمور على هذا الصعيد؟

 من الصعب معرفة ما يجري حاليًا في المفاوضات الدبلوماسية التي تتم من خلال وساطة تركية، و مدى ارتباطها بالجهود الدبلوماسية التي تقوم بها كل من سوريا وإسرائيل بشكل منفرد. ولكنني ما زلت أعتقد أن التوصل لاتفاق بين إسرائيل وسوريا أسهل من التوصل لاتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين، على الأقل من الناحية النظرية. فالخلاف بين إسرائيل و سوريا يدور حول أربع قضايا رئيسية هي: الانسحاب والتطبيع والأمن والمياه. وهناك بالطبع مسألة كيفية ترتيب التطبيع والانسحاب وأيهما سيتم تنفيذه أولًا. في رأيي الشخصي أنه يمكن بسهولة التوصل لاتفاق بشأن هذه القضايا، بعكس محاولة التوصل لاتفاق بشأن القضايا المتنازع عليها بين الإسرائيليين و الفلسطينيين والتي تشمل القدس واللاجئين والحدود والأمن، فهي قضايا أصعب بكثير.

المجلة: إذا كان الوضع سهلًا فيما بين سوريا وإسرائيل. فلماذا تتعطل المفاوضات؟

التعقيد الحادث الآن في المفاوضات الإسرائيلية-السورية يعود إلى كون مبدأ "الأرض مقابل السلام" لم يعد يصلح، أساسًا، مناسبا للمفاوضات. ومن المؤكد أن الإسرائيليين سيطالبون بدعم خارجي من الولايات المتحدة، بأن تبذل سوريا جهودًا لاحتواء حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين. كما ستتضمن المفاوضات، أيضًا، مسألة إيران والعلاقات السورية-الإيرانية، مما سيصعب من عملية التوصل إلى اتفاق. كما أنه من المؤكد أن الإسرائيليين سيرغبون في أن تنهى سوريا علاقاتها القوية من الناحية الأمنية، بحماس وحزب اللـه وإيران. فلم تعد إسرائيل ترى في تحسين العلاقات الثنائية سببًا كافيًا للتوصل إلى اتفاق، كما كان الحال عليه في الماضي، فقد أصبحت القضايا المتعلقة بالحدود والتهديدات الخارجية تحظى بالاهتمام و بالأولوية بالنسبة لإسرائيل. ولن تجد إسرائيل صعوبة في الحصول على دعم حقيقي من واشنطن فيما يتعلق بهذا الأمر.

المجلة: وهل لدى الطرفين استعداد للتفاوض؟

 الأمر يبدو لي الآن على النحو التالي: لا أرى كثيرًا من التحفيز أو الدافعية لدى الجانب الإسرائيلي في التقارب مع السوريين ما لم تعتبر سوريا ذلك بمثابة جزء من معادلة معقدة وأوسع نطاقًا لثني السوريين بعيدًا عن الإيرانيين وهذا من الصعب جدًا تحقيقه. فالعلاقة السورية الإيرانية صمدت أكثر من أي تحالف عربي في التاريخ الحديث لمنطقة الشرق الأوسط. لأنها علاقة تقودها الحاجات والاهتمامات الفعلية. والبلدان ليسا متنافسين على المستوى الإيديولوجي مثل التحالف المصري السوري، مما يشير إلى أن هذه العلاقة مهمة بالنسبة لكلا الطرفين. وتحجم سوريا عن التخلي عنها ولن تتخلى عنها. فالاهتمامات المشتركة قوية، ومن شأنها أن تحول دون المساس بهذه العلاقة لبعض الوقت في المستقبل.

المجلة: البعض يرى أنه لم تعد هناك حاجة ملحة لدى كلا الطرفين السوري والإسرائيلي للتوصل إلى اتفاق سريع؟

 الحاجة الملحة أحد العوامل التي تدفع إلى الجلوس على طاولة المفاوضات والنجاح فيها، وهذه الحاجة ليست موجودة الآن. فليس هناك من مغنم أو مغرم محتمل. وربما يتطلب الأمر من الجانب الإسرائيلي أو السوري أن يقرر توليد شعور بالحاجة الملحة من أجل التفاوض بهدوء وحكمة؛ وعلى المستوى الثنائي دون إقحام طرف ثالث. ولا أرجح كثيرًا حدوث ذلك.

المجلة: ألا ترون أن الخلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بشأن مطالبة أوباما منذ فترة للدولة العبرية بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية أمر غير مفيد؟

 نعم، طالبت الإدارة الأمريكية بذلك، وأعلنت عن هدف لا يمكن تحقيقه أبدًا وهو التجميد الشامل للمستوطنات، بما فيها النمو الطبيعي للمستوطنات، وما تحقق على أرض الواقع أقل بكثير مما طُلب وهذا أمر سيئ للغاية. وبمرور عام على إدارة أوباما الجديدة، فإنها تواجه ثلاثة اعتراضات. الاعتراض الأول يأتيها من قبل إسرائيل بشأن تجميد الاستيطان، وأما الاعتراض الثاني فيأتيها من قبل الدول العربية بشأن التطبيع الجزئي، الاعتراض الثالث يأتيها من قبل الفلسطينيين بشأن العودة إلى طاولة المفاوضات.

المجلة: هل الشلل الذي أصاب المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية يحول دون التحرك على المسار الإسرائيلي السوري؟

 إنها مسألة وجهات نظر. فالكثير من الناس يقولون إن السوريين لا يمكن أن يتفاوضوا مع إسرائيل طالما أن المسار الإسرائيلي الفلسطيني في أزمة. فدمشق مقيدة بصورتها وحريصة على ألا تفقد مصداقيتها لدى الشارع السوري. فسوريا لا تستطيع أن تبرم اتفاقًا مثلما فعل المصريون. وأعتقد، إلى حد كبير، أن تلك هي الحقيقية. وأنا لا أرى فرصة كبيرة للتوصل إلى اتفاق إسرائيلى سوري ما لم يكن ذلك مرتبطًا بشكل أساسي بتحسين سوريا لعلاقتها مع الولايات المتحدة، وهو ما يريده  السوريون، بالإضافة إلى مرتفعات الجولان، وذلك كصفقة تعويضية. ويفترض أن سوريا سوف تبتعد عن إيران، لذا فإنها ستحتاج لمليارات الدولارات في مقابل ذلك، بالإضافة إلى وجود قوات أمريكية في الجولان. وسيتعين على السوريين اعتماد علاقة جديدة مع حماس وحزب اللـه. وما سيحتاجه السوريون هو اقتراض صفحة من المصريين والأردنيين وحتى الفلسطينيين، حتى يفهموا أن العلاقة مع واشنطن تتغير جذريًا إذا تم الاتفاق مع إسرائيل. فسوريا تريد أن تتغير الأمور لأنها تحتاج إلى أمريكا بوصفها راعيًا جادًا ومانحًا مهمًا. وثمة معضلة هنا: سوريا ليست مثل الأنظمة العربية الأخرى والدول التي تعقد اتفاقات مع إسرائيل. إنها ليست متجانسة. إنها لا تملك تاريخًا مع بريطانيا، كما الحال بالنسبة للأردنيين، كما أنها ليست معتمدة على الولايات المتحدة مثلما أصبح الفلسطينيون. إنها دولة بإحساس عميق من الاستحقاق، تحركها أيديولوجيات  وسلالة حاكمة، كما أن لديها شعورًا عميقًا بعدم الأمن وذلك يجعل العلاقة معقدة للغاية بين الولايات المتحدة وسوريا، لذا  فإنه من الصعب بالنسبة لي أن أتوقع تحولًا في موقف دمشق بحيث تتوصل إلى اتفاق من شأنه أن يكون مماثلًا لاتفاقات الدول التي سبقتها في ذلك. لا أعرف كيف يمكن أن يحدث ذلك. فهناك الكثير من المفارقات والتشابكات.

المجلة: وماذا عن لبنان؟

 من الواضح أن بشار الأسد يتعامل من موقع قوة كبيرة وثقة عالية الآن. فالنفوذ السوري في لبنان أعلى مما كان عليه في السنوات القليلة الماضية، بالرغم من انسحاب القوات السورية من لبنان. أنا لا أرى الناس يدقون طبول المطالبة بإجراء  التحقيقات حول اغتيال رئيس الوزراء السابق "الحريري". وبالرغم من نتائج الانتخابات الأخيرة، فإن الحركات السياسية المتنافسة يبدو أنها قد راجعت بعضها البعض، ويبدو أن حزب الله وزعيم الكتائب المسيحية ميشيل عون قد استفادا بدرجة كبيرة. أما  بشار الأسد فيشعر بارتياح كبير جدًا.

المجلة: هل نجح الأسد في التخلص من عناصر نظام والده؟

 قراءة السياسة الداخلية لسوريا أمر صعب، ولكن ثقة دمشق نابعة من شعور أكبر بالأمن والسلطة وربما الشرعية.

المجلة: كل هذا يبدو مفزعًا للغاية.

 نعم ، أشعر باليأس من احتمالات إحراز تقدم على المسار الإسرائيلي السوري. هل من الممكن أن أصاب بالدهشة إذا فتحت صحيفة الواشنطن بوست" الأسبوع القادم وقرأت أن إسرائيل وسوريا تجريان محادثات سرية وأن هناك تقدمًا كبيرًا؟ لن أشعر بالدهشة. فعلى الورق تبدو الأمور أسهل دائمًا حيث إن الأمر لا يتضمن أيًا من التعقيدات الانفعالية والأيديولوجية والدينية للمسار الأمريكي الفلسطيني، كما لا يتضمن تعثر المسار الإسرائيلي الفلسطيني. فلديك اثنتان من الدول لدى كل منهما القدرة على السيطرة على قوى العنف في مجتمعهما. فحكومة دمشق حكومة مركزية تسيطر على كل الأمور في البلاد. لكنني لست متفائلًا للغاية. ففي الحكومة، تعاملنا مع الجميع من ثلاث زوايا: الخيار رقم واحد هو الصراع الكارثي. والخيار رقم اثنين هو إحلال السلام، والخيار رقم ثلاثة هو تحقيق شيء من النجاح رغم التخبط. ويبدو أننا سنظل قابعين في الخيار رقم ثلاثة لبعض الوقت في المستقبل.

font change