الخصومات القديمة حجر عثرة في طريق مقاومة التمرد

الخصومات القديمة حجر عثرة في طريق مقاومة التمرد

[escenic_image id="557897"]

إن الإحباط الدولي بشأن الحرب على الإرهابيين والمتمردين في أفغانستان وباكستان جعل دور الجيش الباكستاني وجهاز المخابرات الباكستاني في دائرة الضوء. ويتمركز النقد العام الموجه لكلتي المؤسستين على موقفهما المتضارب من طالبان والجماعات المقاتلة. والاتهامات الموجهة إليهما تبدأ من سعيهما لاحتواء تلك الجماعات - الأمر الذي يقضي بترك جزء من باكستان للمتشددين والمقاتلين- وصولاً إلى دعمهما النشط لحركة طالبان. 

وهناك العديد من التفسيرات المعقولة - التي تمتد جذورها عبر تاريخ القرن العشرين - لأسباب كون الجيش الباكستاني وجهاز المخابرات الباكستاني يناقضان التوقعات الدولية من خلال تجنب شن حرب شاملة ضد هذه الجماعات. ففي أثناء الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، استخدمت الولايات المتحدة بشكل مكثف الجماعات المقاتلة ضد السوفييت، مع التعاون بشكل وثيق مع جهاز المخابرات الباكستاني. وكما كتب ستيف كول في حروب الأشباح، "استمرت قيادة جهاز المخابرات الأمريكية في اعتبار جهاز المخابرات الباكستانية بمثابة وكالة التنفيذ الرئيسية التابعة لحركة الجهاد". وهذا التعاون الوثيق مع جهاز المخابرات الأمريكية وجهاز المخابرات الباكستاني والجماعات المقاتلة كان حاسمًا في طرد السوفييت من أفغانستان. 

وبعد الانسحاب السوفيتي من أفغانستان في عام 1989، وجد جهاز المخابرات الباكستاني والمسئولون العسكريون الباكستانيون الفرصة سانحة لتوسيع نطاق سيطرة باكستان في أفغانستان. وبوضع هذا الهدف في الحسبان، قام جهاز المخابرات الباكستاني برعاية الطلاب الإسلاميين الذين كان يقودهم الملا عمر، وبحث الخصومة بين التحالف القبلي الحاكم في أفغانستان من خلال الرشاوى المكثفة. وقد أدت هذه الإجراءات إلى تأسيس نظام طالبان في عام 1996. واعتُبر الترويج الناشئ للراديكالية في أفغانستان بمثابة خطوة إستراتيجية مهمة في تعزيز نفوذ باكستان في مواجهة جارتها.

وأصبح نظام طالبان بمثابة الملاذ الآمن للقاعدة بالنتيجة الموحشة التي لا تخفى على أحد. ومنذ 11 سبتمبر أيلول؛ أصبحت نظرة أمريكا وغيرها من المسئولين الغربيين لهذه الجماعات مباشرة وصريحة وهي أن حركة طالبان والجماعات المتشددة بمثابة تهديد خطير جدًا ينبغي محاربته بلا هوادة. ومع ذلك، فإن تاريخ التعاون بين جهاز المخابرات الباكستاني وحركة طالبان وغيرهما من المقاتلين أفرز نوعًا من التعاطف والروابط طويلة الأمد. ففي كثير من الأحيان، يتم تعيين ضباط المخابرات من المناطق القبلية وهذه الروابط القبلية تعرض ولاءهم لباكستان للخطر. وقد ذُكر أن تفاقم هذه المشكلة أدى إلى إجراء عملية تطهير في جهاز المخابرات الباكستاني مؤخرًا. وفشلت هذه العملية نهاية الأمر في أن تطال الرتب الأدنى في جهاز المخابرات حيث يعتبر دعم الإسلاميين وحركة طالبان متأصلاً بعمق.   

تعارض بعض الأصوات بقوة وجود مثل هذا التواطؤ. وكما أوضح برويز مشرف في مقابلة أجرتها معه مؤخرًا مجلة دير شبيجل الألمانية، فإن هذه ليست قضية عدم التزام إزاء التعامل مع تهديد طالبان. ورأى مشرف أنه من الأفضل التعامل مع قادة طالبان كلٍ على حدة بدلاً من اعتبارهم جميعًا أعداء.

وبالرغم من كل هذا، فإن العقبة الرئيسية التي تحول دون دخول جهاز المخابرات الباكستاني والجيش الباكستاني في حرب شاملة ضد طالبان وغيرها من الراديكاليين، هي على الأرجح عقبة قديمة تتمثل في الخصومة بين باكستان والهند. فالسبب الحقيقي في وجود جهاز المخابرات الباكستاني كان متمثلاً في مواجهة تهديد الهند. فقد تم تأسيس جهاز المخابرات الباكستاني عام 1948 كي يقوم بتنسيق أنشطة الجيش عندما دخلت كلتا الدولتين في أولى حروبهما على إقليم كشمير. ولجأ جهاز المخابرات الباكستاني إلى الجماعات المقاتلة للقيام بحرب عصابات، ووجدوا أن هذه بمثابة إستراتيجية فعالة جدًا في مواجهة القوة العسكرية الفائقة لأعداء باكستان. واليوم، تشير الكثير من الأدلة إلى أن الجماعات المتشددة لا يزال يُنظر إليها على أنها حليف محتمل في الصراع مع الهند.

وقد اتهمت الهند مرارًا وتكرارًا باكستان خصوصًا جهاز المخابرات الباكستاني بالتورط في كشمير وفي العمليات الهجومية التي تم شنها من وقت لآخر في أماكن أخرى من الهند. وهناك حدث ضمن سلسلة أخرى من الأحداث يضيف شرعية لتلك الاتهامات وهو الاستجابة غير الملائمة من جانب السلطات الباكستانية في التعامل مع جماعة "لاشكر الطيبة" التي تتخذ من باكستان مقرًا لها، ويُذكر أن تلك الجماعة الإرهابية هي المسئولة عن هجوم مومباي عام 2008.

وكثيرًا ما لا يُلتفت إلى احتمال أن تكون الهند على علاقة بعناصر جهادية. فالمسئولون الباكستانيون يؤمنون إيمانًا قويًا بأن الهند ظلت تلعب دورًا نشطًا جدًا من خلال جهاز مخابراتها الخارجي في دعم حركات التمرد ضد باكستان. وبوجه خاص، زعم هؤلاء المسئولون أن الهند تستخدم قناصلها في أفغانستان لتزويد المتمردين بالأسلحة والمال، في كل من بلوشيستان وحتى في سوات.  

أيضاً، يؤكد حديث مسئول مخابراتي أمريكي عمل في المنطقة، احتمال أن يكون الهنود منهمكين في دعم طالبان ضد الحكومة الباكستانية في أفغانستان وباكستان. وكما الحال بالنسبة لباكستان، هناك مخاوف من أن تكون الحكومة الهندية مفتقرة إلى السيطرة التامة على جهاز مخابراتها الذي ربما يحتوي على عناصر مؤذية تساعد المقاتلين وتستغلهم ضد باكستان.

وقد ظلت الجماعات المقاتلة بمثابة أداة في سياسة القوة بين الدولتين في المنطقة. ولا تزال باكستان على الأخص تعتبر تلك الجماعات بمثابة سلاح يمكن أن تستغله في صراعها المحتمل مع الهند. ومع ذلك، فإن الحكم بناءً على التطورات الحديثة يُظهر أن هناك أساسًا منطقيًا للاعتقاد بأن باكستان تبدأ في النظر إلى طالبان وغيرها من المقاتلين على أنهم بمثابة تهديد لوجودها. وبالإضافة إلى هذا، فإن تطبيع العلاقات مع الهند ربما يكون بمثابة جانب حاسم في نجاح عملية مواجهة التمرد في المنطقة.

مانويل ألميدا

font change