الفوضوي...الصاخب...والمشتت

الفوضوي...الصاخب...والمشتت

[escenic_image id="556210"]

ليست الديمقراطية قيمة جمالية في حد ذاتها، بل هي ممارسة محاطة بالفوضى والصخب والإضطراب. فهي في كل زمان ومكان نسق ناقص وغير مكتمل. وقد أثبتت إنتخابات السابع من يونيو أن لبنان لا تمثل استثناء من هذه القاعدة. وبالرغم من أن اللبنانيين يميلون إلى اعتبار أنفسهم شعباً متميزاً في هذا الصدد، بل ويتيهون فخراً بالتعقد المحير للعقول الذي تتميز به السياسة المحلية - بحيث لا يستطيع حل ألغازها سوى لبناني حصيف - فما حدث في لبنان في السابع من يونيو لم يكن سوى إحدى الممارسات العادية للديمقراطية والتي تتكرر كل يوم- مضافاً إليها عمليات شراء الأصوات وتبادل الشتائم والصفقات السرية وتواطؤات اللحظة الأخيرة. وهنا قد لا يشعر أحد الساسة المحليين من شيكاجو أو نيويورك أو نيوأورليانز بأي فرق.

إلا أن ما قد نجحت الإنتخابات اللبنانية في إثباته أيضاً هو أن الديمقراطية - برغم كل مثالبها- فهي شيء يدعو للعجب. فهي تولد الفوضى والصخب نظراً للتعويل على النتائج مع عدم القدرة على التنبؤ بها. ولا يوجد نظام آخر، وخاصة في العالم العربي، يستطيع فيه المواطنون بكل طوائفهم التي تشمل الفقراء والأميين والمبعدين والمهمشين التأثير على الكيفية التي يتم بها توزيع السلطة. وليس ثمة نظام آخر - ولاسيما في العالم العربي- يمكن المواطنين من محاسبة الحكام، وإعفائهم من مناصبهم، حتى وإن كان نظاماً يشوبه شيء من النقص وعدم الاكتمال. وفي هذا الخصوص أيضاً، لا تعد لبنان حالة استثنائية. ففي السابع من يونيو، توجه اللبنانيون إلى صناديق الإقتراع بأعداد غير مسبوقة. وبرغم العيوب الهيكلية الغائرة في عمق النظام الإنتخابي اللبناني، وبرغم موسم من الحملات الإنتخابية تميز بإنتهاك قوانين الإنتخابات، وبالرغم من وجود دستور يتسم بأنه غير ديمقراطي في جوانب عديدة، حيث يجبر المواطنين على التصويت ليس فقط بصفتهم لبنانيين ولكن بوصفهم مسيحيين أو مسلمين، فإن النتائج كانت غير متوقعة وغير قابلة للتنبؤ بها وكانت هامة للغاية.

ولا يعني هذا أن نتائج الإنتخابات كانت مفاجئة تماماً، أو أنها قد غيرت من البنية الأساسية للإنتخابات اللبنانية. ففي الثامن من يونيو، كما هو الحال في السادس من يونيو، ظلت السلطة السياسية في أيدي الرجال الخمسة الذين ظلوا مهيمنين على المسرح السياسي في لبنان منذ عام 2005، إن لم يكن قبل ذلك. وهؤلاء هم: سعد الحريري وحسن نصر الله وميشيل عون ووليد جنبلاط ونبيه بري. وفي الثامن من يونيو، كما كان الحال في السادس من يونيو، كانت السلطة السياسية ما يزال يتم توزيعها وفقا للمبادئ الطائفية التي تم التفاوض حولها في الطائف في عام 1989. وفي الثامن من يونيو، كما كان الحال في السادس منه، كانت التصدعات التي أدت إلى إنقسام القادة اللبنانيين إلى: مستقبل أسلحة حزب الله و"الثلث الضامن". أما وضع لبنان على الصعيد الإقليمي ومستقبل الفلسطينيين، فهذا من بين هموم أخرى طال عليها الأمد.

وكما هو مفهوم، قام كثير من المحللين بالتركيز على هذه القضايا المتصلة وخلصوا إلى نتائج يغلب عليها طابع التشاؤم،  حول توقعات السياسة اللبنانية. ووفقاً لما جاء في أحد التقييمات المنشورة في نشرة مبادرة الإصلاح العربية في العاشر من يونيو: " أدت الإنتخابات إلى تكرار الإنقسامات وتآكل الفرص الضئيلة المتاحة لإحداث تحول في النظام السياسي من خلال دعم السلوكيات الطائفية وتشويه صورة أعضاء البرلمان المستقبليين من خلال كيل الإتهامات بعدم الشرعية وزرع التطرف في خطاب المرشحين حول مواقف غير قابلة للتوفيق بينها".

وربما يكون تاريخ لبنان والتصعيد البطيء لتوترات ما بعد الإنتخابات عاملاً يزودنا بأسباب كافية للحذر بشأن التوقعات الخاصة بلبنان. ولقد تحطمت الآمال المنعقدة على إمكانية انزواء قضية الثلث المعطل بعد النصر الواضح الذي تحقق في الرابع عشر من آذار. فالغزل الدائم بين وليد جنبلاط وأعضاء تحالف 8 آذار قد أكد على إلتزامه العنيد بمبدأ "وليد أولا".

ولقد كشف الإندلاع المحدود للعنف في أواخر يونيه والذي وقع في ضاحية عائشة بكار المختلطة عن التوترات المعتملة تحت السطح التي كان يمكن بسهولة شديدة أن تتحول إلى عنف أوسع نطاقاً. ويتسلط حزب الله على رقبة النظام اللبناني كله مثل سيف داموكليز بقدرته على فرض سطوته بقوة السلاح. وينبغي الاعتراف بأنه توجد إحتمالات غير هينة لحدوث إنهيار سياسي وإمكانية الإنتكاس إلى حالة من العنف. فعلى مدار ثلاثة عقود، ظل التشاؤم فيما يتعلق بالشأن اللبناني هو البطاقة الرابحة دائماً.

إلا أن ثمة قراءة أخرى ممكنة لإنتخابات السابع من يونيو. والفرق مهم لفهم المسار الأكثر احتمالاً للسياسة اللبنانية في الفترة الحالية عقب الإنتخابات. ويعني تبني هذا المنظور، المراهنة بحذر مع مراعاة مدى تعقد القضايا التي تواجهها لبنان على أن الإنتخابات - بالإضافة إلى السياق الإقليمي الناشئ الذي ساعدت على إيجاده- قد تمخضت عنها مجموعة من الحوافز والقيود تحمل معها بشرى طيبة لحدوث تطور على صعيد عدد من القضايا المحورية، من بينها بوجه خاص المزيد من الإصلاحات الإنتخابية. فعلى أقل تقدير، فقد تسببت الإنتخابات في خلق ظروف على الصعيدين الداخلي والخارجي، من شأنها أن تزيد من أسهم الإعتدال، وترفع من تكاليف الخروج من الساحة السياسية ومقاطعة البرلمان -على سبيل المثال- أو اللجوء إلى العنف كما فعل حزب الله في مايو 2008. وكنتيجة لذلك، فإن الأجندة السياسية لما بعد الإنتخابات آخذة في التشكل وفق خطوط عريضة تحبذ التفاوض والتوسط والتدرج بدلاً من المواجهة والإستقطاب وتجمد الوضع السياسي الذي كان معلماً بارزاً تميزت به الفترة الممتدة من عام 2005 حتى إتفاقية الدوحة في عام 2008.

وتجد هذه الظروف أصداء لها في الإهتمام الذي أولاه قواد التحالفين للحوار وسياسة الضم والتصالح وإن كان هذا النوع من الخطاب لا يخفي  طموحات كل من حسن نصر الله أو سعد الحريري أو الخلافات الشديدة بينهما. وقد كان الخطاب الذي ألقاه حسن نصر الله في السابع عشر من يونيو مثالاً بارعاً على كيفية توظيف خطاب التسامح والمصالحة في نقد خصومه وتوجيه اللوم إليهم. كما تتجلى هذه الظروف الجديدة واضحة في السرعة والسهولة اللتين تمت بهما إعادة انتخاب نبيه بري رئيساً للبرلمان. كما تتجلى أصداؤها أيضاً في التسويات الحاسمة التي أعقبت الإنتخابات من جانب تحالف 14 آذار، والتي من بينها تخلي سعد الحريري الفوري عن وعده الإنتخابي بجعل مسألة أسلحة حزب الله ذات أولوية في البرلمان الجديد.

وفي غضون أيام من فوز تحالفه، ظهر الحريري بمظهر المتفضل بعمل كان في الواقع مضطراً إليه، فأعلن على الملأ أن أخطر قضية في السياسة اللبنانية سوف يتم عزلها  عن الأجندة السياسية والبرلمان وسيتم تناولها من خلال عملية حوار منفصلة، مما يعني أنه سيتم طرحها جانباً في هدوء على مدى المستقبل المنظور. وبرغم ما ينطوي عليه هذا التحول من إيلام لمؤيدي الحريري الذين التفوا حول خطابه المعادي لحزب الله خلال الحملة الإنتخابية، فقد كان خطوة ضرورية من أجل تحييد الثقل السياسي الذي تمثله قضية أسلحة حزب الله كعامل يخدم في مناورات ما بعد الإنتخابات ومن ثم يعمل على خلق بيئة جديدة في أعقاب الإنتخابات، يستطيع الحريري من خلالها المساومة من موضع قوة حول قضايا أخرى محورية، أهمها مطالب المسيحيين الموالين لتحالف 14 آذار بثلث ضامن من المقاعد في مجلس الوزراء.

وكما تفيدنا تجربة الديمقراطيات الأكثر رسوخاً وعراقة، فإن معرفة التوقيت المناسب لحذف مسألة ما من الأجندة السياسية لا تقل أهمية بالنسبة لكفاءة الحكم عن معرفة التوقيت المناسب والكيفية التي يتم بها إدراج قضية ما ضمن الأجندة السياسية.

وإذا كانت نتائج الإنتخابات نفسها قد ساعدت على إحداث هذه التحولات، فليست هي على الإطلاق العامل الوحيد ذا الصلة. إن ظروف ما بعد الإنتخابات التي سلطنا الضوء عليها هي أيضاً نتاج الأحداث التي وقعت خلال الحملة الإنتخابية، كما أنها تمثل ميراث حرب عام 2006 مع إسرائيل. وهي كذلك وليدة العنف الذي أطلقه حزب الله في مايو 2008 والتغيرات الأوسع التي حدثت في المنطقة. فهذه الحوادث جميعها لم تضمن نصراً لتحالف 14 آذار أكبر بكثير مما توقعه أحد فحسب، بل إنها ساعدت على تعميق القيود المفروضة على حزب الله بوجه خاص - مما يعطي مبرراً لبعض التفاؤل الحذِر فيما يتعلق بالمسار اللبناني في المستقبل.

وكانت الأخطاء التكتيكية التي وقع فيها نصر الله وميشيل عون، الذي أدلى بخطب حماسية مشتعلة في الدقائق الأخيرة نتج عنها تحريك جماهير مؤيدي حركة 14 آذار من ضمن هذه العوامل. حيث كان من الواضح أن تقييم عون لمدى شعبيته وحجم مؤيديه هو تقييم خاطئ، كما كان من الواضح أن حملته الإنتخابية قد ساهمت في تقويض فرص نجاحه عندما تم التركيز في الأسابيع الأخيرة منها على ترسيخ دعائمها بدلاً من محاولة جذب المزيد من الجماهير. ولم يتمكن العماد عون، بالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها، من إقناع جمهور المسيحيين بأن الحريري و حلفائه من السنة يمثلون خطراً أكبر على مصالح المسيحيين من حزب الله.

وفضلاً عن ذلك، لا تقل أهمية أحداث يوليو 2006 ومايو 2008 عن سلوك المعارضة خلال الحملة الإنتخابية. فبالرغم من أن نتائج الحدث الأخير من أحداث العنف تلك لا تقل في أثارها المدمرة عن حجم الدمار البشرى والمادي الذي نتج عن الحدث الأول، حيث كاد الأخير أن يجر لبنان إلى ويلات حرب أهلية أخرى، إلا أنهما فرضا على اللبنانيين - إن لم يكن على حزب الله نفسه- ديناً يصعب تسديدة وهو الدين المتعلق بالتكاليف المرتبطة بسلاح حزب الله. فبغض النظر عما قد يكون سعد الحريري قد قاله بعد الإنتخابات، فقد ساعدت هذه الأحداث بشكل كبير على زيادة الأعباء والتبعات السياسية المترتبة على استخدام هذه الأسلحة، سواء ضد إسرائيل أو ضد اللبنانيين أنفسهم. فقد ساهمت في سرعة تآكل مكانة حزب الله داخل لبنان، ولاسيما في صفوف الناخبين المسيحيين الذين يملكون ترجيح كفة نتائج الإنتخابات، والذين لعبوا دوراً مهماً في إنتخابات يوم 7 يونيو. وقد أعطى هذا بدورة مساحة للحريري لقبول صيغة قد تنجح في حماية السياسة الداخلية من الإنقسام في فترة ما بعد الإنتخابات حول مسألة لم يتم التوصل إلى حل لها بعد.

ومن المؤكد أن حزب الله سيظل ثابتاً في موقفة إزاء قضية استقلالية أسلحته، حيث مازال يضع خطوطاً حمراء حول هذه المسألة. ولكن حزب الله يدرك جيداً الثمن الذي دفعة مقابل إستخدام هذه الأسلحة، كما أننا يجب ألا نغفل حقيقة مدى كون هذه الأسلحة بمثابة قيد على حزب الله. فلا يمكن النظر إلى الجهود غير العادية التي بذلها نصر الله للتأكيد على قبول حزب الله للهزيمة وشرعية نتائج الإنتخابات سوى على أنها حملة تهدف إلى طمأنة معارضيه إلى أن سلاح حزب الله لن يستخدم مرة أخرى ضد اللبنانيين. وبالرغم من علم الجميع من وجود أسلحة وأنه لا يمكن الإستهانة بها، إلا أن أحداث العنف التي وقعت في 2006 و 2008 قد منعت بشكل فعّال إستخدام هذه الأسلحة كورقة مساومة في القضايا الداخلية، على الأقل في الوقت الراهن.

وبالرغم من أن القضايا المحلية قد حظيت بإهتمام أكبر خلال هذه الإنتخابات من القضايا الإقليمية - مما يشكلا اختلافاً عن عامي 2000 و 2005- إلا أن هذا لم يمنع التغييرات التي حدثت على الصعيد الإقليمي من دفع حكام لبنان الحاليين إلى التوجه نحو الإعتدال وتسوية الخلافات. فمازالت المفاوضات الأمريكية-السورية مستمرة، وإن كانت قد تسارعت مع قرار إعادة السفير الأميركي إلى دمشق. كما تعمل المملكة العربية السعودية والأردن ومصر عن كثب على إعادة بناء جسور التواصل مع سوريا. وقد حاول النظام السوري أن يحافظ بقدر الإمكان على موقفة المحايد خلال الإنتخابات - إلى درجة أنه إنتقد الولايات المتحدة لتدخلها المتزايد في الشؤون اللبنانية الداخلية خلال الحملة الإنتخابية - إلى جانب وجود حافز قوى لدى النظام السوري لإتباع سياسة قائمة على الحياد خلال المفاوضات التي ستعقد في فترة ما بعد الإنتخابات. وبالرغم من التحذيرات الروتينية التي توجهها إسرائيل لحزب الله والمناورات العسكرية التي تقوم بها من آن إلى آخر في الشمال، إلا أنها ليس لديها ما يحفزها إلى عرقلة نظام إقليمي يميل نحو الإتجاهات العامة التي تؤيدها، كما أنها لا ترغب في المزيد من التآكل لعلاقاتها المتوترة بالفعل مع إدارة أوباما من خلال القيام بأعمال عسكريه منفردة، سواء في جنوب لبنان أو بإتجاه إيران.

أما بالنسبة لإيران، فمن غير المتوقع أن يؤدي التزوير الذي حدث من قبل رجال الدين المتشددين خلال الإنتخابات إلى خفض الدعم الإيراني لحزب الله، أو تعديل طموحات إيران الإقليمية. و لكن على المدى القصير، سيظل قادة إيران منشغلين بتبعات الإنقلاب الذي قاموا به، وبالحاجة إلى استعادة الشرعية التي فقدها النظام والثورة على حد سواء - وهو التحدي الذي قد يكون أكبر من قدرتهم على مواجهته بإتباع وسائل أخرى بخلاف القمع. ومن ناحية أخرى فإن الإنقلاب الإيراني كان له تأثير قوي غير مباشر على الأوضاع في لبنان. فالبرغم من إصرار حزب الله على أنه لا شأن له بالأحداث الجارية في إيران، وأنه حركة سياسية لبنانية قبل كل شيء، إلا أن الاستيلاء على السلطة الذي قام به رعاة حزب الله الإيرانيين قد شوه سمعة إيران، وأضعف الشعبية التي كانت تتمتع بها بإعتبارها مركزاً لمقاومة الغرب، وأتاح الفرصة للمنطقة بأسرها لرؤية ما يمكن أن تؤدى إليه ولاية الفقيه، وهو نظام الحكم الذي يتبناه حزب الله. وهذه ليست بأي حال من الأحوال أنباء سارة بالنسبة للسيد حسن نصر الله. فهي لا تشكل فقط عقبات جديدة أمام تنفيذ الأجندة الإقليمية لحزب الله، ولكنها تسلط أيضاً الضوء على الجوانب السياسية-المحلية لحزب الله بينما تدفع بالجوانب الثورية-التحريرية للحزب إلى الخلفية، على الأقل في الوقت الحالي، من خلال إجبار الحزب على العودة لأصوله اللبنانية وتأكيد الهوية اللبنانية للحركة والتزامها باللعب وفقاً للقوانين.

وبالنظر إلي هذه الأمور مجتمعة، سنجد أن هذه القوى قد ساهمت في خلق بيئة سياسية لبنانية تتجه - ولو مؤقتاً- نحو الإعتدال وتسوية الخلافات ومحاولة التوصل إلى حل وسط. وهي بهذا الشكل تعد بمثابة الأساس الذي يتيح الفرصة لترجمة النصر الإنتخابي لـقوى  14 آذار إلى مكاسب سياسية ذات معنى، وإن كانت متواضعة، ولحماية المصالح الأساسية لـقوى  8 آذار وجعلها تتقبل وضعها الحالي كأقلية في إنتظار ما يمكن أن تحققه خلال الإنتخابات القادمة، وهو الشيء الذي ينبغي على المعارضة أن تفعله في أي نظام ديمقراطي. وبالإضافة إلى ذلك، يشير أداء وزارة الداخلية في إدارة الإنتخابات - الذي يستحق الإشادة به- إضافة إلى الحماس والحيوية التي أظهرها نشطاء المجتمع المدني، إلى أن ثمة تحركاً إيجابياً نحو التمثيل النسبي والمزيد من الإصلاحات الإنتخابية قد يحدث في ظل حكومة جديدة.

ومن الخطأ أن نقلل من شأن التحديات التي تواجه لبنان، أو أن ننخرط في تفاؤل متزايد. فنحن نتحدث عن لبنان برغم كل شيء. فعملية تشكيل حكومة جديدة لن تتم بسهولة، خاصة مع بداية تفكك التحالفات التي تمت أثناء الإنتخابات بالفعل، كما أن حالة التصالح التي سادت بعد الإنتخابات معرضة للاختبار حالياً. إلا أنه يمكن النظر في الوقت الحالي إلى هذه الفترة في ضوء الأوضاع السابقة على الإنتخابات، والتي سبق وأن ناقشتها في أعداد سابقة من مجلة " المجلة"، على أنها خطوة في الإتجاه الصحيح نحو بناء نظام سياسي لبناني قادر على معالجة الإنشقاقات التي عملت على اندلاع موجات العنف في لبنان خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة، بالرغم من النكسات والإحباطات التي لا مفر منها. وكما قال ونستون تشرشل بعد هزيمة بريطانيا أمام قوات روميل في شمال إفريقيا فإن "هذه ليست نهاية المطاف، وليست حتى بداية النهاية، إلا أنها ربما تكون نهاية البداية". ولا يسعنا سوى أن نأمل أن يكون هذا هو الحال هنا أيضاً، من أجل سلامة ورخاء لبنان.

د. ستيفن هيديمان - نائب رئيس المعهد الأمريكي للسلام، وأستاذ زائر في جامعة جورج تاون بواشنطن.

font change