جمال مبارك: دعوة الإصلاح و تهمة التوريث

جمال مبارك: دعوة الإصلاح و تهمة التوريث

[escenic_image id="558974"]

رغم  البداية  الاقتصادية الهادئة لجمال مبارك في لندن، فإن السياسة سريعا ما  خطفته.  انضم جمال إلى   الحزب الوطني عام 2000، كعضو في الأمانة العامة، وفى نفس العام مُني الحزب الوطني بخسارة سياسية غير مسبوقة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في نفس العام، فأطلق جمال مبارك صيحته داخل الحزب بوجوب البدء في عملية إصلاحية وتغيير فكره.

كثيرون يرون أن هذه الصيحة العالية كانت هي الخطوة  التي يدفع جمال مبارك ثمنها حتى الآن، فقد كشفت حالة  الفشل السياسي التي عاشها الحزب الحاكم لسنوات طويلة، ومسَّت قيادات  ظلت في مقاعدها لسنوات دون محاسبة أو مراجعة، حتى أصبح الحزب صورة جديدة من مراكز القوى التي واجهت الإصلاح الساداتى في بداية السبعينيات، ثم عادت بشكل آخر لتفتح النار ضد الصيحة الإصلاحية لجمال مبارك.

ورغم أن عددأ ممن انضموا إلى صيحة جمال مبارك داخل الحزب كان دافعهم أنه نجل الرئيس، وأن الارتباط به مكسب دائم، ووسيلة مضمونة لتحقيق مصالحهم الشخصية، فإن الغالبية كان انضمامهم بدافع الرغبة الحقيقية في الإصلاح، فكوّنوا قوة داعمة  لجمال مبارك في معركته الداخلية مكنته من عملية التغيير الداخلي، لكن جمال ظل خارجيا يعانى من آثار التسريبات المقصودة من الداخل بسوء نية عن أطماعة السياسية.

في عام 2002، واستكمالا لخطة الإصلاح الداخلي، ابتكر جمال مبارك أمانة  السياسات  لتتولى "رسم السياسات" للحكومة، فدخل بذلك مرحلة سياسية جديدة، فيها مزيد من الفرص الإصلاحية، وفيها أيضاً مزيد من الفرص لمعارضيه لانتقاده  وتصيد الأخطاء للهجوم عليه، لكنه لم يأبه واستمر في طريقه الذي وصفه بأنه طويل ويحتاج لوقت من أجل تغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد.

وفى  نوفمبر 2007، وخلال المؤتمر التاسع للحزب، وضمن حركة تغيير مناصبيه  كبيرة في الحزب، رُقِّيَ جمال مبارك إلى الأمين العام المساعد وأمين السياسات وعضو في هيئة مكتب الحزب، أحد أعلى مراكز اتخاذ القرار بالحزب فزادت أحاديث التوريث من جديد، والتي اعتبرها معارضيه، الذين زادت شراستهم، البداية الفعلية في طريق التوريث، لكن ظلت الملاحظة الأساسية لرجال جمال مبارك؛ أن هؤلاء المعارضين على علوِّ صوتهم صحفيا  ليسوا سوى  أعداد قليلة، قد تمثل نسبة محسوسة من المثقفين والنخبة السياسية، لكنها لا تمثل أي رقم ، ولو عشريًّا من الشارع السياسي، الذي بدأ يلتفت إلى جمال مبارك من عدة زوايا.

الأولى: الزاوية الحزبية،  فقد كان لِمَا سمى بتيار جمال مبارك فعْل السحر في الحزب الوطني، فلم يعد بابا مفتوحا للمنتفعين سياسيا، وإنما أدخل جمال ضمن برنامجه الإصلاحي مبدأ  "العضوية المستهدفة " ومن خلاله تمكن الحزب لأول مرة أن يكون جاذبا لفئات كانت من قبل في خصومة مع الوطني، مثل المثقفين وأساتذة الجامعة والأطباء والصحفيين، آخر تقرير عضوية رصد نحو 63 ألف عضو بالحزب  ممن يحملون درجات علمية عليا، ماجستير ودكتوراه.

كان لهذا التغيير  تأثيره في العضوية بشكل عام، حتى وصلت الآن إلى رقم غير مسبوق، زاد على 3 ملايين عضو، وجزء من هذه العضوية المتزايدة  سببه ما تحقق على يد تيار جمال مبارك من فكر جديد.

فعلى مدى السنوات السبع، عمر أمانة السياسات، شهدت مصر مبادرات إصلاحية غير مسبوقة سياسيا واقتصاديا، بلغت عددها وفقا لآخر تقرير حزبي نحو 103 مبادرات، يعتبرها جمال مبارك نفسه والمقربون منه غيرت كثيرا من شكل مصر، سواء من خلال التعديلات الدستورية الواسعة التي شملت 34 مادة في خطوة غير مسبوقة، وإقرار مبادئ جديدة لم يكن معترفا بها، مثل " المواطنة "، ثم  تحويل انتخاب الرئيس من الاستفتاء المرفوض شعبيا إلى الانتخاب الحر في ظل منافسة متعددة، ثم مشروع التأمين الصحي الشامل. ثم كانت المبادرة الأهم والأخطر وهى؛ برنامج القرى الأكثر فقراً والذي نزل بخطط التنمية ولأول مرة إلى القرى المحرومة، ومن خلاله اصطحب جمال مبارك وزراء الحكومة في زيارات إلى هذه القرى التي لم يُعفِّر ترابها من قبل حذاء مسئول صغير.

لكن هذه الزيارات على قدر ما لاقت اهتماما من أهل تلك القرى، على قدر ما استغلها خصوم جمال مبارك وزادوا بها هجومهم عليه، واعتبروها آخر درجات السلم التي يصعدها وصولا إلى كرسي الرئاسة، فقد اعتبروا برنامج القرى الأكثر فقراً ما هو إلا لعبة مكشوفة من أجل تقريب "الوريث" -على حد قولهم- من قلوب الفقراء،  وخلق أرضية له بين معدومي الدخل الذين لا يعرف عنهم جمال شيئاًً، لأنه مولود وفى فمه ملعقة من ذهب، لا يشعر إلا برجال الأعمال والأثرياء المحيطين به، أما الفقراء فلا يعرف عنهم إلا أصواتهم الانتخابية التي يحتاجها لتزويق طريقه إلى الرئاسة بديكور ديمقراطي.

فاللهجة السائدة الآن عند قطاع كبير من المجتمع السياسي المصري أن جمال مبارك يخطو بقوة  نحو مقعد الرئاسة خلفاً لوالده وفق مصطلح التوريث، والغريب أنه رغم النفي الدائم والمتكرر من الرئيس مبارك لذلك وكذلك نفي جمال مبارك، فإن المعارضين في شوارع القاهرة يؤكدون على أن التوريث يسير في خطاه بسرعة، ويصل الأمر ببعضهم لأن يؤكد عدم مرور العام 2010، إلا وجمال مبارك متربع على عرش مصر وفق سيناريو توريثي مرسوم بمهارة تم التخديم عليه بتعديلات دستورية وإجراءات أمنية أفسحت الساحة أمام جمال مبارك وجعلته الفارس الوحيد بعد أن خلصته من أي منافسين أقوياء محتملين، وجعلته الخيار المستقبلي  الوحيد أمام  المصريين، بين استمرر الوضع الحالي  أو تمكن  جماعة محظورة تنتظر الفرصة للوثوب على الحكم.

وفى المقابل، شهدت الفترة الأخيرة ظهور تيار واضح يرى أن جمال مبارك هو بالفعل أفضل البدائل والحلول للفترة المقبلة، ويعتمد هؤلاء على أن جمال تمرس على إدارة البلاد ومواجهة الأزمات من خلال قربه من والده الرئيس مبارك واكتسابه منه الخبرة اللازمة، وكذلك  وجوده على رأس أمانة السياسات التي أثبتت طوال السنوات الماضية أنها مصنع الأفكار للارتقاء بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي والذي ترجم إلى نمو وصل إلى 7 في المائة، وعملية ﺇصلاح اقتصادي وبنكي كان لها الدور الأكبر في تجنيب مصر الآثار المدمرة للأزمة المالية العالمية.

كما ارتفع  مستوى المعيشة في السنوات القليلة الماضية، وزاد رضاء المواطن عن الأداء الحكومي لأول مرة منذ سنوات طويلة، وأكد هذا آخر استطلاع للرأي أجراه الحزب عن مستوى رضاء المواطنين عن أداء الحكومة والحزب، فأكد نحو 78 في المائة رضاءهم، وإن كان بنسب متفاوتة، ويؤكد أنصار الاتجاه المؤيد لجمال مبارك أنه  أثبت أن لديه مشروعا سياسيا اقتصاديا  واضحا  لمستقبل مصر يتميز باعتماده أساليب مبتكرة للتنمية، أهمها الاقتراب من المواطنين والتعرف على مشاكلهم  من خلال زيارته للقرى، ويرى هذا التيار أن سيناريو التوريث وهْم يعيشه خصوم النظام الحالي، لأن التعديلات الدستورية الأخيرة جعلت الوصول لكرسي الرئاسة عبر انتخابات متعددة المنافسين.

ووسط كل هذا يبقى المواطن البسيط ينتظر من سيحقق له أحلامه بمستوى معيشي أفضل يضمن له  سهولة الحصول على لقمة العيش، والوظيفة لأبنائه، والعلاج المجاني والخدمات الاجتماعية الآدمية، فمن يحقق كل هذا للمواطن المصري  البسيط هو الأجدر عنده  بالرئاسة بغض النظر مّن يكون، ابن الرئيس، أو من عامة الشعب.

font change