لماذا تتحدى باكستان والهند معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية؟

لماذا تتحدى باكستان والهند معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية؟

[escenic_image id="5510566"]

لقد أصبح الموقف المتدهور في باكستان أحد أكثر القضايا التي شغلت المجتمع الدولي على مدار السنوات الماضية. فوجود متمردي طالبان ومقاتلي القاعدة، والتوتر المتفاقم على الحدود الباكستانية الأفغانية، والنزاع الحدودي مع الهند بمثابة ثلاثة من أبرز المشكلات التي تواجه حكومة رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني. ومع ذلك، فإن الترسانة النووية الباكستانية أصبحت في دائرة الضوء كأحد الهموم التي تشغل المجتمع الدولي. وبعبارة أكثر تحديدًا، يجد العالم صعوبة في رصد ومراقبة الترسانة وانعدام السيطرة العسكرية عليها. ويرى كثير من خبراء حظر انتشار الأسلحة النووية أن مخاطر التكنولوجيا النووية التي تشق طريقها لتصل إلى نشطاء غير رسميين أكبر في باكستان من أي مكان آخر.

والمعروف أن باكستان والهند لم تنضما إلى معاهدة حظر الانتشار النووي. ومنذ تجارب الأسلحة النووية التي أجرتها الدولتان في عام 1998، تم حث كلا البلدين على الانضمام إلى نظام حظر الانتشار النووي في مناسبات عدة. ومع ذلك، فإن احتمالات موافقة أي منهما على الانضمام للاتفاقية ضئيلة جدًا. فإسلام أباد لن توقع على الاتفاقية ما لم توقع عليها الهند، والعكس صحيح.

ومما أضعف احتمالات انضمام باكستان والهند إلى اتفاقية حظر الانتشار النووي العداء التاريخي بين البلدين والتطورات الأخيرة التي شهدها النزاع بينهما. فإسلام أباد ظل يراودها الخوف من استيلاء الهند على إقليم كشمير منذ الحرب الباكستانية الهندية عام 1947. وقد خاضت الدولتان حربين أخريين وحدثت مناوشات بينهما مرات عدة. لكن العنف بين البلدين تراجع بشكل كبير منذ التجارب النووية عام 1998. وتعتبر إسلام أباد هذا بمثابة دليل على التأثير الرادع لترسانتها النووية.

وقد اتضح هذا التأثير بشكل أكبر في نوفمبر تشرين الثاني من العام الماضي عندما قام عشرة مسلحين بقتل 173 شخصًا على الأقل وجرح ما يزيد على 300 شخص في مومباي.وكشفت قوات الشرطة الهندية عن هوية منفذي الهجوم بأنهم كانوا يحملون الجنسية الباكستانية كما كانت هناك تلميحات إلى أن جهاز المخابرات الباكستاني كان على علاقة بتلك العمليات. وتفاقمت التوترات بين الحكومتين إلى أن اعترفت باكستان في فبراير شباط من العام الجاري أنه على الأقل تم التخطيط جزئيًا لتلك العمليات على أراضيها. وقد احتجزت الشرطة الباكستانية أيضاً العديد من الأشخاص بتهمة ارتباطهم بهذه العمليات. وفي مايو أيار، صرح د.سمر مباركماند، وهو عالم نووي باكستاني معروف، بأن القدرة النووية لبلاده قد حمتها من التعرض لهجوم من قبل الهند عقب التفجير الإرهابي في مومباي. وهذا يعكس ضعف الثقة لدى كثير من الباكستانيين حيال جارتهم الجنوبية.

وقد زادت درجة انعدام الثقة في أكتوبر تشرين الأول من عام 2008، عندما أعطى الكونجرس الأمريكي موافقته النهائية على إبرام صفقة نووية مدنية مع الهند. وكان الرئيس الأمريكي السابق بوش ورئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ قد قدما هذا الاتفاق لأول مرة في يوليو من عام 2005، والاتفاق يرفع الحظر الأمريكي على تقديم مساعدات تتعلق بالتكنولوجيا النووية والصادرات على الهند؛ ذلك الحظر الذي يعود تاريخه إلى أكثر من ثلاثة عقود مضت. وفي مقابل هذه المساعدة، سوف تتم مراقبة المنشآت النووية المدنية الهندية من قبل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومع ذلك، فإن الاتفاق لا يغطي المنشآت النووية العسكرية، حتى بالرغم من أن الهند أصبحت الآن مؤهلة لشراء تكنولوجيا ومعدات نووية ذات استخدام مزدوج لتخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة البلاتينيوم، وكل هذا يمكن استخدامه في تصنيع أسلحة نووية.

و يجادل منتقدو الصفقة بأنها تتضمن نوعًا من التمييز ضد باكستان، والتي قد تقرر اللجوء إلى الصين للحصول على اتفاق مماثل. ولأن كلًا من إسلام آباد وبكين تعتقدان أن الاتفاق بين واشنطن ودلهي موجه إليهما، يبدو من الواضح أن الاتفاق لن يؤدي سوى إلى تعزيز علاقاتهما النووية والحد من شهية باكستان للانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي.

 والواقع، أنه عندما زار الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري الصين بعد وقت قصير من موافقة الكونجرس الأمريكي على الاتفاقية، أعلنت بكين أنها سوف تساعد باكستان في بناء مفاعلين نوويين.

و هناك عدم ثقة متبادلة بين الهند و باكستان. وقد عززت المشاكل التاريخية، والتي من أبرزها مشكلة كشمير المذكورة آنفًا، من مخاوف الهنود. بيد أن مجموعة من التطورات الأخيرة قد أثارت مخاوف دلهي بشكل كبير من إسلام أباد بسبب برنامجها النووي. وقد تمثلت هذه التطورات في اكتشاف شبكة خان السرية لنشر الأسلحة النووية.

و في يناير عام 2004، اعترف عبد القدير خان بأنه شارك في توريد التكنولوجيا النووية إلى إيران وليبيا وكوريا الشمالية. وعلى الرغم من أنه في وقت لاحق تراجع عن اعترافه هذا فإن إيران وليبيا قد أكدتا أنهما قد تلقتا عناصر نووية من شبكة خان. وفي وقت سابق من هذا العام، عندما أطلقت إحدى المحاكم الباكستانية سراح خان من الإقامة الجبرية التي كانت مفروضة عليه لتورطه في أنشطة الشبكة، اتهم أمين الشئون الخارجية الهندي، أناند شارما، باكستان بخداع بلاده. وهذا يدل على حساسية الهند تجاه أنشطة شبكة خان المتعلقة بنشر التكنولوجيا النووية والتوترات التي تنشأ عن ذلك. وإلى جانب الحالة السياسية والأمنية المثيرة للقلق في باكستان، فإن لدى الهند مخاوف حقيقية من أن إسلام أباد قد تكون عاجزة عن السيطرة على ترسانتها النووية.

وحتى في حال حدوث تحسن ملحوظ في العلاقات بين باكستان والهند، فإنه من غير المرجح أن تنضما إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، و ذلك بسبب القضايا الإقليمية. فالهند تعاني منذ فترة طويلة من مشاكل حدودية مع الصين ذات الترسانة النووية. وعلى حدود باكستان الغربية توجد إيران، والتي تبدو حكومتها مصممة على الحصول على برنامج نووي، بالإضافة إلى امتلاك أسلحة نووية، وفقا لما ذكرته بعض الدول الغربية. وتسمح القدرات النووية لكلٍ من باكستان والهند لكلا البلدين بتحقيق التوازن في مقابل جيرانهما الأقوياء، ولكنها في نفس الوقت تعمل على تعقيد المعادلات الإستراتيجية، مما يجعل جميع القوى الموجودة في المنطقة ترغب في امتلاك أو حيازة أسلحة نووية.

و يعني العداء المستحكم بين الهند وباكستان أنه من غير المحتمل أن تنضم أي منهما إلى معاهدة حظر الانتشار النووي في أي وقت قريب. ولذلك، ينبغي أن تركز الجهود المبذولة للتقليل من خطر انتشار الأسلحة النووية في جنوب الهند على تحقيق الاستقرار في باكستان وتحسين السيطرة العسكرية على ترسانتها.

font change