الخليج: التهديدات، الأخطار ونقاط الضعف

الخليج: التهديدات، الأخطار ونقاط الضعف

[escenic_image id="559490"]

مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية

أنتونى كوردسمان وآدم سيتز

26 أغسطس 2009

التحدي المزدوج في الشرق الأوسط: الشباب والاقتصاد

معهد بروكينجز

4 يونيو 2009

أصدر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية أخيرا تقريرًا يقيّم التهديدات الأكثر أهمية في منطقة الخليج. والمثير للاهتمام أن التقرير يركز على التهديدات الأقل عُرضة للبحث والموجودة في المنطقة. وحين يقوم المركز بهذا، يوضح جليًّا تقرير "التهديدات ومواطن الضعف في الخليج" أنه في حين أن العوامل التي يقيِّمها التقرير قد تكون أقل حضورًا في وسائل الإعلام، فهي ليست أقل تهديدًا من التهديدات الأكثر حضورًا مثل الانتشار النووي، والصراع الطائفي، وتأثير الأزمة المالية العالمية.

وبدلا من ذلك، يركز هذا التقرير المتميز على التهديدات الأكثر إلحاحًا في المنطقة، وتشمل الحرب غير المتكافئة، والإرهاب، والقرصنة، والأطراف الناشطة غير الحكومية ضمن أمور أخرى. وحين يضع مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية هذه التهديدات في التقرير،  فإنه يقدم مجموعة شاملة من التوصيات الخاصة بالسياسات العامة لدول الخليج، وأطراف إقليمية أخرى معنيِّة، والتي ستستفيد من استقرار العوامل المذكورة أعلاه. ويذكر التقرير بشكل خاص حدوث تحسن كبير في التعاون الإقليمي والدولي، والتركيز على الدفاع السلبي والإيجابي، والتعاون في مجال الاستخبارات.

والعمل الذي يقدمه التقرير عن أثر عدم الاستقرار في الصومال يعد مثالاً على الرؤية الثاقبة للتقرير. فكما شهد العالم في وقت سابق من هذا العام أزمة القرصنة، فإن واقع القرصنة لا يمكن تجاهله. فقد حدث ما يقرب من 300 واقعة للقرصنة منذ عام 2008، وزادت الهجمات القادمة من السواحل الصومالية بنسبة 200 ٪ في العام الماضي. وتعطى هذه الأرقام مؤشرًا على الطابع المُلح لهذه المشكلة بالنسبة لدول الخليج. وتمر صادرات دول الخليج، وخصوصًا النفط، عبر القنوات المائية التي تتعرض للهجوم بانتظام من قِبل القراصنة الصوماليين. وقد أشارت التحليلات إلى أنه لمواجهة هذه المشكلة مباشرة، تحتاج دول الخليج إلى التركيز على تعزيز الاستقرار داخل الصومال نفسها. وسوف تستطيع هذه الدول فقط من خلال تحقيق الاستقرار على الساحل، حيث كان الصراع الأهلي هو المعتاد خلال العقدين الماضيين، تحقيق تحسينات أمنية كبيرة في المنطقة.

وبالمثل، تعتبر المشكلات الداخلية في اليمن خطرًا كبيرًا على الاستقرار في منطقة الخليج. ووفقًا للتحقيقات التي أجراها كوردسمان وميتز، "توفر اليمن ملاذًا فعليًا لجماعات تنظيم القاعدة". ويرجع هذا الأمر بشكل جزئي إلى الأهمية المتزايدة لحركة تمرد الحوثي في شمال البلاد. وبالإضافة إلى ذلك، تتزايد إشكالية الصراع الداخلي فى اليمن، بينما تتورط البلدان المجاورة، وأبرزها إيران والمملكة العربية السعودية، في النزاع بسبب علاقاتهما المزعومة مع الجماعة المتمردة والحكومة على الترتيب. ويشير التقرير من جديد إلى أنه من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة، فإن التوترات الداخلية في بلدان مثل اليمن تحتاج إلى التعامل معها. وفي حين أن المشكلات التي يواجهها اليمن قد تنشأ داخل حدوده، فإن حقيقة عدم استقراره ينبغي أن تحفِّز المنطقة لزيادة التعاون بين دول الخليج من أجل تعزيز الاستقرار الذي تفتقر إليه.

وبالرغم من أن تقرير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية يقيِّم مناطق لا تحظى بالاهتمام، فهو لا يفتقر إلى تقييم التهديدات الأكثر شيوعًا في المنطقة، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار الاهتمام الذي يوليه لإيران. وحين ينظر التقرير إلى ما وراء مياه الخليج، فهو يدرس أيضًا المشكلات التي أفرزتها علاقات إيران مع الدول الأخرى والجماعات غير الحكومية. ونتيجة لذلك، يوضح التقرير أن إيران لا تمثل تهديدًا لإصرارها على تطوير ترسانة أسلحة نووية فحسب ولكن أيضا لقدرتها على تأجيج صراع غير متكافئ في المنطقة.

ومع ذلك، حين نقارن تقرير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية مع تقارير أخرى عن المنطقة، نجد أنه لا يتعرض لجميع القضايا، رغم محاولته عرْض المخاطر التي تتهدد المنطقة والتي لا تتم دراستها كثيرًا. وفي المقابل، يقدم معهد بروكينجز تقريرًا أكثر تركيزًا. فبدلاً من أن يقيِّم التهديدات المختلفة التي تواجهها منطقة الخليج، فهو يركز بشكل أكبر على الكيفية التي قد يؤثر بها الاقتصاد على الاستقرار في المنطقة. وبينما يقوم بذلك، يوضح المعهد أن الخطر الذي يهدد منطقة الشرق الأوسط لا يوجد بشكل كبير في الاقتصاد ذاته، بل في الكيفية التي يرتبط من خلالها بالديموجرافيات الحالية بالمنطقة. ويشير معهد بروكينجز بشكل أكثر تحديدا إلى وجود عدد متزايد من السكان الشباب وتباطؤ الاقتصاد، كما يشير إلى أن مزيجًا من الاثنين يمكن أن يؤثر على استقرار المنطقة. ويمكن لهذا الوضع أن يؤدي بسهولة إلى " مزيد من الفقر، والسخط الاجتماعي، وتعثُّر مساعي تحقيق السلام في بعض الأماكن".

ومن ناحية أخرى، يشير معهد بروكينجز إلى وجود جانب يدعو إلى التفاؤل، حيث استطاعت دول عديدة الاستثمار في التعليم، مما حسَّن إعدادها لشبابها في مواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة. ومع ذلك، يشير التقرير إلى اختلاف الحاجة الملحة من بلد إلى آخر. فبالنسبة للدول الأغنى مثل الكويت والمملكة العربية السعودية، والتي تستطيع تحمل اتفاقيات تحفيز اقتصادية للتعويض عن الأزمة الاقتصادية، فإن التوقعات ليست قاتمة. ومن جهة أخرى، سوف تحتاج الدول الأفقر إلى مساعدة من الدول الأخرى في المنطقة. وبناءً على ذلك، فإن توصيات تقريري مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية ومعهد بروكينجز تتلاقى حيث يوجد توافق في الآراء بشأن أهمية التصدي للتهديدات على أساس إقليمي، رغم أن التقريرين قد يظهران للوهلة الأولى وكأنهما يركزان على دول بعينها.

وبينما هناك الكثير الذي يمكن قوله عن الرؤية الجديدة التي تقدمها التقارير المبدعة مثل تقرير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، توجد قضايا عديدة كان ينبغي على التقرير معالجتها بمزيد من التعمق إذا كان هدفه عرض صورة كاملة عن التهديدات في منطقة الخليج. بمعنى آخر، في حين تناول تقرير "الخليج والتهديدات ومواطن الضعف" عددًا وافرًا من القضايا، فقد افتقر إلى العمق في التحليل. وعلى النقيض، ركز التقرير الذي أعده معهد بروكينجز على قضية واحدة، وبالتالي تمكّن من تقديم نقاش أكثر ترابطًا حول تأثير تهديد بعينه في المنطقة. ورغم أن هذين التقريرين يكملان بعضهما البعض، فإن المقارنة بينهما توضح أن ميزة تغطية عدد وافر من القضايا قد تأتي على حساب تقديم تحليل أعمق لمشكلة معينة.

font change