حركة الشباب ... طالبان الصومالية

حركة الشباب ... طالبان الصومالية

[escenic_image id="5510635"]

في سبتمبر الماضي شنت القوات الأمريكية الخاصة غارة ضد إحدى القوافل في جنوب الصومال. وقد استهدفت هذه الغارة صالح علي نبهان، وهو رجل صومالي من أصل كيني ويعتبر من أبرز نشطاء القاعدة في  شرق إفريقيا ويعتقد الخبراء أنه كان ضالعا في هجوم عام 2002 بأحد الفنادق في ميناء موباسا بجنوب كينيا، بل إنه كان متورطًا في تفجيرات السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا. وقد قتل نبهان مع عدد من أعضاء حركة الشباب المجاهدين التي كان أيضا عضوًا فيها. ويعتقد أيضا أنه كان حلقة الوصل بين هذه الجماعة وقيادة القاعدة في باكستان. ودلالة هذه العملية هي أن الولايات المتحدة بينما تشن حربًا ضد التمرد في أفغانستان، فإنها لا تغفل عما يدور في الصومال. ويعد القاسم المشترك بين تاريخ طالبان في أفغانستان وحركة الشباب في الصومال دافعًا قويًا وراء التوجه الأمريكي.

وبالطبع تعد أفغانستان والصومال دولتين مختلفتين تمامًا. وأحد الفروق الجوهرية بينهما هو تعدد الجماعات الإثنية في أفغانستان بينما تتميز الصومال بالتجانس السكاني فيما يختص بالثقافة واللغة والدين. وقد تحطمت إمكانية الاستفادة من هذا التجانس في عام 1969 عندما تولى سياد بري مقاليد الحكم في الصومال. و نجح نظامه الدموي في عزل كل العشائر والبطون باستثناء العشيرة التي ينتمي إليها. وكنتيجة لذلك، فمازال التنافس العدائي بين العشائر قائمًا إلى اليوم. وبوجه عام، فإن القاسم المشترك بين الصومال وأفغانستان هو سجل تاريخي من ضعف الدولة واستشراء الصراع، وخاصة في ظل التشابه بين الأذرع القوية لطالبان وحركة الشباب.

وخلال عامي 2006 و2007 تمكنت الحكومة الصومالية، مدعومة من جانب الولايات المتحدة وإثيوبيا،  من إلحاق الهزيمة بتجمع المحاكم الإسلامية. وقد ارتأت حركة الشباب، وهي جماعة منشقة عن تجمع المحاكم الإسلامية، أن رسالتها الأولى تتمثل في طرد القوات الإثيوبية من الصومال، مثلما فعلت حركة طالبان مع السوفييت في أفغانستان. وبعد أن قاست ضغوطا متزايدة من حركة الشباب والجماعات المتطرفة الأخرى، فسرعان ما انسحبت القوات الإثيوبية. وفي ظل عدم وجود قوات أمريكية على الأرض، ووجود دعم محدود من جانب بعثة الاتحاد الإفريقي الواهنة (أميصوم)، سرعان ما أصبحت الحكومة الصومالية هدفًا سهلًا للمتشددين. وهكذا أصبح إسقاط الحكومة والاستيلاء على السلطة هو الهدف التالي لحركة الشباب، في ضوء مافعلته طالبان في أفغانستان.

وإذ تتمركز في مقديشو والمناطق المحيطة، فإن حركة الشباب المجاهدين تنشط من العاصمة وتسيطر على معظم الجنوب الصومالي على طول الطريق إلى الحدود الجنوبية مع كينيا. وعلى النقيض من النمط التقليدي المتسامح للإسلام في الصومال، تسعى حركة الشباب إلى فرض نموذجها المتطرف عن الإسلام، تمامًا مثلما فعلت طالبان في أفغانستان. وهكذا أصبحت حالات الإعدام و قطع الأطراف على الملأ وعمليات اغتيال نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين ظواهر واسعة الانتشار.

ويؤدى وجود عدد من المجاهدين الأجانب في صفوف جماعة الشباب إلى مقارنتها  مرة أخرى بجماعة طالبان. ورغم أن المنفذين الرئيسيين لعمليات الجماعة وزعمائها الروحيين من الصوماليين، فإن هؤلاء الأجانب يشغلون مناصب مهمة داخل المنظمة. ويبدو أن طموحات الجماعة لا تقتصر على الصومال وحدها. ونفذت الجماعة العديد من التفجيرات  الانتحارية في الصومال  وبلاد بونت وإثيوبيا وكينيا. وتعد تلك التفجيرات دليلًا على طموحاتهم، وقد قام بمعظمها عناصر أجنبية. كما هددت جماعة الشباب أخيرًا حكومتي أوغندا وبوروندي، وهما الدولتان اللتان تتألف منهما قوة الاتحاد الأفريقي في مقديشو.

في عام 2008، أجرى مراسل شبكة "بي بي سي" روب ووكر مقابلة مع قائد إحدى خلايا جماعة الشباب. ويعد ووكر واحدًا من الصحفيين الغربيين القلائل الذين لا يزالون يتحلون بالجرأة الكافية للذهاب إلى الصومال. وعندما سأله الصحفي عن الصلات الواضحة بين الجماعة والقاعدة، نفى القائد تلك الصلات بشكل غير مقنع .

وأضاف القائد قائلا: "إننا جميعا إخوة، وهدفنا المشترك هو وجود الشريعة كقانون في بلدنا. تنظيم القاعدة يريد ذلك ونحن نريد ذلك". ويبدو أن جماعة الشباب متعاطفة على الأقل مع فكر عالمي للجهاد. وهناك أمور توضح هذا بما يكفى ومنها حشد الجماعة للجهود في جميع أنحاء العالم على شبكة الإنترنت، ودفع الرواتب للأجانب الذين ينضمون إلى صفوفها، وبصفة خاصة صلات الجماعة بهجمات انتحارية فاشلة في استراليا والمملكة المتحدة.

ويحمل الوضع الراهن للصومال تشابهًا مقلقًا بأفغانستان بالفعل. وكما حدث في أفغانستان عام 1996، تبدو حكومة الرئيس شريف أحمد ضعيفة وعاجزة، وهناك احتمال كبير للإطاحة بها من قبل مجموعة متطرفة يدعمها ويلهمها تنظيم القاعدة. و بالرغم من هذا، تتدخل الولايات المتحدة في الصومال بدرجة أقل كثيرا من تدخلها في أفغانستان.

وتوجد عدة أسباب لذلك. والسبب الواضح بالطبع هو هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وهناك أيضا ذكرى الواقعة المشئومة لمعركة مقديشو في عام 1993. وبالإضافة إلى ذلك، ثمة فكرة ترى أن الموارد ضئيلة، ولهذا اتبعت الولايات المتحدة لفترة طويلة إستراتيجية من الغارات المحدودة داخل الأراضي الصومالية انطلاقًا من كينيا وإثيوبيا أو قواعد بحرية.

ومع وجود شواغل أهم في جدول سياستها  الخارجية، فلن تتدخل الولايات المتحدة بشكل كبير في الصومال. ولهذا السبب تحديدًا، يشكل صعود جماعة الشباب قضية مهمة جدًا يمكنها أن تكشف عما إذا كانت العمليات الأمنية الضخمة وبناء الدولة في الدول الفاشلة (أو حتى المنهارة في حالة الصومال) تمثل إستراتيجية منطقية لمكافحة الإرهاب العالمي.

وفي حالة امتداد تأثير جماعة الشباب وانتشارها العالمي، فسوف ينشأ نمط أكثر وضوحًا يكون في الوسط بين فشل الدولة وتهديد الإرهاب الدولي. وإذا لم يحدث ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها المحتملين ألا يحاولوا مجرد التفكير في إمكانية الدخول إلى الصومال.

مانويل ألميدا

font change