الصراع بالشرق/ الأوسط التحديث الإستراتيجي مدرسة لندن للاقتصاد و السياسة نوفمبر/تشرين ثانٍ 2009

الصراع بالشرق/ الأوسط
التحديث الإستراتيجي
مدرسة لندن للاقتصاد و السياسة
نوفمبر/تشرين ثانٍ 2009

[escenic_image id="5512033"]

يعاني الشرق الأوسط منذ فترة طويلة من تغير دائم في هيكله السياسي. وقد قامت كلية لندن للاقتصاد بإصدار خمسة  تقارير عن أحدث القضايا الإستراتيجية يتناول كل منها وجهة نظر مختلفة حول سياسة الشرق الأوسط، وبشكل أكثر تحديدًا حول احتمالات نشوب صراعات في المنطقة.

ويعتبر التقرير الأول بمثابة مقدمة استهلالية للقارئ حيث يسلط الضوء على مختلف القضايا التي تجعل من المنطقة مكانًا مضطربًا ومثيرًا للمشكلات. وبالرغم من أن المقدمة بها معلومات جيدة فإنها لا تخلو من أوجه قصور. فالجزء الاستهلالي يقدم تحليلا مستفيضًا حول جهود بناء الدولة في أفغانستان من قبل حلف شمال الأطلسي والمجتمع الدولي. كما تتعرض المقدمة، أيضا، إلى الجهود التركية الرامية لانضمام أنقرة إلى عضوية الاتحاد الأوروبي باعتبارها جزءًا من الاضطراب الإقليمي بمنطقة الشرق الأوسط.

وهاتان المناقشتان تثيران تساؤلات بشأن التعريفات الجغرافية المناسبة لمنطقة الشرق الأوسط حيث كان ينبغي أن توضح المقدمة الفرق بين مفهوم "الشرق الأوسط الكبير"الذي يشمل أفغانستان والتعريف التقليدي للمنطقة. وعلاوة على ذلك، لم تتم الإشارة إلى أفغانستان وتركيا في بقية التقرير، مما يجعل الإشارة إليهما في المقدمة موضع تساؤل. 

وتتناول التقارير الأربعة  التالية الصراعات في الشرق الأوسط، من خلال وجهات نظر مختلف. ويناقش التقرير الأول الإسلام السياسي في المنطقة ، متخذًا العراق كدراسة حالة.  ويعرض جيلس كيبل تطور مفهوم الجهاد بمرور الزمن.  ويشير كيبل، بطريقة شبه ساخرة، إلى السبب وراء اتجاه حركة الجهاد إلى معاداة ما يطلق عليه " العدو البعيد"، وهو في رأيه يتمثل في فشل الحركة في تعبئة الجماهير في الداخل، مما أدى إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول. ويمكن أن يعد بمثابة  تحليل ضيق الأفق لدوافع الجهاد. فوفقًا لكيبل نفسه ، فإن الجهاد قد تطور، وهذا بدوره يعني أن حركة الجهاد الأيديولوجية الدينية غيرَّت هدفها، ليس نتيجة للفشل، ولكن نتيجة لحدوث تغير في الأولويات. وبعبارة أخرى، ظهور تهديد أكبر.

وأبرز خلل في هذا التقرير، هو أنه لم يفرق بين مفاهيم التطرف والجهاد والإرهاب، مما أدى إلى تعميم نمطي، حيث اعتبر التطرف جهادًا والجهاد شكلًا من أشكال الإرهاب. كما يتناول التقرير، أيضًا، الوجه الآخر للعملة  وهو حرب الولايات المتحدة على الإرهاب فوفقًا لكيبل، فإن حرب الولايات المتحدة على الإرهاب بمثابة مظهر من مظاهر الإرهاب وتعد تجسيدًا لأجندة بوش السياسية. وبناءً عليه، يستنتج كيبل أن منهج مكافحة الإرهاب والجهاد أثبتا فشلهما في العراق، مما أدى بدوره إلى وضع أوباما خططًا جديدةً تتعلق بجدولة الانسحاب من العراق.

ويتناول التقرير الثاني التحول في سياسات حماس، المتعلقة بالصراع العربي، الإسرائيلي، ويعطي الأمل في أنه قد يكون هناك ضوء في نهاية النفق. ويوضح فواز جرجس ببراعة كيف تمكنت حركة حماس من استخدام إيديولوجيتها الدينية لخدمة أغراض جديدة، وبالتالي  تأقلمت مع الضغوط الدولية والمتغيرات الجديدة في علاقتها مع إسرائيل. فقبول حماس لهدنة  يظهر إلى أي مدى تغيرت إيديولوجياتها لتحقيق أهداف سياسية يستحيل تحقيقها بأي طريقة أخرى. ويعقد جرجس مقارنة بين حماس والقاعدة، مبينًا الفرق بين المقاومة العسكرية القائمة على الدين والإرهاب. ولكن جرجس فشل في تسليط الضوء بصورة كافية على دور فتح في إحداث تحول في سياسات حماس، لكونها قوة معارضة محلية ، بالإضافة إلى دور الوساطة الإقليمية في تخفيف حدة أيديولوجيات حماس، والتي لا تزال ترفض الاعتراف بإسرائيل كدولة.

 ويناقش التحديث الإستراتيجي بعد ذلك دور الأردن في عملية السلام بالشرق الأوسط ، وتحديدًا الصراع العربي الإسرائيلي، في إطار الفكرة القائلة بأن "الأردن هي فلسطين". ووفقًا لنايجل آشتون، فإن الأردن تواجه مخاطر اقتصادية وسياسية كثيرة فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومع ذلك، يري  أشتون في تقريره أن تورط  الأردن، في هذا الصراع، لن يتجاوز مستوى معينًا، مما يجعله ـ إلى حد كبيرـ غير مؤثر.

وبالرغم من أن علاقات الأردن الدبلوماسية قوية مع العديد من الأطراف المعنية، وتحديدًا الولايات المتحدة وإسرائيل وفتح، فإنها لا تزال تملك الحد الأدنى من القدرة على التأثير في عملية السلام. وهذا يعود إلى التوجس الأردني من الوقوع في مأزق آخر نتيجة للصراع ، على غرار ما حدث خلال الحرب على غزة في ديسمبر/ كانون الأول عام 2008. والتقرير عموما يقدم تحليلًا جيدًا للدورالأردني في الصراع ومصالحها السياسية، وذلك بالرغم من تجاهله للأطراف المؤثرة إقليميًا مثل المملكة العربية السعودية ومصر. وهذا يعد خطأ كبيرًا في الإطار التحليلي للتقرير.

ويناقش التقرير الأخير امكانية توقع حدوث منعطف جديد في الصراع العربي الإسرائيلي. من خلال دراسة مختلف المتغيرات والعوامل المؤثرة في الصراع. ويرى أمنون آران أن إيهود باراك وبنيامين نتنياهو هما صانعا القرار الرئيسيان في النظام الإسرائيلي، في الصراع مع الفلسطينيين. ولكن باراك ونتنياهو على خلاف في الرأي، فباراك يرفض التفاوض، في حين يؤيد نتنياهو هذا التفاوض. كما يناقش أمنون التحول في السياسات نحو اليمين في إسرائيل، بالإضافة إلى الانقسام في الصف الفلسطيني الذي يعتبر نتيجة للتجمد السياسي لحركة حماس. ويناقش هذاالتقرير افتراض فواز جرجس المتعلق بتحول حماس سياسيًا. كما يسلط التقرير الضوء على النفوذ الأمريكي في هذا الصراع. ومع ذلك ، مثل تقرير نايجل اشتون، يتجاهل آران النفوذ الإقليمي وجهود التفاوض.

وبالرغم من عدم الاتساق بين تقاريره وإغفاله عدة عوامل حيوية في السياسة الشرق أوسطية، فإن التحديث الإستراتيجي لكلية لندن  للاقتصاد يقدم تحليلًا متعمقًا للصراع العربي الإسرائيلي ودولة العراق التي مزقتها الحرب.

font change