حالة عدم الاستقرار ليست في صالح الأطراف الإقليمية والدولية

حالة عدم الاستقرار ليست في صالح الأطراف الإقليمية والدولية


شهدت منطقة القبائل الباكستانية والمدن الرئيسية أعنف سلسلة من الأحداث الدامية خلال شهر أكتوبر المنصرم، وذلك تزامنًا مع إعلان الجيش الباكستاني بدء عملية عسكرية مكثّفة في منطقة وزيرستان الجنوبية، معقل طالبان باكستان، ورغم صعوبة المهمة فإن الجيش هذه المرة مصمم على حسم المعركة العسكرية خلال فترة وجيزة بسبب جدِّيّته الكاملة واستعداده التام وتمتعه بتأييد شعبي واسع؛ وهي الأمور التي كانت مفقودة في الجولات العسكرية السابقة للقوات في هذه المنطقة؛ فإنجاز هذه المهمة يساعد الحكومة في استعادة الأمن والاستقرار النسبي في باكستان، ولكنه لا يكون نهاية للهجمات الدموية ما لم يتم القضاء على الدوافع التي ساعدت الحركات المسلحة لتنتشر وتستغل الفقر والجهل المنتشرين في البلاد، ولتبرّر عملياتها بقصف أمريكي متواصل بطائرات بلا طيار، ووجود القوات الأجنبية في الأراضي الأفغانية المحاذية لمنطقة القبائل الباكستانية؛ فهذه الأسباب تتطلب من صانعي القرار بحث إستراتيجية واقعية حتى يمكنهم التفرغ لمؤامرات يشارك في تدبيرها متنافسون إقليميون مع لاعبين دوليين لا يرضون بقبول باكستان النووية كدولة مستقرة تشهد تقدمًا وازدهارًا.


وأما على الساحة السياسية، فإن الأوضاع أيضاً على حافة الانفجار في أية لحظة، وذلك بسبب الفساد المنتشر في الحكومة، وعدم تمكن الحكومة من توفير الاحتياجات الأسياسية للمواطنين، وظهور تباينات في المواقف بين المؤسسة العسكرية وبين السلطة السياسية، وعدم التلاؤم بين المتنافسين السياسيين الرئيسيين وهما: حزب الرابطة الإسلامية وحزب الشعب الباكستاني. وأما التلاؤم الشكلي الذي تنقله شاشات القنوات الفضائية فإنها ليست إلا مشاهد تُمثَّل لإرضاء الولايات المتحدة والغرب التي تفضّل اليوم نظامًا ديمقراطيًّا على نظام ديكتاتوري بهدف وضع المؤسسة العسكرية والجهاز الأمني تحت سلطة مدنية ليصبحا غير فاعلين، مثل مؤسسات مدنية أخرى؛ الأمر الذي لم تقبله القيادة العسكرية حتى الآن.


ولا يختلف اثنان في أن المشاكل الاقتصادية توّلد مشاكل سياسية وأمنية واجتماعية؛ وعليه يجب أن تُعالج هذه المشاكل بوصفة تتكون من نموّ اقتصادي، وعدل اجتماعي، ولكن الرياح في باكستان تجري في اتجاه معاكس بسبب عدم مقدرة القيادة السياسية على منح المواطن العادي فرصة التمتع بهاتين النعمتين لتشغلاه عن أفكار سلبية وأعمال تخريبية  تنتشر بسبب الخمود الاقتصادي، بينما الازدهار الاقتصادي يعيد الحياة في المجتمعات ويخلق بيئة لتنافس إيجابي بين أفراد المجتمع؛ كما أن العدل يحثّ المواطنين على المحافظة على القانون وعدم اللجوء إلى طرق غير شرعية؛ ولكن أمل التحسن بدأ يخيب بسبب الإفلاس الاقتصادي في البلاد، الذي دعا الحكومة للحصول على قروض من الخارج على نحو يرهن قراراتها الاقتصادية والسياسية للخارج، كما أظهرته شروط المعونة الأمريكية التي أثارت قلقًا ورفضًا شعبيًّا وانتقادًا للجيش الباكستاني علنيًّا.


ولم تقتصر مشكلة باكستان داخليًّا فقط، حيث تشهد وضعًا صعبًا حتى مع الدول المحيطة بها ما عدا الصين المتعاونة معها في كل الأحوال؛ فهذه الهند، العدو التقليدي لباكستان، غير راضية للتعاون مع باكستان إلى أن تتم معاقبة الباكستانيين الذين اتهمتهم بالتدبير لتفجيرات مومباي، وهناك أفغانستان التي تتغلب على إدارتها رموز سياسية تعتبر باكستان مسئولة عما يجري في أفغانستان اليوم، وها هي إيران التي كانت قد ارتاحت مع انتخاب آصف علي زرداري رئيساً للبلاد، لكن لهجة قياداتها شهدت حدة بعد عملية انتحارية في إقليم سيستان ـ بلوشستان الإيراني، والتي أدت إلى مقتل أكثر من 40 شخصًا، بينهم سبعة من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، حيث وجهت القيادات الإيرانية أصابع الاتهام إلى باكستان بجانب بريطانيا والولايات المتحدة بضلوعهم في دعم جماعة "جند اللـه" التي أعلنت مسئوليتها عن هذه العملية.


هذا على الصعيد الإقليمي، أما على الصعيد الدولي، فإن الأحاديث عن لعبة كبرى في المنطقة ونقل المعركة الحقيقية من أراضٍ أفغانية إلى أراضٍ باكستانية باتت حقيقة غير مكشوفة؛ حيث إن التربة الخصبة في باكستان مهيأة لأية لعبة؛ وهنا يأتي دور القيادة الباكستانية في إدراك خطورة مسار الأحداث الجارية والتدبير للخروج من المشاكل السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.


وإنني متفائل بأن الوضع الأمني حتمًا لا يتطور إلى حرب أهلية شاملة أو تقسيم البلاد إلى دويلات، ولكن رغم تفاؤلي فإن الأزمات التي تشهدها الساحة الباكستانية تتضاعف بشكل مستمر ولا يسهُل التغلب عليها إلا إذا اتحدّت الإرادة السياسية والعسكرية بالتعاون مع الإرادة الشعبية لتغيير مسار الأحداث. كما ترجع إلى المجتمع الدولي مسئولية حلّ قضية كشمير وإعادة الاستقرار إلى أفغانستان حتى تخرج باكستان من تعبئة هاتين المشكلتين الرئيسيتين اللتين تواجههما باكستان في آن واحد، في حين يتفق المحللون في أن عدم استقرار باكستان ليس في مصلحة أي طرف إقليمي أو دولي بسبب حيازة باكستان سلاحًا نوويًّا ووجود مجموعات مسلحة فيها والتي تملك خبرة قتالية واسعة في أفغانستان وكشمير.



أبو بكر صديق عبد الغفار



كاتب باكستاني



وأمين عام منتدى التعاون الباكستاني العربي

font change