إيران وإعادة تعريف هوية العراق الوطنية

إيران وإعادة تعريف هوية العراق الوطنية

[escenic_image id="5510966"]

يعتبر تدخل إيران في الشؤون الداخلية للدول الأخرى في الشرق الأوسط أمرا معروفا جيدا. وتعد العراق واحدة من هذه الدول نظرا لسكانها ذوي الأغلبية الشيعية، وحكومتها التي يهيمن عليها الشيعة، ويسود الاعتقاد أن إيران سوف تبذل كل ما في وسعها للتأثير عليها. بيد أن المخاوف بشأن قدرة إيران على استغلال الموقف السياسي لجارتها بشكل حازم ربما تشوبها الكثير من المبالغة. وبالإضافة إلى ذلك, ربما تكون سياسة إيران تجاه العراق حسنة النوايا أكثر من أن تكون خبيثة النوايا. وفي النهاية، يعتبر التأثير الإيراني على العراق أمرا لا مفر منه، ولكن مدى تحديده لنتائج الأحداث في العراق سوف يعتمد أساسا على العراقيين وعلى إعادة تعريف هوية العراق الوطنية.

ويعد تحليل علاقات إيران الثنائية مع العراق إضافة  إلى بعض التطورات الأخرى في السياسة الخارجية الإيرانية أمرا ربما يكون مضللا . وتعتبر كثير من السمات المميزة لسياسة إيران الرافضة للأمر الواقع في المنطقة أمرا يبعث على القلق بالتأكيد. ولاسيما في ظل  دعم إيران لجماعات مثل حزب الله وحماس، أو برنامجها النووي الجريء، والذي خلق مخاوف في منطقة الشرق الأوسط وما وراءها. غير أن استقرار العراق سوف يأخذ في الحسبان  على الأرجح حسابات واضعي السياسات الإيرانية بشكل أكثر من رعايتهم لبعض الطوائف، وخاصة دعمهم غير الرسمي لجماعات مسلحة داخل العراق.

وينبغي أن يواجه ثقل إيران في العراق بشكل طبيعي. وتعد إقامة علاقات ودية وثيقة مع جارتها من قبيل السياسة براجماتية  تمشيا مع ما يسمى "العامل الشيعي في السياسة الخارجية الإيرانية". والهدف من هذه السياسة هو زيادة الأمن، وخلق فرص للتبادلات الاقتصادية والثقافية. وتعتبر الصلة بالاستقرار والأمن هي البعد الاقتصادي الهام جدا للعلاقة بين البلدين. وتعد إيران الشريك التجاري الثاني للعراق (تركيا الأول)، وتبلغ قيم التبادل التجاري السنوية 4 مليارات دولار وفقا للمسئولين العراقيين. وبالنسبة لبلدين يواجهان مشاكل اقتصادية، فمن المرجح أن يصبح هذا التبادل معلما بارزا في علاقتهما.

ونجد أن الحجاج الإيرانيين المتيممين وجهة العراق (إلى كربلاء على وجه الخصوص) هم جانب آخر مهم من العلاقات الثنائية الوثيقة بين البلدين، ليس فقط من المنظور الثقافي ولكن من الجانب الاقتصادي أيضا. وتساور العراقيين الكثير من الشكوك فيما يتعلق بسيطرة إيران على أعمال الحج في العراق، والتي تأتى بملايين من الإيرانيين عبر الحدود كل عام. ونجد مثالا على عدم ارتياح معظم العراقيين تجاه تحكم الشركات الإيرانية في كل قضية لوجستية تقريبا تحيط بحج المواطنين الإيرانيين يتمثل في  حظر العراقيين للافتات المكتوبة باللغة الفارسية في  كربلاء. غير أن هذا الحظر هو مجرد إجراء رمزي محدود لن يعوق تدفق الأشخاص والأموال من الحج الشيعي.

ويعتبر نوري المالكي وحكومته الشيعية واحدا من الأسباب الرئيسية للاعتقاد بأن إيران ستكون المسئولة فعليا عن مستقبل العراق. غير أنه ليس من قبيل  التبسيط المخل فحسب، وإنما  من الخطأ الافتراض بأنه نظرا لأن  حكومة المالكي شيعية فهي سوف تكون سعيدة لكونها أداة لإيران. وأمضى المالكي سنوات عديدة في إيران فعلا، حيث أنشأ حزب الدعوة الخاص به ووجد له ملاذا هناك  عندما كان يمثل حزب المعارضة الرئيسي لصدام. ومع ذلك، كانت هذه الصلات ظرفية و استمرت ريثما تخدم الطرفين ومعارضتهما المشتركة لنظام البعث بقيادة صدام حسين. وساءت هذه العلاقة قبل سنوات عديدة من الإطاحة بصدام، عندما قرر الإيرانيون تشكيل جماعة عراقية جديدة معارضة لصدام. وعارض المالكي المبادرة الإيرانية، وانتهى به المطاف بالانتقال إلى سوريا.

والصلة الإيرانية ليست المالكي أو حزبه، ولكنها المجلس الأعلى، والذي يعد أيضا جزءا من الائتلاف الحكومي. ومع وجود الحرب الأهلية والعنف المنتشر في العراق، تستطيع إيران الإفلات بسهولة من شبهة دعم الجماعات المتشددة المسلحة لتحقيق غاياتها. و أصبحت مثل هذه الأعمال أكثر تكلفة مع إدخال تحسينات هامة في الوضع الأمني في العراق. وإذا لم تمض الأمور كما هو متوقع للمجلس الأعلى الأثير لديها في انتخابات يناير البرلمانية، فربما تضطر إيران لقبول ذلك وتمارس ضبط النفس بمنح دعم سياسي ومالي سلمى للمجلس الأعلى.

وسواء سيحقق العراق مصالحة وطنية راسخة  أم لا فهذا واحد من العوامل الحاسمة في تحديد درجة النفوذ الذي تتمتع به إيران لدى جارتها. وأظهرت الصحوة السنية ضد جماعات تنظيم القاعدة في عام 2007، أنه لن يكون هناك أي مستقبل للعراق إذا لم تمنع العودة إلى الو لاءات الطائفية. وكانت الصحوة السنية حاسمة في تحسين الوضع الأمني في العراق. وبعد هذه  الصحوة، تصاعد الأمل في وجود سياسات تشمل جميع الفئات في العراق. ومنذ ذلك الحين، انضم العديد من أعضاء حركة الصحوة إلى قوات الأمن العراقية ومناصب حكومية أخرى. وتضاءلت هذه الآمال نتيجة الفشل في دمج السنة سياسيا. وحاولت الحكومة العراقية حقا تغيير هذا الوضع، ولكن بوتيرة بطيئة نوعا ما.

ونجد بين كل النتائج المحتملة المترتبة على إعادة تعريف الهوية الوطنية العراقية، سيناريو مجزأ بين الشيعة والسنة والأكراد، وهو يخدم فرص إيران للتدخل في الشؤون الداخلية للعراق. وهناك نتيجة آخري محتملة وهي تحقيق هوية وطنية عراقية راسخة ووجود سياسات شاملة تستوعب كل مصالح ومطالب السنة والشيعة والأكراد، وهو أمر سيكون شديد الأهمية لضمان مستقبل عراقي مستقل. وفي معركة "الهويات"، من المرجح أن تتفوق الهوية العراقية-العربية، وتساهم في الحفاظ على الدرجة المطلوبة من استقلال العراق عن جارتها المتدخلة.

font change