جمال مبارك كمسألة سياسية جوهرها مدني

جمال مبارك كمسألة سياسية جوهرها مدني


هناك عدة مداخل لفهم وضعية جمال مبارك في إطار التطور السياسي المصري. المدخل الأول:  كيف يمكن في الإجمال تقدير الوضع الديمقراطي في مصر، هل هو آخذ في التقدم أم  في التدهور؟ هذا سؤال جوهري لأن هناك قانونا اجتماعيا سياسيا يقول: إن طبيعة المعارضة السياسية والاجتماعية مرتبطة بالتقدم أو التدهور في الوضع الكلي للديمقراطية.


فإذا كانت الديمقراطية سائرة في تقدم فالمعارضة السياسية تعبر عن نفسها بشكل مختلف عما لو كانت الديمقراطية في حالة تراجع.  وكلما رأينا القيادة السياسية تسعى للتغيير الدستوري باعتباره مدخلا لحل الأزمات السياسية، كلما تأكد اليقين في التقدم. فمصر في حالة من التقدم الدستوري، يتطلب ليس فقط الإرادة السياسة في تغيير الدستور ناحية الديمقراطية، ولكن يستدعي أن يكون الحوار والجدل حول التقدم الدستوري حوارا في التفاصيل الفنية. فالسلطة السياسية تتقدم من أجل دستور ديمقراطي، ولكن.. هل القوى السياسية والاجتماعية مستعدة لنظام ديمقراطي، وقادرة على الحوار بشأنه بشكل فني ويقوم على المصالح المادية والرمزية؟


ويبرز التوجس من عدم القدرة المجتمعية على  تقبل الإصلاح الدستوري، بسبب أن المجتمع السياسي المصري لا يزال غارقا بشكل كلى في الصراع الإيديولوجي الحاد حول الحرام والحلال وممزقا بين توافه المسائل وترهات اعتقادية. وربما بتقليل نسبة هذا الصراع الأيديولوجي في الحياة السياسة بشكل حاسم، ينفتح الحور الجاد والتفصيلي حول الإصلاح الدستوري.


المدخل الثاني:  يتطور الحزب الوطني من مفهوم الهوية الوطنية العامة النابعة من الجمهور العام، التي اقتضاها التطور النظام السياسي المصري، إلى  مفهوم الهوية الحزبية التي تتمحور حول مبدأين، أولهما: المواطنة، وثانيهما: الاندماج في العالم. وهذا لا يعنى أن الحزب ليست له أهداف أخرى أو قضايا اهتمام مختلفة. ولكن المقصود أن هذين المعيارين هما اللذين يفرقان الحزب في الحركة العملية عن غيره من الأحزاب في الصراع السياسي. فالمواطنة يُقصد بها المساواة في الحقوق والواجبات . الأمر الذي يمهد للمصريين الاشتراك بفاعلية في الحياة السياسية والاقتصادية.


فالمواطنة لا تفهم باعتبارها آلية وحسب، ولكن، والأهم أنها آلية اقتصادية تسمح للمصريين سواء في الخارج أو الداخل بالمشاركة في نواحي الوطن المختلفة. وهذا وضُح في أسلوب صياغة الحزب الوطني لخطابة الانتخابي الرئاسي والبرلماني. ولكن لأن الثقافة العامة السياسية في مصر أصبحت ملوثة بالأيديولوجيات الداعية للتميز بين المواطنين على أساس الدين أو الجنس أو المعتقد  أو غيره، لم ينل الحزب الوطني تصويتا غالبا. إن الحزب أمامه صراع ثقافي كبير في إعادة الدفة إلى التسامح المصري التقليدي الذي لحقت به الهزائم والاختراقات الخارجية.


المدخل الثالث: رؤية مفاهيم النضال  مختلفة عن بعضها البعض. فالنضال لدينا ليس مرتبطا بصفة رئيسية بانتصار طبقة على طبقة أو انتصار دين على دين، ولكن  نضالنا يتمحور حول مدى انتصار المواطن على ظروفه الآنية من أجل اختياراته على المدى الطويل. فالمواطن في تصورنا هو محل النضال، والتقدم على طريق الاختيار العقلاني هو هدفه. فى هذا النضال يقودنا تصور خاص للمواطن . فالمواطن لدينا لا نراه في إطار ما ينبغي  أن يكون،  ولكن نتصوره في إطار تحرير حركته وسلوكه من قيود البيئة المحيطة لينفتح طريق الإبداع الإنساني  أمامه في جميع المجالات صغيرها وكبيرها.


هدفنا العملي هو؛ إصلاح بيئة المواطن المصري من أجل تحريره في سبيل التقدم. وآلية التحرير في تصورنا ثلاثية الأركان: أولها: إدراك المواطن لقيوده وطموحاته، وثانيها: بناء نظام قانوني يسمح بالتمثيل السياسي المنصف لكل فئات الشعب، ويراقب هيئات الدولة والمجتمع في تقديم الخدمات المادية أو غيرها للمواطن ويمارس العدالة الناجزة، وثالثها: بناء نظام من السياسات العامة  يسمح بالتخطيط على المدى القصير والطويل.


إننا نؤمن بأن نمو المواطن هو الطريق لنمو الوطن. وهنا يأتي تصورنا لدور الحزب ، فالحزب هو الآلية التي تقوم بتحويل نمو المواطن في إدراك الواقع وقيوده وممكناته وفرصه وفى الحقوق إلى نمو عام للوطن . والإيمان بأن هذا النمو العام للوطن يكون تأثيره الأول على المواطن، ويصب لصالحة بتوسيع فرصه في سبيل الإبداع والحرية والإنصاف.


المدخل الرابع:  واحد من التجديدات المهمة  للحزب الوطني الجديد، وهو تبنى جوهر مفهوم المجتمع المدني. والذي نعرفه بأنه :"  المجتمع الذي يقوم على المؤسّسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال نسبي عن سلطة الدولة لتحقيق أغراض متعدِّدة " . ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح.  ومفهوم المجتمع المدني يشير إلى الطبيعة المدنية ذات البناء المؤسسي والتعاقدي، والذي يجب أن يميز الدولة والمجتمع .  حيث يمنح أفراد الدولة كيانا قانونيا مستقلا، وهذا المعنى يعبر عن مجتمع يقوم على الديمقراطية والتعددية السياسية وحقوق الإنسان وتداول السلطة وسيادة الشعب.  والمجتمع المدني  يشير إلى مجمل المؤسسات التي تتصف بكونها : غير الحكومية / لا تهدف إلى الربح / طوعية الانتماء إليها /  غير شمولية، وليست لها مرجعية دينية. ولا يكون أداة لنشر عدم الاستقرار السياسي.


من جانب آخر يمكن القول: إن مؤسسات المجتمع المدني تشكل مستوى اجتماعيا وسيطا  بين الفرد ( المواطن ) والدولة  (السلطة )، وتعمل على تمكين الأفراد من المشاركة في المجال العام، وتعتبر مؤسسات المجتمع المدني من أهم قنوات المشاركة السياسية الداعمة لمسار التطور الديمقراطي وبناء الدولة الحديثة. في هذا السياق تتحرك مصر إلى الإمام ببطء ولكن بالتأكيد  من خلال التغيير التراكمي.



د. جهاد عودة - عضو في الحزب الوطني الحاكم بمصر

font change