الغرب مشغول بطموحات إيران و العرب غائبون

الغرب مشغول بطموحات إيران و العرب غائبون

[escenic_image id="559527"]

بينما تشير معظم المصادر الرسمية والتقارير إلى اقتراب إيران من الوصول إلى قدرة إنتاج أسلحة نووية، يتصاعد القلق في العالم العربي وداخل الدول الغربية. ويتناقض هذا القلق المشترك مع المواقف المتباينة لكلا الجانبين. ففي حين نجد الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا منهمكين بشكل تام في محاولة منْع إيران من التسليح النووي، لم تظهر إلى الآن أية مبادرات دبلوماسية عربية مشتركة ذات صلة في سبيل معالجة هذه القضية، باستثناء القليل من التصريحات، غير أن التطورات الأخيرة قد توحي بتغير شيء ما. 

ويعد غياب الموقف العربي المُوحَّد تجاه القضية الإيرانية في معظمه انعكاسًا لتباين العلاقات بين الدول العربية وخصوصا بين سوريا من جهة، والمملكة العربية السعودية ومصر من جهة أخرى. وعادة ما كانت هذه العلاقات متقطِّعة. فبعد غزو العراق للكويت، حرك "إعلان دمشق" في عام 1991، الآمال نحو تحقيق تقدم من أجل التغلب على حالة الانقسام في العالم العربي. وأيدت سوريا جهود التحالف الدولي لطرد جيش صدام من الكويت، وأدى هذا إلى ظهور ما يسمى بـ "المحور الثلاثي". ومن ثَم، تعاونت المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا لأكثر من عقد من الزمان حتى عام 2003.

وقد تعرض هذا التعاون للضرر نتيجة سلسلة من الأحداث، بدءًا بالغزو الأمريكي للعراق. حيث اتخذت سوريا موقفًا مختلفًا عن المملكة العربية السعودية، وأيدت المقاومة ضد الغزو. وازداد الموقف سوءًا عندما اغتيل الحريري مع تناثر شكوك كثيرة حول تورط سوريا في الأمر. ثم أيدت المملكة العربية السعودية انسحاب سوريا من لبنان. كما اتخذ البلدان موقفين مختلفين إزاء قضية فلسطين، حيث أيدت المملكة العربية السعودية السلطة الفلسطينية في حين أيدت سوريا حماس. وبالإضافة إلى ذلك، فقد أسهم تحالف سوريا مع إيران بشكل حاسم في عزل سوريا عن الدول العربية الأخرى. وبالنسبة لهم، كان موقف سوريا المطمئن على ما يبدو تجاه طموحات إيران الإقليمية أمرًا غير مقبول ببساطة.

وفي الآونة الأخيرة، غيّرت سوريا من سلوكها وتفكيرها الإستراتيجي. وقد تعكس القمة الأخيرة التي استغرقت يومين بين الملك عبد اللـه ـ عاهل السعودية ـ والرئيس السوري ـ بشار الأسد ـ نقطة تحول. ولم تكن العلاقات الثنائية بين البلدين هي المسألة الوحيدة على طاولة المحادثات. فقد كانت القضايا الدولية والإقليمية حاضرة أيضا، وبالتأكيد كان موضوع إيران المُلِح جزءًا من المحادثات.

ولا تسعى سوريا إلى تحسين علاقاتها مع البلدان العربية الأخرى فحسب، بل تسعى في الوقت ذاته إلى تجديد علاقاتها مع الولايات المتحدة أيضًا، والتي أدركت دائمًا أن اضطراب التحالف بين سوريا وبين إيران أمر رئيسي ومهم في الإستراتيجية الأمريكية المناهضة لطموحات إيران النووية. وخلال العامين الماضيين من الصراع في العراق، غيّرت سوريا أيضًا من موقفها إلى حد كبير، وبدأت في السيطرة على حدودها بصورة فاعلة، وهو إجراء حاسم لوقف تدفق المتمردين. ووقعت بعض الأحداث الدبلوماسية الرمزية التي تلقي الضوء على هذا التحسن في العلاقات بين سوريا والدول العربية ومنها؛ عودة سفير للولايات المتحدة في سوريا، وزيارتان قام بهما جورج ميتشل إلى البلاد العام الماضي، وزيارة نائب وزير الخارجية السوري إلى واشنطن في أوائل شهر أكتوبر/ تشرين الأول.

وقد يشير تحسن العلاقات بين سوريا وبين البلدان العربية، خصوصا مع المملكة العربية السعودية، وبينها وبين الولايات المتحدة إلى أن سوريا قد غيرت رؤيتها بشأن طموحات إيران النووية. لكن هذا ليس معناه أن سوريا انشقت بشكل تام عن إيران. ومع ذلك، قد يشكل سلوك سوريا اعترافًا بالحاجة إلى موقف عربي مشترك لمواجهة القضية الإيرانية، وهو أمر كان غائبًا لفترة طويلة. وهذا الموقف ضروري لصالح الدول العربية بصرف النظر عن النتائج العديدة المحتملة للطموحات النووية الإيرانية.

وأحد هذه الاحتمالات هو التوصل لاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، والذي سيعطي الأخيرة وضْع الهيمنة في المنطقة. وكما كتب صالح القلاب في صحيفة "الشرق الأوسط: "يوشك الأمريكيون والإيرانيون على التوصل إلى اتفاق تاريخي يرتكز على تحقيق التوازن بين مصالح الطرفين بإعطاء ما للـه للـه وما لقيصر لقيصر وإعادة تشكيل خريطة هذه المنطقة". والمنطق الذي يقف وراء ذلك هو؛ أن إيران سوف تتنازل عن الشق العسكري من برنامجها النووي في مواجهة ضغوط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. كما ستقدم إيران المزيد من التعاون فيما يتعلق بقضايا متعددة مثل أفغانستان والعراق. وفي المقابل، سوف تنال إيران الاعتراف بوضعها باعتبارها القوة الرئيسية في المنطقة، وسوف تحظى بفرصة الاضطلاع بمثل هذا الدور.

وإضافة إلى العلاقات العربية المعقدة، فإن العائق الرئيسي الآخر أمام الدول العربية الذي يمنعها من المشاركة بشكل مباشر وبصورة أكثر فاعلية في الضغط على إيران هو؛ عدم رغبتها في أن ترتبط بمحاولة غربية من الأساس لوضع حد لخطط إيران. وعلاوة على ذلك، تعتبر الدول العربية موقف الغرب تجاه برنامج إسرائيل النووي غير المعلن بمثابة ازدواجية في المعايير. وأخيرًا، تدرك الدول العربية أن مصالحها تختلف عن مصالح الغرب في المنطقة. ومع ذلك، فإن اختلاف المصالح بشكل عام لا يعني استحالة اتخاذ موقف موحد إذا اشتركت الأطراف في همٍّ واحد. وهذا ينطبق تمامًا على القضية التي نحن بصددها. فبالتأكيد، لن تكون إيران المسلحة نوويًّا نافعة لأحد.

font change