لماذا مترو دبي إشارة إلى سياسة صحيحة؟

لماذا مترو دبي إشارة إلى سياسة صحيحة؟

[escenic_image id="559421"]

 وهذا في اعتقادي يدل على عدة مضامين أهمها: إصرار حكومة دبي على رؤيتها في خلْق بنية تحتية متميزة تستمر في التفوق على لم تنقض سوى ثلاثة أسابيع على افتتاح مترو دبي حتى تجاوز عدد الركاب المليون راكب، وهذا في اعتقادي يدل البنى التحتية لمدن منطقة الخليج والمنطقة العربية بشكل عام، حيث يشكل تطور البنية التحتية في أي اقتصاد ،وخصوصًا في الاقتصادات الناشئة، عنصرًا مهمًا في جذب الاستثمارات.

 فعلى الرغم من أن خطًا واحدًا تم افتتاحه من أصل خطي مترو، وافتتاح عشر محطات فقط على هذا الخط من أصل 29 محطة، حيث لا تزال 19  محطة تحت الإنجاز، فإن التشكيك في عدم نجاح التجربة بسبب النزعة السلوكية الفردية في الرغبة باستخدام السيارة ،هذه النزعة قد تبددت  كليًّا منذ الإسبوع الأول من الافتتاح.

المضمون الثاني هو؛ أن المترو يؤدي إلى تخفيض تكلفة السائح القادم إلى دبي، فبدلاً من استخدام سيارات الأجرة أصبح بديل المترو مناسبًا جدًا وسهل الاستخدام، حيث تبلغ تكلفة تنقُّل يوم كامل في دبي عبر المترو ـ بغض النظر عن عدد مرات الاستخدام ـ تبلغ 14 درهمًا، أي ما يعادل 3.80 دولار، علمًا بأن فترة الانتظار الحالية تترواح ما بين 5-8 دقائق في المتوسط في محطات مكيفة ومريحة للغاية. أما الرحلات القصيرة فلا تتجاوز تكلفتها النصف دولار تقريبًا.

أما المضمون الثالث والأهم، فهو الإصرار الفولاذي للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس وزراء الإمارات وحاكم دبي، على الحد من تأثير الأزمة الاقتصادية على الإمارة.

إن اقتصاد دبي لا يعتمد على النفط وفقط، وإنما تشكل فيه قطاعات السياحة والبناء والتشييد والتصدير، وإعادة التصدير روافد مهمةً وجميع هذه القطاعات تأثرت وبشكل متفاوت، وفي اعتقادي؛ أن التفاوت في التأثير بين القطاعات الاقتصادية يتركز في عاملين أساسيين، الأول: هو طبيعة القطاع الاقتصادي ودرجة ارتباطه بالأزمة، والثاني: يتعلق بدرجة استيعاب قيادات القطاع الاقتصادي، والتي تتمثل بشكل رئيسي في إدارات الشركات الكبيرة، والتي تمثل حصصها السوقية نسبًا مهمة في أداء القطاع الاقتصادي.

إن درجة السيطرة على هذين العاملين مختلفة حتمًا، فيكاد أن يكون العامل الأول خارج السيطرة، وإذا صّحت هذه الفرضية فهذا يعني أن قدرة تعافي وتماسك أي قطاع، اقتصادي والحد من تأثيرات الأزمة عليه يرتبطان إلى حد كبير بدرجة استيعاب وإدراك إدارات الشركات الرئيسية العاملة ضمن القطاع لحجم الأزمة وعمقها وأبعادها وسيناريوهات تفاعلاتها مع ما يدور عالميًّا وإقليميًّا ومحليًّا.

وكما هو معروف، فإن تأثير الأزمة على الإمارات عمومًا وعلى دبي بوجه خاص، هو تأثير مزدوج، الأول يتعلق بانخفاض سريع ومكثف للسيولة مع وجود واقع على الأرض أساسًا يتمثل بارتفاع مُفرط في معدلات الإقراض، والثاني يرتبط بالقطاع العقاري.

أَضف إلى ذلك، أن ارتفاع معدلات الإقراض هو أمر واقع لم تفرضه الأزمة العالمية ولكن كشفته. فعلى الرغم من مرور أكثر من سنة على بدايتها في الإمارات فإن نسبة القروض إلى الودائع في نهاية شهر أغسطس،  وبحسب أرقام مصرف الإمارات المركزي، قد بلغت 105%، وهي لا تزال مرتفعة، وعلى الرغم من تحسنها بشكل ملحوظ خلال العام الحالي، فإن عودة بعض المصارف إلى الإقراض المحدود، وذلك بهدف تحسين إيراداتها من الفوائد، أدى إلى بقاء النسبة فوق مستوى  100 %، وبالإضافة إلى أن نسبة نمو الودائع كانت بطيئة إلا أنها أسهمت في تخفيض النسبة والتي تشكل مؤشرًا مهمًا في التعافي التدريجي، بعدما تمادت بعض المصارف في الإقراض، مما جعل نسبة القروض إلى الودائع لديها تفوق الـ 140 % قبل سنة تقريبًا من الآن.

ومن الواضح أن هذا التحسن النسبي يعد عامل استقرار مهمًّا لارتباطه المباشر بالمعروض من النقد في السوق.  وكان لهذا الاستقرار النسبي تأثير واضح على أداء أسواق  المال الإماراتية (سوقي دبي وأبو ظبي )، حيث تصدرت سوق دبي في نهاية الربع الثالث من العام الحالي أسواق المال الخليجية، فبلغت نسبة ارتفاع مؤشر دبي منذ بداية العام بحدود 37 %، تلتها بورصتا السعودية وأبو ظبي، على الرغم من أن تحسن الوضع النفسي للمستثمرين والمحاكاة الواضحة للأسواق الأمريكية، وتحسن أسعار النفط كانت عوامل إضافية مهمة في ارتفاع مؤشرات المال في أسواق الإمارات. ومن الملاحظ أن معدل قيمة التداولات اليومية في سوق دبي المالي قد ارتفع بشكل ملحوظ خصوصاً خلال شهر سبتمبر، على الرغم من مصادفة شهر رمضان خلال نفس الفترة والذي عادةً ما تنخفض فيه تداولات أسواق المال.

وفي مقابل هذا التحسن في أسواق المال، لا تزال أنشطة التمويل متأثرة بشكل واضح، حيت لا تزال مشكلة شركتي "أملاك وتمويل" المدرجتين في سوق دبي المالي عالقة بسبب أزمة السيولة في كلتا الشركتين. ورغم أن هاتين الشركتين من الشركات الرائدة في عمليات التمويل، وخصوصًا التمويل العقاري،  فتكاد تمضي سنة على إيقافهما ولم يتم التوصل إلى حل بشأنهما بعد.

المشكلة الحقيقية هي؛ أن جوهر الحل يكمن في فهم المشكلة وعمقها وأبعادها، وهذا الفهم لا يستورد ولا الحل كذلك . فلا بأس في أن نطّلع على تجارب ومشاكل الآخرين، ولكن هذه الأزمة مختلفة تمامًا عن سابقاتها، والتصدي لها يبدأ دائمًا مع استمرار مراقبتها عن كثب، فالانحسار النسبي لآثارها لا يعني مطلقًا انتهاءها، وعليه فإن مستوى الحذر يجب ألّا يتناسب مع تقارير أو تصريحات تشير إلى هذا الانحسار، فلا تزال بعض المؤشرات الأساسية في الاقتصادات الكبرى لا توحي بالطمأنينة، حيث لا تزال معدلات البطالة في تصاعد ومستويات الإنفاق محدودة، وانخفاض الدولار خلال الأزمة والذي يعني انخفاض العملات الخليجية المرتبطة به؛ كل هذه العوامل وغيرها يُفترض أن تجعلنا أكثر يقظة وليس أقل قلقًا.

إن التحسن الذي طرأ على الاقتصاد العالمي لم ينجم من تغيرات هيكلية وجوهرية على النظام المالي، بل كان نتيجة أموال الإنقاذ المالي التي ضخّتها الحكومات، والتي لم تعجب الكثيرين على الرغم من كونه الإجراء العملي السريع والوحيد.

إن فهْم هذه الصورة للاقتصاد العالمي، وتشخيص مدى تأثيرها على الاقتصاد المحلي، إضافة إلى تشخيص التأثيرات الإقليمية والمحلية على بعض القطاعات الاقتصادية المحلية يشكل درعًا فكريًّا وإدراكيًّا وعمليًّا في الحد من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصادات الناشئة ومنها اقتصاد دبي.

لقد تباين هذا الإدراك في دبي بشكل واضح، فعلى الرغم من تباين حجم قطاعي السياحة والبناء والتشييد، فإنه من الواضح أن إدراك الأزمة والتعامل معها بواقعية، والمتابعة الحثيثة لدائرة السياحة مع كل الجهات المعنية ذات العلاقة، أدى إلى نتائج إيجابية جدًّا خلال النصف الأول من عام 2009، حيث تمكنت تلك الجهود من المحافظة على نسب إشغال عالية، ومنْح حزمة من الحوافز والتسهيلات أدت إلى إبقاء دبي ضمن الوجهات العالمية الأولى في العالم، وفي اعتقادي؛ إذا تمكنت الإدارات الفندقية والسياحة من اعتماد إستراتيجية تسعير القيمة، فإن ذلك يجعلها في موقع أكثر قوة في الفترة المتبقية من هذا العام.

وفي المقابل، فإن اللاعبين الكبار في قطاع التشييد والبناء، وبشكل خاص شركات التطوير العقاري الحكومية وشبة الحكومية، لم تصل إلى فهم واستيعاب كافيين لحجم الأزمة وتأثيرها على القطاع العقاري في دبي، بدليل أن معظمها لم تقم بتحرك حقيقي وملموس يتسم بالواقعية للتخفيف من آثار الأزمة على القطاع، وهذا الإدراك يفترض أن يتركز في محورين، الأول: مهني وهو إعادة هيكلة خدماتها وخلْق حزمة من الحلول والمبادرات تحت إطار إستراتيجية المحافظة على العملاء (المستثمرين). والثاني: قانوني يركز على حماية حقوق المستثمرين وينضوي تحت نفس الإستراتيجية.

إن حجم الدعم الحكومي لا محدود لأي مبادرة من شأنها التخفيف من وطأة الأزمة المالية، ومن المهم الإشارة إلى أن ديون حكومة دبي تنقسم إلى مجموعتين، الأولى: ديون مرتبطة بتطوير البنية التحتية والمرافق والخدمات العامة، وهذه المجموعة لا تُقلق لأنها تخلق قيمة مضافة تنافسية حقيقية أولا، وثانيًّا وفاء حكومة دبي بتعهداتها والتزاماتها جعلها تتمتع بمصداقية عالية وعالمية في حالة احتياجها لأموال لسداد تلك الالتزامات.

أما المجموعة الثانية: فهي ديون ناتجة من أداء شركات تابعة جزئيًّا أو كليًّا للحكومة، بعضها يحتاج إلى إسناد من الحكومة وبعضها الآخر قادرة على المواصلة وبجهودها الذاتية، وفي اعتقادي أن معظم الشركات التي تحتاج إلى دعم حكومي تحتاج إلى إعادة هيكلة جذرية بضمنها احتمال إجراء عمليات دمج أو استحواذ. وهذا ما حصل أو يحصل لبعض منها.

أما عن سوق الوظائف في الإمارات عمومًا وفي دبي على الخصوص، فهو بكل تأكيد أكثر تماسكًا مما كان عليه في النصف الأول. معظم نزف الوظائف كان من قطاع العقارات والبناء والتشييد والقطاعات المرتبطة به كالمقاولات والاستشارات الهندسية، هذا بالإضافة إلى قطاع التمويل وجزئيًّا القطاع المالي، ويتضمن المصارف وبعض شركات الاستثمار،  وفي هذا المجال من المهم النظر إلى سوق العمل الخليجي على أنها سوق واحدة لسببين، الأول: هو التشابه الكبير في الخصائص الأساسية الاجتماعية والثقافية والتاريخية. وبالتالي فإن انتقال العمالة ضمن السوق الخليجية يقلص إلى حد كبير فترة التأقلم مع المحيط، وهذا يولِّد الاستقرار النفسي وله أثر مهم على علاقات العمل والإنتاجية. والثاني: يرتبط بتقارب متطلبات الوظائف، ونجد هذا الموضوع ينعكس على شروط التوظيف الواردة في إعلانات الوظائف وبشكل خاص فيما يتعلق بالوظائف الهندسية وإدارة المشاريع.

وأخيرا.. من المهم الإشارة إلى دور الانضباط  والحكومة المؤسسية في تنفيذ الهيكلية والآليات المناسبة لمواجهة الأزمات.

د. وضاح الطه: محلل اقتصادي ومالي.

font change