الأمريكيون يؤمنون بالقوة والأوربيون يفضلون المنطق !

الأمريكيون يؤمنون بالقوة والأوربيون يفضلون المنطق !

[escenic_image id="5510845"]

هناك الكثير من المصطلحات المستخدمة لوصف التدخل الدولي في أفغانستان. وتحمل جميعها مضامين سياسية. في الولايات المتحدة، كان مصطلح "الحرب" هو المُفضَّل في عهد بوش. ولم يتغير هذا مع إدارة أوباما. وكما أعلن أوباما في شهر مارس/آذار عام 2009، "مضى أكثر من سبع سنوات منذ إبعاد حركة طالبان عن السلطة، غير أن الحرب ما زالت مشتعلة، ويسيطر المتمردون على أجزاء من أفغانستان وباكستان... ولم تختر الولايات المتحدة الأمريكية خوض حرب في أفغانستان." في معظم العواصم الأوروبية، تُقابَل كلمة "الحرب" بمزيد من  الحذر والريبة. ويفضلون هناك مصطلحات "إعادة الإعمار" أو "حفظ السلام".

في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، شنت الولايات المتحدة وبريطانيا عملية "الحرية الدائمة" ضد تنظيم القاعدة وحركة طالبان (وقدمت الأخيرة ملاذًا آمنًا للقاعدة). وكانت هذه بداية "الحرب على الإرهاب"، والتي أصبحت في أفغانستان الحرب ضد تنظيم القاعدة وحركة طالبان ومسلحين آخرين بالإضافة إلى تجار المخدرات. كما قام حلف الناتو، للمرة الأولى منذ إنشائه، بتفعيل المادة رقم (5) ونشر قوة المساعدة الأمنية الدولية، تحت سلطة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومنذ ذلك الحين، دبت التوترات والخلافات بشكل دائم بين الولايات المتحدة وبريطانيا إلى حد معين، وبين جميع أعضاء حلف الناتو الآخرين الذين لديهم وجود قوي في أفغانستان.

وتشير الطرق المختلفة لوصف التدخل ، سواء كانت "حربًا" أو "إعادة إعمار"، إلى أكثر من مجرد اختلافات لفظية. ويعبر استخدام مصطلحات مختلفة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن المنطق وراء وجودهما في أفغانستان، والأهم من ذلك الأسلوب الذي هما على استعداد للتدخل وفقًا له. وعلى عكس التسمية الصريحة  من جانب  الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للتدخل "بالحرب على الإرهاب"، قامت دول الاتحاد الأوروبي بالمشاركة في عمليات "إيساف" التابعة لحلف الناتو وفقًا لهدف رسمي وهو؛ مساعدة "الحكومة الأفغانية في الحفاظ على الأمن في كابول والمناطق المحيطة بها، بحيث يتسنى للسلطة الأفغانية المؤقتة الجديدة وموظفي الأمم المتحدة العمل في بيئة آمنة ".

ويمكن إيجاد  تفسيرات كثيرة لأساليب ودرجات التدخل المختلفة. بادئ ذي بدء، كانت الولايات المتحدة الهدف لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، ومن ثَم شعُرت أكثر من غيرها بالحاجة للتصرف على نحو أكثر فاعلية في أفغانستان. وتعتبر بالتأكيد مسألة القدرات والوسائل المتاحة أمرًا مهمًا أيضًا. وبينما تعد الولايات المتحدة القوة العسكرية الرائدة في العالم دون شك، وتمتلك المملكة المتحدة الجيش الأهم بين كل دول الاتحاد الأوروبي، فإن بقية أعضاء الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو المشاركين في أفغانستان لا يتوفر لديهم أي شيء مماثل من حيث القدرات العسكرية. ومع ذلك، ليس هذا هو التفسير الأساسي. وبدلا من ذلك، تعتبر الفجوة في الإمكانات نتيجة أخرى للقضية المركزية وهي كيفية إدراك هذه الدول نفسها للعالم، وكيفية شعور  مجتمعاتها حيال العنف بشكل عام، والحرب بشكل خاص.

 وتعد الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي دولا ديمقراطية، ولكن من نوعيات مختلفة. ولعل الفارق الأكبر بين ديمقراطية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هو مدى الاستعداد الداخلي لمجتمعات هذه الدول لتقبل شن الحرب. ووصف روبرت كاجان هذا الفارق  جيدًا حين قال: إن  الأمريكيين يعيشون في عالم يؤمن بالسلطة بينما يعيش الأوروبيون في عالم يؤمن بالمنطق. وينعكس هذا الأمر على كيفية تعامل الساسة  الأمريكيين من جهة، وساسة الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، مع الصراع  بين الضغوط الانتخابية المحلية والتحديات الأمنية الدولية.

ولا تعد المساهمة الأوروبية في أفغانستان ضئيلة، كما يتضح من  التعهد الأوروبي بدفع أكثر من 8 مليارات يورو كمساعدات. وجاء هذا الإسهام مطابقًا لما استشعره الأوروبيون من حيث إنه  يمثل قدراتهم وآلياتهم الخاصة  بشكل أفضل، وخاصة أنه يتسق مع مزاج الرأي العام الداخلي لديهم والذي لا يتعاطف مع الحرب. وهذا يفسر التركيز على بناء المؤسسات، وإصلاح النظام القضائي، وتدريب الشرطة، والتنمية الريفية.

 في الولايات المتحدة، يتركز النقاش الدائر عن  أفغانستان مرة أخرى حول إرسال مزيد من القوات على الأرض أو لا، خاصة بعد تقرير الجنرال ماكريستال في شهر أغسطس/آب. ورغم أن إدارة أوباما كانت مترددة في زيادة القوات لأسباب سياسية أو كإظهار للقوة، فهي لم تستبعد إمكانية تعزيز الوجود العسكري هناك. ويتناقض هذا السيناريو بشدة مع المناخ السائد في العواصم الأوروبية. ويعد النقاش الرئيسي في أوروبا هو موعد الانسحاب، وتتعالى أصوات من ينادون بالانسحاب "في أقرب وقت ممكن".

 وفي حين لم تكترث الدول الأوروبية في حلف الناتو بالحرب، كانت الحرب مكترثة بها. ولم تكن الحرب من النوع التقليدي بالتأكيد، ولكنها ما تسمى بـ "الحرب الجديدة" أو "الحرب غير المعتادة". ولكنها لا تزال حربًا على أية حال. وأبرز مثال على مدى مشاركة قوات الناتو الأوروبية في الصراع أكثر مما كان متوقعًا يتعلق بالقوات الألمانية. وكانت القوات الألمانية في السابق لا يسمح لها بالاشتراك في عمليات قتالية، غير أنها اضطرت، تحت وطأة الهجمات العنيفة لطالبان، إلى إعادة النظر في قواعد الاشتباك والتي يعود تاريخها إلى حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

 باستثناء المملكة المتحدة، لم تختر دول الاتحاد الأوروبي أن تتدخل في أفغانستان بهدف تحقيق النصر في الحرب. وكان الأهم بكثير هو وجود موقف سياسي وليس موقفًا عسكريًّا. ولم تستطع الدول الأوروبية ترْك الولايات المتحدة تقطع  ذلك الطريق بمفردها. وكان قرارًا يهدف إلى الحصول على رصيد سياسي، إلا أنه قد وضع هذه الدول في موقف  ضعيف فيما يتعلق بهوياتها في عالم ما بعد الحرب.

font change