مستقبل إيران ما بين خيبة الأمل وإرهاصات الثورة الجديدة

مستقبل إيران ما بين خيبة الأمل وإرهاصات الثورة الجديدة

[escenic_image id="556147"]

بينما رأى فيها آخرون إحتجاجاً مدنياً يبرز الوجه الديمقراطي للدولة الإيرانية برغم الأخطاء الكبيرة ولن يؤثر على الإستقرار السياسي وإن كان قد يغير بعض ملامحه الرئيسية.

مجلة المجلة حاولت الكشف عن هذه الرؤى المتغيرة في منظور مستقبل ولاية الفقيه ونظام الثورة في إيران عبر آراء كتابها.

نافذة أمل

بالرغم من خيبه التوقعات...إلا أنه هناك دائماً أمل

من أكثر نتائج الإنتخابات درامية هو أن "على الخامنئى" أصبح مجرد قائد لحزب سياسي ينتمي للأقلية، من الممكن أن يُهزم بأي وقت، بعدما كان "المرشد الأعلى" لجميع الإيرانيين.

عندما قام آية الله علي خامنئي "مرشد الثورة الإسلامية" في 13 يونيو 2009 بالموافقة على نحو غير متوقع  وغير دستوري على نتائج الإنتخابات الرئاسية العاشرة التي عقدت في اليوم السابق، وهنأ الرئيس المتشدد الذي إنتهت فترة ولايته السيد/ محمود أحمدي نجاد، على فوزه الساحق على منافسه الرئيسي "مير حسين موسوي" فإنه كان بذلك يؤدى المشهد الختامي في السيناريو الذي تم وضعه في الأشهر السابقة، كما تم تنفيذه بدقة سويسريه متناهية. وقد تعمد المرشد بذلك إغلاق الأبواب أمام كل الإحتمالات الممكنة لإعادة تصحيح نتائج الإنتخابات التي تم تزويرها على نطاق واسع (البعض قال إن هذا أول إنقلاب إنتخابي في التاريخ) إلا أن ما لم يضعه في حسبانه هو أن يؤدى هذا إلى تدمير سمعته والمنصب الذي وصل إلية بعد كفاح ومجهود شاق، وهز الثقة في مصداقيته و تهديد إستقرار النظام الذي إعترف الجميع في الداخل والخارج بأنة نظام "غير قابل للتغيير"، على الأقل في المستقبل القريب أو الوسيط.

وبينما كانت وزارة الداخلية تعلن عن النتائج الأولية للإنتخابات، والتي أسفرت عن الفوز الساحق للسيد أحمدي نجاد، بالرغم من أن الناس كانوا ما زالوا يدلون بأصواتهم في بعض أنحاء إيران، كانت وسائل الإعلام التي يتحكم فيها "المرشد" ورئيسه تنفذ الفصل الأخير من السيناريو، حيث  ذكرت كل من وكالات الأنباء الإيرانية الرسمية ووكالة الأنباء الفارسية القريبة من الحرس الثوري ووزارة الإستخبارات في يوم 12 يونيو 2009 أن "مصادر واسعة الإطلاع أكدت أنه نظراً إلى الفوز المؤكد للسيد أحمدي نجاد يستعد أنصار مير حسين موسوي لتنظيم تظاهرات إحتجاج ستحظى بدعم و تأييد وسائل الإعلام الأجنبية في جميع أنحاء العالم".

وقد أراد السيد خامنئي من خلال فرض أحمدي نجاد على الشعب الإيراني، برغم عدم شعبيته، التخلص ممن بقى من الحرس القديم للثورة الإسلامية، وإكتساب رضا و تأييد الجيل الجديد من أبناء الثورة الإسلامية مثل السيد أحمدي نجاد وغيره من ضباط الحرس الثوري الإيراني الذين يدينون بولائهم له و يعتبرونه مليكهم.

وقد كان هذا الأمر واضحاً خلال كلمته التي ألقاها يوم الجمعة 19 يونيو2009. حيث قال السيد خامنئي في معرض حديثه عن الناس الذين هاجمهم الرئيس بقوة وشراسة خلال حملته الإنتخابية ومناظراته التلفزيونية، واتهمهم بالفساد المالي والمحسوبية، والذين كان من ضمنهم آية الله علي أكبر هاشمي رافسنجاني وعائلته: "أنا أعرف كل أولئك السادة، وعلاقتي بالسيد هاشمي تمتد لأكثر من 53 عاماً. وقد كرس السيد هاشمي كل ثروته لخدمة الثورة وكان له دور مهم بعد الثورة كرئيس للجمهورية لفترتين متتاليتين وكرئيس للمجلس".

لكنه فضل ألا يذكر أن السيد هاشمي رافسنجاني، زميلة في الدراسة في مدينة قم، حيث كان يحضر معه دروس آية الله (روح الله الخميني) ويتقاسم معه نفس الغرفة، وأنه قام بمناورات، بعد وفاة مؤسس الجمهورية الإسلامية مع مجلس خبراء القيادة لكي يتم إنتخاب آية الله علي خامنئي كمرشد الثورة الإسلامية الجديد.

كما أنه فضل ألا يذكر أنه في خلال كل السنوات التي أعقبت إنتصار الثورة الإسلامية وحتى وفاة قائد الثورة، كان السيد رافسنجاني هو الرجل الثاني في الدولة الذي يحظى بثقة آية الله الأكبر، والذي كان يتباحث معه بصفته رئيس مجلس خبراء القيادة حول الإتجاه العام للحرب ضد العراق.

كما ذكر مرشد الثورة الإسلامية "آية الله علي خامنئي" خلال كلمته أنه أختار: "السيد موسوي كرئيس للوزراء".

وهو أمر غير صحيح، فآية الله الخميني هو الذي رشح حسين موسوي لشغل منصب رئيس الوزراء، وفي المرتين اللتين إختلف فيهما الرئيس الإيراني في ذلك الوقت علي خامنئي مع رئيس الوزراء وقف السيد الخميني علناً إلى جانب السيد موسوي وأمر الرئيس بعدم "التدخل في شؤون الحكومة".

وفى النهاية، فقد أشار آية الله خامئني  في خطابه إلى السيد كروبي على أنه "رئيس سابق للبرلمان"  مغفلاً أنه كان واحداً من عدد قليل جداً من رفقاء كفاح آية الله الخميني، وأنة يعتبر واحداً من أكثر الشخصيات الثورية التي تحظى بالإحترام في دول الخليج.

وقد إعترف المرشد الذي يتعرض لإنتقادات في الوقت الحالي بأن: "الأمور ليست على ما يرام بين السيد هاشمي والسيد أحمدي نجاد. فمنذ الإنتخابات الرئاسية الأخيرة (عندما هزم السيد نجاد السيد هاشمي رافسنجاني في الجولة الثانية من الإنتخابات برغم كل التوقعات بفوز هاشمي) ظلت هناك خلافات حادة بينهم. إلا أنني ينبغي أن أعترف مع ذلك، بأن وجهات نظر وتفكير السيد أحمدي نجاد أقرب إلي طريقة تفكيري من تلك التي يتبناها السيد هاشمي".

وقد علق عالم إيراني، طلب عدم ذكر اسمه، على ما حدث قائلاً:"حتى أفضل الساعات السويسرية الصنع يصيبها العطب أحياناً. فالخلل الموجود في السيناريو المكتوب للسيد خامنئي لفصله عن الرفقاء القدامى وجعله ملكاً على جزيرة "لوليبوت" الخيالية، يتمثل في أنه فاته أن يدرك وهو جالس في برجة العاجي، مدى إنحسار الشعبية التي كان يتمتع بها النظام وأن الشعب لم يعد لدية القدرة على الإستمرار في تحمل نظام يحرمه من أبسط حقوقه الإنسانية و من رغبته في التغيير".

وقد كانت أهم النتائج التي أسفر عنها هذا "الإنقلاب الإنتخابي" هي أن علي خامنئي لم يعد ينظر إليه، سواء من قبل الإيرانيين أو العالم على أنه المرشد الديني لجميع الإيرانيين، ولكن على أنه زعيم حزب سياسي من أحزاب الأقلية معرض للهزيمة كغيره من الأحزاب.

صفا هيرى - صحافي إيراني الأصل مقيم في فرنسا. أنشأ الوكالة الصحفية المعروفة باسم "خدمة إيران" خلال الثمانيات  كما ساهم في تغطية أحداث الثورة في عام 1979 لصالح وكالة "فرانس برس".

-------------------------------------------------------------------------

الجمهورية الإسلامية "المزورة"

مستقبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية

ومره أخرى أتثبت الديكتاتورية ضعفها، عندما أمرت بقتل كل من يقف أمامها حتى تأثُر بالقوة لنفسها، ولكن إرادة الشعب الإيراني بدت واضحة، فهم يريدون الدفاع عن حريتهم والحكم كأي جمهوريه حقيقية، ويرفضون الحكم الإستبدادى الموجود بالجمهورية الإسلامية الإيرانية المزورة.

هكذا بدا المرشد الإيراني على خامنئي وهو يخطب في الإيرانيين والعالم...ويرفع "الحجاب" عن نفسه، الزعيم الأوحد لايران، وأكد لكل الغافلين والمستفيدين أو المتواطئين، أن "الجمهورية الإسلامية" لم تكن سوى لافتة لدكتاتورية دينية، وأن ولاية الفقيه هي نظام حكم أوتوقراطي فردي، يغلف نفسه بالدين كما تفعل الفاشية أو الشيوعية وسواهما.

"الجمهورية الإسلامية" يوم 19 يونيو، كشفت عن وجهها الحقيقي، كشرت عن أنيابها وبدأت تأكل بعضها، بعد أن تمكنت طوال ثلاثة عقود من خداع الكثيرين بأنها جمهورية ديموقراطية، وأنها تؤمن بتداول السلطة، قبل أن ينكشف التزوير هذه المرة.

لم تكن "قوى الإستكبار" من فضح الجمهورية المزورة، بل مؤسسوها من "آيات الله"، إبتداءاً بالزعيم الديني المعارض آية الله حسين منتظري، رفيق الخميني، الذي يعيش في الإقامة الجبرية، عندما قال أن "قمع المتظاهرين" المحتجين على نتيجة الإنتخابات المزورة "قد يؤدي إلى سقوط النظام" ، ومن قبله رئيس تشخيص مصلحة النظام ورئيس الجمهورية الأسبق هاشمي رفسنجاني، والرئيس السابق محمد خاتمي، والمرشح "الخاسر" رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي.

تحت ستار "عدم التدخل في الشؤون الداخلية"، تحاصر الحكومة الإيرانية "شعبها"...منذ الإعلان عن "فوز" الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية، ورفض المرشح موسوي والإصلاحيين وقطاع كبير من الشعب الإيراني نتيجة الإنتخابات "المزورة"، وأطلقت عليهم ميليشيا الباسيج (قوات التعبئة) لقمعهم، والإنفراد بالساحة الإيرانية وتزوير الحقائق كما تشاء.

بذلت الحكومة كل ما تملك لقمع المظاهرات التي خرجت إعتراضاً على نتيجة الإنتخابات، وأدت حتى الآن إلى مقتل أكثر من ثلاث وعشرين شخصاً وإعتقال المئات، وفقاً للحصيلة الرسمية، وسعى المسئولون الإيرانيون إلى "تزوير" كل ما يحدث في البلاد، فأبعد الصحافيون الأجانب، وإحتجز عدد منهم من الذين ما زالوا يرسلون بعض التقارير لمنع تصوير ما يحدث ونقله إلى العالم.

وشنت حملة إعتقالات واسعة ضد المنتمين إلى التيار الإصلاحي أو القريبين منه، من سياسيين وأساتذة جامعيين وصحافيين وموسيقيين ورياضيين، وهددت كل من يتحدث عن ما يجري في العاصمة طهران والمدن الإيرانية، بإعتباره "تدخلاً في الشؤون الداخلية"... وبفضل العالم المتداخل والعولمة، ظهر ما يحصل في إيران للعالم دقيقة بدقيقة عبر الإنترنت بصورة لا مجال لإنكارها.

وإذا كان المرشد خامنئي وسواه من قيادات الثورة لا ينكرون فضل شريط  "الكاسيت" في وصولهم إلى السلطة، فإن الجيل الثالث من الثورة إستخدم التقنيات بنجاح غير مسبوق وبصورة ثورية، عندما نقلوا كل ما يحدث داخل إيران بواسطة الإنترنت، عبر  twitter  ، you tube ،  flickr ، facebook ، وظهر فاشلاً  تركيز السلطات الإيرانية على أنظمة التشويش على الفضائيات، المستوردة من روسيا، بينما كانت صور الهواتف النقالة فعّالة للغاية، وكانت كافية للظهور في التليفزيونات العالمية ونقل كل ما يجري داخل إيران.

بدا جليا أن وجه الجمهورية تهشّم، ولن تنفع أي عمليات جراحية في ترميمه، والحديث عن "مؤامرة" كونية ضد ملالي طهران لم يعد مقنعاً، فهنالك صراع دائر منذ العام 1979 بين جبهتين متناقضتين تتصارعان على السلطة، جبهة يتزعمها "المرشد الثاني" خامنئي ورئيسه المفضل نجاد وتمثل المتشددين من رجال الدين، وهي إمتداد للمرشد الأول الخميني، والثانية تلك التي أقصيت من السلطة بعد شهور من عودة الإمام من منفاه الباريسي، وإقصائه أول رئيس وزراء لحكومة ولاية الفقيه مهدي بازركان، ثم إبعاد أول رئيس جمهورية منتخب أبو الحسن بني صدر، والإستيلاء على السلطة لصالح التيار المحافظ.

ويرفض أصحاب "الثورة الدائمة" من المحافظين أي تغيير في بنية النظام، وهو مطلب شعبي يتجاهلونه، وعندما وجد الشعب نافذه صغيرة عبر المرشح موسوي، أغلق المرشد أي بارقة أمل، وأعلن في صلاة الجمعة التاريخية الحرب على شعبه، ولم يعلم أنه كان يحفر قبر الجمهورية الإسلامية، التي فقدت مصداقيتها، داخل إيران وخارجها، وللمرة الأولى صار يسمع النظام أصواتاً من بين الإيرانيين تنادي بشعارات مثل "تسقط الجمهورية الإسلامية" و "يسقط خامنئي" و"تسقط الدكتاتورية".

أثبتت التظاهرات في المدن الإيرانية، مخضبة بدماء الشعب الإيراني الشجاع، أن الممسكين بمقاليد الحكم ليسوا سوى سلطة مستبدة، وهي لا جمهورية ولا إسلامية، وأن الشعب تجاوز مرحلة التغيير داخل النظام وبات يسعى إلى تغيير النظام نفسه، عاجلاً أو آجلاً، وما حدث هو الخطوة الأولى نحو التحرر من السجن الكبير.

والآن صار على العالم مقارعة نظام طهران بكل قوه لمنعه من الحصول على التقنية النووية، إذ أثبتت الأحداث الأخيرة أن النظام لن يستخدم الطاقة النووية سلمياً، كما لن يتورع في تهديد جيرانه، ما دام لن يتردد في قتل شعبه بكل الوسائل المتاحة، وهذا ما يفسر إستماتته لدخول النادي النووي والحصول على القنبلة النووية.

لم يعد ثمة شكوك، أن الآلية السياسية في طهران غير قابلة للإستمرار، لأنها تعمل وفق طريقة الرابح يأخذ كل شئ والخاسر يحصل على لاشئ، وهي تفضي إلى إنسدادات وإحتقانات داخل النظام نفسه، مستعدة للإنفجار في أي لحظة، ومن الواضح أن النظام لا يملك سوى القوة والقمع لمواجهة الواقع، بدلاً من الوصول إلى تحالفات وحكومات إئتلافية لتنفيس الوضع القائم، أما سياسة عزل الشعب الإيراني وجله من الشباب، ومحاولات تغييبه بالتمائم والخرافات والبكائيات، فلن تنفع دائماً.

لهذا أصرت السلطة على منع وصول موسوي (كمشروع)، الذي يحمل مشروعاً لمزيد من الإنفتاح الإجتماعي والسياسي، كفيل بتقويض النظام الذي لم يسقط بالإحتجاجات، لأنه أصلاً لم يكن هدف المحتجين، لكنه خرج من المواجهة جريحاً، وستبقى الندبات في جسد النظام، خصوصاً وهي تذكره بالمواجهات ذاتها قبل 30 عاماً في إرهاصات ثورة الخميني قبيل إنطلاقها، وستظل تقض مضاجعه ما لم يقدم على إصلاحات جذرية لن يتحملها بطبيعة الحال، ولن يكون قادراً على تجاهلها، ومن هنا نفهم إصرار المرشد خامنئي على القول "لن نرضخ للشارع"، فهو يعلم بحكم خبرته على الأرض أن ما يحصل هو مجرد تعطيل لحركة التاريخ، لأن النظام يعتبر ساقطاً عملياً، ويتنفس إصطناعياً وحسب.

كان الكثيرون من خصوم النظام يراهنون فقط على "السقوط" حلاً وحيداً، إما أن يسقط النظام أو يستمر، أما الآن فالصورة إختلفت، لأن النظام يتغير، ويتغير جذرياً، ومن داخل النظام نفسه، كحتمية تاريخية، فلم تعد المعارضة الإيرانية، في الداخل والخارج تنتظر إنقلاباً عسكرياً، وحتى نجل الشاه رضا بهلوي، قال أنه مستعد للعودة والمشاركة في أي إنتخابات والقبول بخيار الشعب، لأن نهاية النظام (ليس سقوطه) باتت حتمية، فهو ليس فقط غير منسجم مع محيطة الإقليمي والدولي، بل حتى مع ذاته، وأيضاً ليس في أوساط الشعب وحسب، إنما في مجموعاته الخاصة.

من جديد تثبت الدكتاتورية مدى هشاشتها، عندما إرتبكت بصورة هستيرية، وصارت تقتل كل من في طريقها من أجل الإحتفاظ بالسلطة، بعد ما قال الشعب الإيراني كلمته بأنه يريد الحاكمية للشعب، دفاعاً عن حريته كما تفعل الجمهوريات الحقيقية، وليس حاكمية ولاية الفقية المستبدة، كما يحصل في الجمهورية الإسلامية المزورة.

عبد الله محمد العتيبي - كاتب وصحفي كويتي.

font change