وزير الخارجية اليمني د. أبو بكر القربي

وزير الخارجية اليمني د. أبو بكر القربي

[escenic_image id="557871"]

المجلة: برأيكم هل سينجح الحسم العسكري مع المتمردين الحوثيين في صعدة؟ 

 أبو بكر القربي: كما قلنا دائماً إن الهدف من العمليات العسكرية هو الدفع بهذه العناصر إلى طاولة المفاوضات، لأننا نعرف أن جماعة التمرد التي تقوم بأعمال التخريب وحرب العصابات تحاول أن تفرض رؤيتها ومطالبها خارج الدستور والقانون. وكما تابعتم، فإن الحكومة تحاول منذ الحرب الأولى أن تفتح قنوات لإقناع هذه الجماعة بالعودة إلى جادة الصواب، والحوار مع الحكومة وتحديد المطالب التي لم تُعرف حتى الآن بالتحديد سوى شعارات لا تُظهِر الأهداف الحقيقية لهذه المجموعة. ولهذا، فإن العمليات العسكرية - كما قلت - الهدف منها هو دفعهم إلى الحوار، ولكن في نهاية الأمر إذا استمروا في أعمال العدوان فإن الحكومة سوف تواصل جهودها لإنهاء هذا التمرد.

المجلة: لماذا فشل برأيكم اتفاق الدوحة في إنهاء القتال في صعدة؟

أوضحنا هذا. أعتقد أن الرسالة التي وجهتها اللجنة [التي شُكِّلت لمتابعة تنفيذ اتفاق الدوحة] لفخامة الرئيس والتي نشرت في الصحف وبتوقيعات واضحة، قد أظهرت أن السبب في فشل اتفاق الدوحة كان سببه الحوثيون.

المجلة:كيف تنظرون إلى البعد المذهبي والطائفي للمواجهة المسلحة؟ وهل أنتم قلقون بشأن ذلك؟

أنا دائماً من الناس الذين يقلقون من العامل المذهبي أو العنصري في أي صراع، لأنه يعبر عن أزمة تخلّف فكري لدى من يروّجون هذا النوع من الصراعات.

المجلة:ما  تقييمكم لموقف المعارضة من الحرب في صعدة، خصوصاً في ظل اعتبارها الدولة والمتمردين الحوثيين "طرفين متساويين" كما ظهر في بياناتها الأخيرة؟

المعارضة للأسف لم توفّق في قضية الحوثيين، لأنها حاولت أن تستثمر هذه القضية لنيل مكاسب حزبية ولم تنطلق في موقفها من منطلقات تحرص أولاً على تثبيت الدستور والقانون. وأحزاب المعارضة عندما تدعو [الحكومة] إلى وقف الحرب والحوار، تتناسى أو تتجاهل أن الحكومة نفسها أوقفت الحرب لعدة مرات، ولم تستجِب جماعة الحوثي لذلك. الحكومة دائماً قالت إن باب الحوار مفتوح، فهم إذن لم يأتوا بشيء جديد. ويتوجب عليهم أن يوجهوا رسالة إلى الحوثيين لكي يلتزموا بالدستور والقانون، وأن ينخرطوا في حوار حقيقي لإنهاء هذا الخلاف. وإذا كانت هناك مطالب مشروعة ودستورية [لهم]، فإننا ملتزمون – كحكومة - بالنظر فيها ومعالجتها.

المجلة:هل تعتقدون أن ما يجري في صعدة له أصداء ما على الوضع في الجنوب؟

 لا، لا أظن ذلك. في الحقيقة، إن ما يجري مرتبطٌ فقط بالحراك السياسي في البلد ككل، وأحزاب المعارضة دائماً تحاول أن تستفيد من الخلافات الموجودة، سواء في صعدة أو في المحافظات الجنوبية.

المجلة:اتهم الرئيس علي عبدالله صالح أخيراً جهاتٍ إيرانية لم يحددها بدعم التمرد في صعدة، فكيف تقيمون الموقف حالياً إزاء إيران؟

نحن قلنا إن هناك معلومات، وإن هناك تحقيقات، وأننا سنعلن التفاصيل عندما تُستَكمل هذه التحقيقات.

المجلة:عطفاً على ذلك، هل عرضت إيران فعلاً الوساطة بين الحكومة والحوثيين بعد اندلاع القتال في الأسابيع الأخيرة؟ وهل كان هناك إطار واضح لهذه الوساطة؟

الإيرانيون أبدوا رغبةً لمساعدة الحكومة [اليمنية]، لكنهم لم يقدموا مقترحاً واضحاً أو تفصيلياً حول ما يمكن أن يقوموا به، وأبلغناهم نحن أن أهم دور لإيران هو أن تتمسك بموقفها المعلن بالوقوف مع الوحدة ومع استقرار اليمن، ورفض اللجوء إلى العنف لحل أي خلافات. كما طالبناها أيضاً بتحييد إعلامها الذي كان في الفترة السابقة يتبنّى موقف الحوثيين، وإن كان قد طرأ عليه بعض التحسُّن الآن.

المجلة:ما  تقييمكم اليوم للموقف العراقي من أزمة صعدة، لاسيما وأن هناك أطرافاً سياسية في العراق تتهم اليمن بإيواء شخصيات مهمة من النظام البعثي السابق؟

لقد صدر تصريح من وزارة الخارجية [العراقية] نفى أن تكون هناك أي نوايا لفتح مكاتب للحوثيين، وتم التأكيد على أن الدستور العراقي والحكومة العراقية يرفضان أي تدخل في الشأن الداخلي لأي دولة أخرى، وأنهم لا يربطون بين قضية وجود بعض العراقيين في اليمن مع ما طرحه بعض البرلمانيين العراقيين.   

المجلة:هل تطالبون بتدخل خليجي أو إقليمي لحل الأزمة؟

كلا. لقد قلنا بوضوح إن هذه الأزمة داخلية، وأننا سنعالجها من خلال الحوار الداخلي، والوساطات الخارجية للأسف الشديد تُعطي الانطباع وكأن هذه المجموعة الخارجة عن القانون تمثل [جهة] نِديّة للحكومة.

المجلة:هل يعني ذلك أنكم تغلقون الباب أمام أي جهود وساطة قد تبادر بها أيٌّ من دول الإقليم؟

أنا قلت إن القضية، أولاً وأخيراً، قضية داخلية وأنها ستعالج داخل اليمن.

المجلة:ولكن إذا استمرت الأزمة مُستعصيةً داخلياً على الحل، فهل ستستمر الحكومة اليمنية في صدّ الوساطات الخارجية؟

إن استعصاء الأزمة يأتي في إطار العمل التخريبي وحرب العصابات، ولكن حتى هذه الحلول الخارجية التي ستأتي ستكون دائماً - كما حدث مع اتفاقية الدوحة - حلاً مؤقتاً تستغله هذه العناصر فترة معينة ثم تعود للتمرد من جديد. ولهذا يجب أن تكون هناك معالجات جذرية للمشكلة؛ والوسطاء في معظم الحالات - للأسف - لا يستطيعون أن يوفروا المناخ الملائم لذلك، ومثل هذا المناخ يتوفر داخلياً فقط من خلال حوار وطني حقيقي وجاد.

المجلة:ما تعليقكم على من يقول إن اليمن تحول إلى ساحة للتنافس وتصفية الحسابات بين بعض الدول الإقليمية؟

هناك الكثير من التكهنات والتحليلات السياسية حول ما يجري في اليمن، وكل هذه القراءات والاحتمالات يجب أن تؤخذ في الاعتبار. لكن القضية في النهاية يجب أن تظل قضيتنا نحن كيمنيين، وينبغي على كل الأطراف اليمنية، أحزاب المعارضة والحكومة والمجتمع عموماً، أن يدركوا أن مسئوليتهم تتمثل في الحفاظ على أمن اليمن واستقلاله، وأن لا يجعلوا من المماحكات السياسية أو الأهداف الحزبية الضيقة عائقاً أمام إيجاد الحلول. وكل الوساطات لن تأتي بأي نتيجة إذا لم تكن لدى اليمنيين نوايا حقيقية لتطبيع أوضاعهم وتجاوز خلافاتهم ومشاكلهم. 

المجلة:كيف تنظرون إلى مستقبل جهود اليمن وحظوظه للانضمام إلى المنظومة الخليجية الإقليمية في ضوء أزمة صعدة والأزمات الأخرى التي تمر بها البلاد حالياً؟

الحقيقة أن مسيرة اليمن الخليجية تمضي بوتيرة متسارعة، وقد أخذت مزيداً من الزخم في إطار المواقف الخليجية الراهنة من اليمن وتبلور قناعة بأن ما يجري في اليمن بات يستدعي من دول مجلس التعاون إيلاء الحكومة اليمنية المزيد من الدعم السياسي والاقتصادي والتنموي حتى تتمكن من تجاوز كل الصعوبات التي تواجهها، لأن أي تداعيات خطيرة قد تحدث ستكون لها انعكاسات مباشرة على دول الخليج والأمن الإقليمي ككل.

المجلة:هل بحثتم هذا الموضوع مع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن العطية خلال زيارته الأخيرة لليمن [مطلع شهر أيلول/ سبتمبر الجاري]؟

بالطبع بحثنا هذا الموضوع معه، كما طرحنا قضية التمرد في صعدة وغيره من القضايا على وزراء الخارجية العرب في القاهرة، لأننا أردنا أن يعرفوا الحقيقة كما هي وليس عن طريق وسائل الإعلام التي تشوّّه الحقائق في بعض الحالات.

المجلة:ما  تقييمكم للمواقف الغربية، الأوروبية والأميركية، من حرب صعدة، وهل صحيح أن الحكومة اليمنية أخذت من الأمريكيين ضوءاً أخضر للمضي في طريق الحسم العسكري في معركتها مع الحوثيين؟

الحكومة اليمنية لا تحتاج أن تأخذ ضوءاً أخضر من أحد في قضية داخلية تهم الأمن الوطني، وتهمنا نحن لتثبيت الوحدة الوطنية والحفاظ عليها، ولإنهاء تمرد مسلّح على الحكومة الشرعية للبلد. الدول الأوروبية والخليجية دعت إلى وقف إطلاق النار ومراعاة الجانب الإنساني في الحرب، وأظهروا تقديرهم للجهود الذي بذلها اليمن في هذا الصدد، وربما تكون اليمن إحدى الدول القلائل التي وجد فيها جهد حكومي وشعبي لإعانة النازحين وإيصال المؤنة إليهم. أما الولايات المتحدة فإنها - كما تعرفون - أعلنت في بيانها الثاني [حول الحرب في صعدة] أن من حق الحكومة مواجهة العناصر التي تحمل السلاح، وتخرج على القانون.

المجلة: هل تكفي المواجهة العسكرية لحسم الأزمة أم أنها معركة أيديولوجية بالأساس؟

أعتقد أن مسألة مواجهة الفكر مهمة للغاية، لأن الانحراف الفكري من أبرز المخاطر التي نعانيها في مجتمعاتنا. فالانحرافات الفكرية في العالمين العربي والإسلامي، على مدى القرون قادتنا إلى كوارث محققة، وإحدى إشكاليات الانحرافات الفكرية أن هناك من يقوم بتغذيتها أحياناً لأسباب وأجندات خاصة بدول أو جماعات في الإقليم أو خارجه، وفي النهاية فإن الجميع يدفع ثمن هذه الصراعات الفكرية والمذهبية أو الإيديولوجية. ومعالجة هذه الانحرافات بالطبع تكون من خلال الفكر، فلا يمكنك أن تواجه فكراً إلا بفكر، وهذا يتم من خلال عدة أُطُر كالتربية التي تزيل الفهم المغلوط للدين ولقراءة التاريخ. وهي قضية طويلة المدى، لأنه حتى لو استطعت أن تنتهي من مجموعة تتبنى فكراً منحرفاً فإنك ستجد أمامك بعد فترة مجموعة أخرى تحمل فكراً منحرفاً آخر، إذا لم تَضَع الأسس التربوية السليمة.

المجلة: كيف تنظرون إلى مستقبل اليمن في ضوء الأزمات المركبة التي تعاني منها سواء في الشمال أو في الجنوب ناهيك عن تفاقم خطر تنظيم القاعدة ؟

إن هذا المثلث الذي تواجهه الحكومة الآن هو مثلث يُمثِّل التطرف في الفكر، ويمثّل أيضاً، وكما قلت قبل قليل، مجموعة لا تقرأ التاريخ قراءة صحيحة. ونتائج كل هذا هو الإضرار باستقرار اليمن وبالتنمية في اليمن، وبحياة المواطن اليمني. وكل هذه العناصر تسلك مساراً مضاداً للتاريخ وللعصر الذي نعيش فيه، ولذلك فإنهم يخوضون معركة خاسرة. المشكلة أنهم يُعيقون تقدم اليمن وتقدم الأمتين العربية والإسلامية، والذي يجني حصاد ما يقوم به هؤلاء هم أعداء الأمة الإسلامية وأعداء الأمة العربية الذين يدّعون أنهم يحاربونهم.

أما القضية الجنوبية فإن هناك بعداً سياسياً فيها، وقد حصلت معالجات له وهناك خطوات للمزيد من المعالجات، وأنا واثق بأن الأصوات التي تدعو إلى فك الارتباط أو الانفصال لا تمثل أغلبية أبناء اليمن شمالاً وجنوباً، لأن الوحدة متأصلة في ضمير اليمنيين، وكالعادة يحدث التذمر عندما تكون هناك مشاكل اقتصادية، وظروف صعبة، وإدارة ربما ارتكبت أخطاءً، ولكن المعالجة ينبغي أن تكون في إطار المؤسسات الدستورية والحراك السياسي المشروع.

المجلة: كم من الوقت سيحتاجه اليمن حتى يعود إليه الاستقرار؟

أنا لست ممن يرجمون بالغيب، ولكن أسأل الله ألا يكون الوقت لذلك طويلاً.

حوار محمد سيف حيدر - صحفي وباحث في مركز سبأ للدراسات الإستراتيجية

font change