عبد الله عبد الله: الطاجيكى الذي يحلم بالرئاسة

عبد الله عبد الله: الطاجيكى الذي يحلم بالرئاسة

[escenic_image id="5510631"]

الغموض والذكاء السياسي، صفتان يتميز بهما الدكتور عبد الله عبد الله مرشح الرئاسة في أفغانستان، ليس فقط بسبب إخفائه لاسمه الحقيقي الذى لن يعلنه إلا بعد فوزه في الانتخابات ، وإنما  تاريخ عبد الله به الكثير من علامات الاستفهام منذ أن كان طبيبا للعيون ، وإلى أن أصبح أحد اثنين يتسابقان لمقعد الرئاسة في قصر جلستان.

فأي متابع للشأن الأفغاني يتذكر أن الدكتور عبد الله وزير الخارجية السابق كان دائمًا مع التحالفات الطاجيكية في أفغانستان، كما كان يقدم نفسه على أنه طاجيكي من منطقة بانشير التي ينحدر منها أحمد شاه مسعود القائد العسكري لتحالف الشمال الذي دأب على اختيار قادته من نفس المنطقة، لكن المدهش أن عبد الله كان  يقوم بمحاولات جادة لطرح نفسه على أن أبيه بشتوني من قندهار وأمه طاجيكية من بانشير، ونشر عبد الله هذه المعلومات على صفحة موقعه الرئيسي على الإنترنت، وهو واثق من أن  قلة المختصين في الشأن الأفغاني وصعوبة الاتصالات بأفغانستان ستجعل من الإنترنت أحد أهم مصادر الباحثين، وبالفعل اندفع عدد كبير من الصحفيين والوسائل الإعلامية العربية والأجنبية وراء المعلومات التي نشرها عبد الله عن نشأته على الإنترنت دون اجتهاد لبحث هذا التناقض الكبير والذى فضحته أحداث عديدة أبرزها تاريخ د. عبدالله الذى يعلم أغلب الباكستانيين أنه  ارتبط بحزب الجمعية الإسلامية التي يرأسها الدكتور رباني،، فهذه الجمعية الإسلامية إحدى الجهات التي كانت خلال الثمانينيات  تجمع الأفغان من العرقية الطاجيكية في المنفى "بيشاور" وتقدم لهم المساعدات وتقاتل السوفييت، أما القندهاريون فكانوا ينضمون إلى تكتلات بشتونية مثل الحزب الإسلامي لحكمتيار أو حزب الدعوة لسياف أو التنظيمات التابعة لصبغة الله مجددي الزعيم الروحي للصوفية النقشبندية في أفغانستان، أو تنظيم السيد جيلاني زعيم الحركة الجيلانية الصوفية.

كما أكد هذا التناقض الصور القديمة التي تعود للثمانينيات ويعرضها الدكتور عبد الله لنفسه على صفحات موقعه على الإنترنت و تظهره مرتديًا "باكول" ،وهي قبعة صوفية اشتهر بها أحمد شاه مسعود، وأي متابع جيد للشأن الأفغاني يدرك أن الـ باكول هو المميز لمناطق الشمال وأهلها الطاجيك، إضافة إلى بعض مناطق الشرق الأفغاني، أما القندهاريون فلهم قبعة مختلفة تماما يظهر فيها فن التطريز واضحًا أو يعتمدون العمامة، وربما بالنسبة للعالم العربي قد لا يشكل ذلك فرقًا، لكن في أفغانستان فإن غطاء الرأس له أهمية كبيرة، ونادرًا ما يتنازل أحدهم عن غطاء الرأس الذي يميز منطقته.

وزاد فى فضح تناقض عبدالله  أنه جرت العادة لمرشحي الرئاسة الأفغانية أن يختاروا النائبين من عرقيتين مختلفتين، بحيث يكون الرئيس ونائباه من ثلاث عرقيات مختلفة لضمان أكبر عدد ممكن من الأصوات، فمثلا كرزاي البشتوني اختار المارشال فهيم الطاجيكي كنائب أول، وكريم خليلي من الهزارة الشيعة كنائب ثانٍ، وهذا ما يقوم به جميع المرشحين الجادين للرئاسة، أما الدكتور عبد الله عبد الله فاختار همايون شاه آصفي كنائب أول، وآصفي من قبيلة بشتونية معروفة ونسيب الملك السابق محمد ظاهر شاه، وعمد عبد الله إلى هذا الاختيار لثقته بأنه بحاجة شديدة إلى أصوات البشتون، الذين لن يصوتوا لطاجيكي خاصة من بانشير، وآصفي كنسيب للملك يحظى بنسبة من الاحترام في أوساط القبائل البشتونية، فلو كان عبد الله عبد الله من أب بشتوني قندهاري لأعلن اسمه وقبيلته وضمن بذلك أصوات البشتون من دون عناء، لكن عدم ثقته في تقبل البشتون لادعائه بأنه قندهاري هو ما جعله يختار نائبًا من عائلة بشتونية معروفة.

ويضيف  الدكتور عبد الشكور رشاد المؤرخ الأفغاني الأشهر  سببًا آخر للتناقض وهو أن الدكتور عبد الله ولد لأب وأم طاجيكيين من وادي بانشير، وأن والده كان يعمل في وزارة الأشغال في ولاية قندهار، وتوفي بعد ولادة عبد الله بثلاثة أعوام تقريبا، فتزوجت أمه من بشتوني قندهاري نشأ عبد الله في منزله، ويبدو أن عبد الله استغل هذه الواقعة بذكاء لينسب نفسه إلى زوج أمه القندهاري وليس لأبيه البانشيري، معتقدا أن الغالبية العظمى لا يعلمون هذه التفاصيل العائلية الدقيقة. ولأن الحملة الانتخابية كانت أحد أهم المراحل في رحلته السياسية  فقد عمل عبدالله بدهاء شديد على الدعاية الانتخابية، وظهر هذا في مناطق قندهار والجنوب الغربي عمومًا فقد ألحق صوره بصورة لـ "ميرويس هوتك" في الملصقات الدعائية، "وهوتك" يعد أحد مؤسسي الدولة الأفغانية الحديثة ، ومحبوب في مناطق البشتون لدرجة رفعه إلى مراتب أولياء الله الصالحين، والذكاء هنا يكمن في أن هوتك ينحدر من فرع غلزاي البشتوني وهو الفرع الأكبر المنافس لفرع بوبلزاي الذي ينحدر منه حامد كرزاي، ويعلم الدكتور عبد الله جيدًا أن جميع البشتون المنتمين لغلزاي حانقون على كرزاي بعدما استبعدهم هو وأقاربه من كل المناصب في مناطقهم وأوكلها إلى أقربائه من فرع بوبلزاي، فأراد دكتور عبد الله بهذه الدعاية أن يحرم كرزاي من نحو نصف أصوات البشتون في قندهار التي صوت أكثر من ثلاثمائة ألف منها لكرزاي في انتخابات 2004 الرئاسية.

فى كل مراحله السياسية لم تخل خطوة خطاها د. عبدالله من الدهاء وإثارة الجدل حوله بداية من وجوده في العاصمة كابول إلى عام خمسة وثمانين، ثم انضمامه إلى المجاهدين الأفغان  كطبيب عيون عام ستة وثمانين، فالمعروف أن المجاهدين الأفغان  كانوا ينظرون لكل من بقي داخل أفغانستان بعد الغزو السوفيتي عام ثمانين كخائن وشيوعي، خاصة إذا كان يدرس في المؤسسات التعليمية التي سيطر عليها الشيوعيون، أو يعمل مع الحكومة الشيوعية، والدكتور عبد الله تخرج في كلية طب جامعة كابل عام ثلاثة وثمانين، ثم التحق بمستشفى نور للعيون في كابول وعمل به لعامين  قبل أن يسافر إلى بيشاور ليعمل هناك كطبيب للعيون في مستشفى سيد جمال الدين ويلتحق بحزب الجمعية الإسلامية ومن ثم يصبح من المقربين لأحمد شاه مسعود نظرا لإتقانه اللغة الإنجليزية وبراعته السياسية، ، فلو  كان عبد الله عبد الله مجرد شخص عادي لربما تم إعدامه من قبل حركات المجاهدين المختلفة في بيشاور فور وصوله باكستان بتهمة الخيانة ، لكن السياسي الموهوب لم يفلت فقط من المحاكمة ، بل  استطاع الترقي بسرعة حتى أصبح الناطق باسم الجمعية الإسلامية وأحمد شاه مسعود ثم وزيرا للخارجية في عمر صغير، رغم أنه من المعروف أن عبد الله لم يحمل سلاحًا ضد السوفييت ولم يشارك في الجهاد،

ورغم التربية وسط أسرة يصفها عبدالله نفسه بالمتدينة ، فإن هذا لم يمنعه عام 2004 من نفى أى علاقة انتماء لحزب الجمعية الإسلامية فى أى فترة من فترات حياته ، ولم يكن هذا النفى إلا وسيلة للهروب من التورط فى أى محاكمة بعدما تردد وقتها عن وجود اتجاه لدى  الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بمعاونة الرئيس كرزاى لفتح ملفات جرائم الحرب التي ارتكبتها الأحزاب الأفغانية المتصارعة خلال الحرب الأهلية ورغم غضب الكثيرين وانتقادهم لهذا التصرف الهروبلاى فإن عبدالله فسر تصرفه بأنه  برجماتية مطلوبة فى العمل السياسى ، بها صنع اسمه فى عالم السياسة ، وبها أيضا استطاع ابن التاسعة والأربعين عامًا  أن يوظف أحدث الصراعات في حملته الانتخابية، رفع شعار حملته "تغيير واميد" وهي تعني "التغيير والأمل" وهو شعار مأخوذ من شعار حملة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذى أراد عبدالله تقليده  أيضا فى استخدام الفيس بوك فى المعركة ، لكن الأفغان الذين لا تتوفر لهم الكهرباء لم ينضموا بكثافة لأعداد المناصرين له على الإنترنت، فهناك فقط 1770 سجلوا أنفسهم كمناصرين لعبد الله عبد الله، بعدما عرض موقعه على الفيس بوك صورة لكرسي تظهره يحتسي كأسًا من الخمر مع مسئول أمريكي.

ورغم أن د. عبدالله يستخدم كل ما يمتلكه من مهارات وملكات سياسية فى معركته الرئاسية فإن المحللين والخبراء يرونه رياضات الفروسية وكرة الطاولة والسلة، ويؤكد المتسابق الرئاسي أنه نشأ في عائلة متدينة، وتربى على حب الشعر الفارسي، وأي محاور للمرشح الرئاسي يدرك سعة اطلاعه، لكن الدبلوماسي المحنك يغامر بتاريخه السياسي الممتد على مدار عقدين من الزمن، فرغم أن البشتون لم يصوتوا بكثافة لكرزاي في الجولة الأولى من الانتخابات، فإن احتمال وصول عبد الله عبد الله لسدة الرئاسة سيستفز الجانبين القبلي والعرقي عند البشتون الذين يمثلون الغالبية في أفغانستان، ما سيدفعهم إلى تجاوز الحاجز النفسي والخروج يوم الانتخابات إلى مراكز الاقتراع في محاولة لمؤازرة كرزاي رغم استيائهم منه، فمنذ أنشئت دولة أفغانستان الحديثة لم يحكمها إلا من كانت أصوله بشتونية، ورغم وصول حبيب الله كلكاني الطاجيكي إلى الحكم بعد انقلاب في يناير عام 1929 على الملك أمان الله خان الإصلاحي، إلا أن قبائل البشتون تعاونت مع محمد نادر ابن عم أمان الله خان ضد وصول طاجيكي إلى رأس الدولة وخلعوا كلكاني الذي اشتهر في التاريخ الأفغاني بابن السقا، وفي حالة وصول عبد الله عبد الله إلى سدة الرئاسة فإن هذا يعد أقوى ما يمكن تقديمه لطالبان كي تحصل على آلاف الحلفاء الجدد إذا لم يتوصل عبد الله عبد الله لاتفاق مع كرزاي على تقاسم السلطة.

font change