أزمة صعدة بين التدخل الخارجي والحلول الوطنية

أزمة صعدة بين التدخل الخارجي والحلول الوطنية


يعتقد البعض أن علاقة أطراف وقوى إقليمية مؤثرة بطرفي الصراع في صعدة (الدولة اليمنية وخصومها الحوثيين) يمكنها أن تساهم في نجاح أي وساطة تقوم بها هذه الأطراف لوقف الحرب وحلّ الأزمة، بيد أننا نعتقد أن العكس هو الصحيح. ذلك أن موقف طرفيّ النزاع من هذه الأطراف والقوى الإقليمية المؤثرة على طرفيّ نقيض، فالسلطة في اليمن لا يمكن أن تقبل أي وساطة من قبل إيران أو أي جهات شيعية أخرى، لاعتقادها أن هذه الأطراف غير محايدة وأنها تقدم الدعم المادي والمعنوي للمتمردين الحوثيين، وهو ما ظهر بوضوح في الحرب السادسة، سواء من خلال التعاطف الإعلامي لقنوات ووسائل إعلام شيعية مع الحوثيين أو تصريحات لمسئولين إيرانيين وقيادات شيعية دينية وسياسية عراقية.


كما أن مثل هذه الوساطة ستكون مرفوضة من دول الجوار (المملكة العربية السعودية تحديداً) التي سترى فيها نجاحاً للنفوذ الإيراني في المنطقة، بما يحمله ذلك من مخاطر على أمن دول المنطقة واستقرارها، وهو أمر تضعه السلطة اليمنية بعين الاعتبار، إذ أكد وزير الخارجية اليمني رفض أي تدخل خارجي - يقصد إيران- في الشأن اليمني الداخلي لأن هذه التدخلات تضر بأمن المنطقة واستقرارها، وتضر بعلاقات دول المنطقة بعضها ببعض، وتثير الكثير من القلق والمخاوف حول أبعاد هذه التدخلات!


وهذا التفهم الحكومي للقلق الخليجي والسعودي تحديداً من الدور الإيراني في أزمة صعدة هو ما يدفع الحوثيين لرفض أي مبادرة أو وساطة خليجية لحل أزمة صعدة، إذ ظل الخطاب الإعلامي للحوثيين يتهم المملكة العربية السعودية بالتدخل لصالح الحكومة اليمنية والحرب ضد الشيعة عموماً، ولهذا فإن مجرد إشاعة الحديث عن مشاركة سعودية في الحرب السادسة في صعدة بدا مقبولاً لدى المقاتلين الحوثيين وحافزاً لهم على القتال!


لهذه الأسباب وغيرها تبدو هذه الأطراف الرئيسية المؤثرة عاجزة عن أي وساطة لإيقاف الحرب، حتى وإن أرادت. لقد أبدت إيران استعدادها للوساطة بين الدولة والحوثيين، كما حاول التيار الصدري بالعراق القيام بدور الوسيط عبر السفير اليمني في بيروت.


وقد قال الناطق الرسمي باسم التيار الصدري "لقد حاولنا التدخّل بوساطة لإنهاء الأزمة بين أبناء الشعب اليمني بدوافع عربية وإسلامية، وفق الطرق الدبلوماسية الصحيحة"، لكن الحكومة اليمنية لم تتجاهل هذه الوساطات فحسب، بل رأت فيها دليلاً إضافياً على ما ظلّت تؤكده منذ بدء الصراع على تدخل هذه الأطراف بالشأن اليمني ودعم التمرد الحوثي، حيث أكد الرئيس علي عبدالله صالح في مقابلته الأخيرة مع قناة الجزيرة "أن مقتدى الصدر اقترح بدوره التوسط بين الحكومة والحوثيين، وهذا يعني أن له صلة معهم". كما أكد أن جماعة الحوثي تلقّت مساعدات مالية من جهات إيرانية بلغت مائة ألف دولار.


وفي المقابل، فإن الموقف الخليجي الذي تمخّض عن اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون بجدة في أواخر آب/ أغسطس الماضي، والذي اكتفى بالتأكيد على دعم اليمن "لما فيه خير واستقرار الأمن في المنطقة"، دون اتخاذ أي قرار يدعم بوضوح العمليات العسكرية ضد الحوثيين، مكتفياً بإرسال أمين عام المجلس إلى صنعاء؛ رأى فيه الحوثيون تأييداً ضمنياً للحرب واستجابة للطلب الحكومي لإتاحة الفرصة لاستمرار العمليات العسكرية ضد الحوثيين من أجل إرغامهم على القبول بشروط الدولة لإيقاف الحرب.


ورغم أن الحكومة قد أعلنت تعليق العمليات العسكرية بعد ساعة واحدة من وصول أمين عام مجلس التعاون الخليجي الذي قال أنه أبلغ الجانب اليمني بموقف دول الخليج، إلا أن استئناف الحرب بعد التعليق بساعتين جعل الحوثيين يرون أن التعليق كان مجرد "براءة ذمّة" وتغطية على الموقف الخليجي، وهو في نظرهم الموقف السعودي الداعم لنظام صنعاء باتجاه الحسم العسكري.


هذا التجاذب الإقليمي كان ولا يزال، أحد الأسباب الرئيسية لإفشال أي وساطات أخرى، إضافة إلى تحسس السلطة من أي وساطة خارجية والتي تعد، بغض النظر عن مضمونها، مكسباً معنوياً للمتمردين الحوثيين بإظهارهم نداً للدولة وليس جماعة متمردة وخارجة عن الشرعية الدستورية، وهو ما أفصح عنه الرئيس صالح بشأن الوساطة القطرية التي أثمرت توقيع الحكومة والحوثيين لاتفاق الدوحة عام 2007.


إن هذه العوائق التي تعترض الوساطات الخارجية تؤكد أهمية وضرورة الحل الداخلي لأزمة صعدة، وهناك جهات محلية عدة يمكنها أن تلعب دور الوسيط بين طرفيّ النزاع وعلى رأسها أحزاب المعارضة (اللقاء المشترك)، التي يمكنها أن تخرج بحلول يمكن أن ترضي طرفي النزاع. فأحزاب المعارضة باعتبارها أحزاباً وطنية وأحد مكونات النظام السياسي اليمني والوجه الآخر للسلطة، لا تقل حرصاً عن الحزب الحاكم في الحفاظ على هيبة الدولة وحقّها الدستوري في الدفاع عن الوطن وبسط نفوذها على أراضي الجمهورية كافة.


وبالتالي، فإن الشروط الستة التي طرحتها اللجنة الأمنية العليا على الحوثيين لا يمكن أن تتجاهلها أحزاب المشترك إذا ما أتيح لها القيام بهذه المهمة، إذ ليس فيها ما هو مجحف أو غير قانوني ربما باستثناء شرط الكشف عن المختطفين الأجانب لنفي الحوثيين علاقتهم بذلك.


وفي المقابل، فإن موقع المشترك باعتباره التكتل الرئيسي للمعارضة وعلاقته - وربما تعاطف بعض أطراف المشترك- مع الحوثي، من شأنه أن يطمئن الحوثيين بعدم تجاهل مطالبهم المشروعة مثل إطلاق المعتقلين، والسماح لهم بممارسة معتقداتهم وشعائرهم الدينية، وضمان عدم ملاحقتهم أو التضييق عليهم..الخ.


لقد آن الأوان لأحزاب المعارضة للقيام بهذه المهمة والواجب الوطني، وعلى السلطة أن تدفع وتبارك مثل هذا الدور الذي لن يُساهم في إيقاف نزيف الدم اليمني في صعدة فحسب، وإنما من شأنه أن يعيد الثقة بين طرفي المعادلة السياسية (السلطة والمعارضة)، ويمثل المدخل الرئيسي لحوار وطني جاد وشامل لحل جميع الأزمات الوطنية في البلاد.



زايد محمد جابر، باحث ومحلل سياسي يمني


 

font change