مَن يمكنه منع إيران من امتلاك سلاح نووي؟

مَن يمكنه منع إيران من امتلاك سلاح نووي؟

[escenic_image id="555809"]

هل لا يزال توقيف التسلح النووي الإيراني ممكناً؟ كيف؟ ومن يمكنه فعل ذلك؟ إلى أين وصلت إيران في أبحاثها النووية العسكرية؟ وهل هي على وشك صنع سلاح نووي، أم انها صنّعته فعلياً ؟ وبالتالي هل هي الآن "دولة نووبة " ؟

نعم ، "إيران حالياً على وشك  امتلاك سلاح نووي- أو هي في حالة الحيازة الفعلية لذلك السلاح -  نتيجة التقدّم المنجز في برنامجها النووي"، هذا ما يعلنه تقرير صدر مؤخراً في العاصمة الأميركية عن "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى".

محذراً إن ذلك السلاح سيسبب "سلسلة من عدم الاستقرار في الخليج ، في الشرق الأوسط ، وفي العالم كلّه". منع سلسلة من عدم الاستقرار: التعاطي الأمريكي لوقف التقدم النووي الإيراني هو عنوان التقرير النهائي لـ "فريق العمل الرئاسي حول الانتشار النووي الإيراني والأمن الإقليمي وسياسة الولايات المتحدة". هذا الفريق - مجموعة تفكير - الذي أنشأه معهد واشنطن المذكور يضم نخبة من الخبراء الإستراتيجيين الأميركيين رفيعي المستوى ومن الدبلوماسيين والمشرّعين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. عملوا هؤلاء معاً لمدّة سنة تقريباً لإصدار هذا التقرير.

وفي ختام عمله، رفع هذا الفريق توصية واحدة وعاجلة جداً الى إدارة اوباما بـ "التحرك فوراً لمنع تحوّل إيران الى قوّة نووية.لان في ذلك مصلحة قومية (أميركية) حيوية". وذلك بعد أنً أشار التقرير إلى أنّ «في يد النظام في طهران، سلاحاً نووياً حقيقياً أو القدرة على إنتاج سلاح نووي في وقت قصير».

خلاصات هذا التقرير تتناقض مع ما ذهب اليه تقرير أميركي آخر صدر عن "مجلس الاستخبارات القومية" الأميركية في ديسمبر - كانون الاول 2007 . والذي أعلن يومها  أن إيران قد أوقفت النشاطات النووية العسكرية عام 2003 . وبالتالي "لا يوجد خطر عاجل، لان ايران لا تمتلك حجماً كافياً من المواد النووية يُـتيح لها تصنيع سلاح نووي".

القول بأن معهد واشنطن - ناشر التقرير-  هو مركز أبحاث "يميني ، محافظ ، وقريب من إسرائيل" هو قول صحيح، لكنه لا ينفي أهمية عمل فريق الخبراء الذي أعدّ التقرير استنادا الى معطيات تقنية وعسكرية لا سياسية فقط. وبالتالي فان الإدعاء بيمينية المعهد المذكور لا يلغي الخطر النووي الإيراني.

أوباما الذي أعلن مراراً استحالة التعايش بأمان مع إيران نووية، يحاول رسم إستراتيجية جديدة للتعامل مع نظام الملالي في طهران. خوف البعض – في أميركا  كما في العالم العربي- من أن ترضخ إدارة اوباما للضغط الكبير الناتج عن نشاط إيران التخريبي من فلسطين الى أفغانستان مروراً بالعراق. فترضخ الإدارة الأميركية للأمر الواقع المتمثل بالقبول بإيران نووية والاعتراف بتفوقها الإقليمي وبدورها في الخليج العربي والشرق الأوسط والعالم. مقابل أن يكون هذا الدور الإيراني المتنامي "إيجابياً ومساعداً" للمساعي الأميركية الهادفة الى استقرار المنطقة.

يعارض تقرير - معهد واشنطن-  هذا التوجه ، متبنياً نقيضه حين يعلن أن «وجود إيران على الحافة النووية يمكن أن يؤدّي إلى تعاظم المخاوف بين دول الخليج العربية من التخريب والفوضى في المنطقة العربية، وخصوصاً في ظل الانقسام السني ـــــ الشيعي، واحتمال وقف تدفق النفط إلى الأسواق العالمية». لذلك - يضيف التقرير- أنه من "دون وجود قيادة أميركية قوية، فإن الدول في الشرق الأوسط قد تتعايش مع إيران أو تهاجمها أو تحاول الحصول على قدرات نووية مماثلة". لذلك ، وبحسب التقرير، فإن الوقت قد حان للولايات المتحدة للترويج لسياسة «المقاومة والردع»، بدلاً من «الإذعان والردع»، بين أعضاء المجتمع الدولي بهدف منع إيران من تطوير أسلحة نووية. وأوضح التقرير أنه إذا «فشل الحوار (مع ايران) في التوصّل إلى اتفاق، فلا بدّ من تبنّي إستراتيجية تقوم على تشديد العقوبات الاقتصادية وممارسة ضغط سياسي دولي على إيران».

إذن إيران النووية ستكون المصدر الرئيسي لعدم استقرار الشرق الأوسط والخليج ومن شأن ذلك أن يخلق العديد من المشاكل لواشنطن. إيران النووية يمكن ان تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، الأمن الإقليمي والجهود العالمية لحظر الانتشار النووي، إدارة أوباما عليها - بحسب التقرير- ان تنمي سياساتها وتتخذ إجراءات حازمة لزيادة الضغط الدبلوماسي على القيادة الإيرانية، بما في ذلك الحوافز، كذلك على واشنطن أن تحشد الحلفاء في المجتمع الدولي لزيادة نفوذها التفاوضي، بهدف منع إيران من امتلاك السلاح النووي، لان ذلك الهدف يعتبر أحد أهم الأولويات القومية الراهنة للولايات المتحدة الأميركية.

يجب أن تنجح إدارة أوباما - بحسب التقرير- في منع بروز إيران كقوة نووية عسكرية، لا يدعو التقرير واشنطن لاستعمال القوة العسكرية مع إيران، لكنه دعاها إلى " تعزيز التعاون الإقليمي في مجال الدفاع" كواحد من عدّة إجراءات سريعة عليها اتخاذها، مما فسّره بعض المتابعين في واشنطن بأنه دعوة لزيادة التنسيق مع إسرائيل في الملف الإيراني.

 ركّز التقرير على الخطر الإيراني على المنطقة بكاملها ، وليس على لإسرائيل وحدها، ما لم يذكره التقرير علناً بشأن إشراك إسرائيل في الحلّ المنشود، أضافته نانسي سودربرغ  السفيرة الأميركية المتقاعدة وعضو فريق العمل الذي أعدّ التقرير، تقول السيدة سودربرغ: " إن التهديد الأكثر وضوحاً وفوريةً بالنسبة لإسرائيل، هو احتمال حصول إيران على الأسلحة النووية، لا سيما إذا قامت إيران بتثبيت نظام دفاع جوي مناسب أو اتخاذ المزيد من الخطوات لإخفاء قدراتها، وسوف تعجّل هذه السيناريوهات بصورة كبيرة جدول إسرائيل الزمني من أجل القيام "بعمل ما" واتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة"، سودربرغ تعلن بأن الولايات المتحدة  "فقدت القدرة على تخويف خصومها في الشرق الأوسط"، لذلك "يتعين على الولايات المتحدة أن تنظر في تزويد إسرائيل بقدرة أكبر للقيام بضربة لتخفيف الضغط عليها، في حال قيامها بضرب إيران قبل أن تقوم الأخيرة باقتناء نظام دفاع جوي متقدم من روسيا، وتولي إسرائيل أهمية قصوى من ناحية حرية تصرفها حسب جدولها الزمني، وتطوير خياراتها العسكرية، فإسرائيل ليست مهتمة بالحصول على مظلة نووية أمريكية لردع أي هجوم نووي إيراني".

باتريك كلاوسون ، نائب مدير الأبحاث في معهد واشنطن وأحد منظمي الفريق الذي أعدّ التقرير، يعتبر "أن التركيز بصورة فردية على الخطر الذي تمثله إيران على إسرائيل يحجب المخاطر العميقة الأخرى التي يشكلها برنامج طهران النووي، فإيران المسلحة نووياً ستكون خطراً، ليس فقط على إسرائيل، بل على جيرانها من الدول العربية وعلى المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة".

والبارز أيضاً أن أحد كتّاب التقرير الجنرال الأميركي المتقاعد  والخبير الإستراتيجي المعروف يوجين هابيغر  دعا واشنطن الى  "استخدام إستراتيجية الردع لمنع سلسلة من عدم الاستقرار، الناجمة عن التقدم النووي الإيراني". لذلك على إدارة أوباما – برأي هابيغر - ان تطمئن حلفائها وأصدقائها في المنطقة (الشرق الأوسط والخليج)عبر " تمديد المظلة النووية الأمريكية الى المنطقة، ليس بالضرورة أن تقوم واشنطن بنشر أسلحة نووية في هذه المنطقة للحفاظ على مظلتها".

وليام شنايدر، أحد كتّاب التقرير، ونائب وزير الخارجية سابقاً في عهد رونالد ريغان، يشدد على أن عدم شعبية النظام الإيراني ،داخلياً وعربياً ودولياً، يشكّل فرصة جديدة للولايات للضغط الدبلوماسي على قادة النظام الإيراني، يشجّع شنايدر واشنطن على " تشديد العقوبات الاقتصادية والمالية، بما فيها تلك التي تعرض للخطر قدرة إيران على تصدير النفط واستيراد المنتجات النفطية المكررة".

ويضيف "إن موقف الولايات المتحدة الاستراتيجي تجاه إيران يتيح لواشنطن تأثير دبلوماسي أكبر بكثير من الدور الذي لعبته في السابق، فعلى سبيل المثال، وعلى الصعيد الدبلوماسي، يمكن استخدام الوجود العسكري الأمريكي الكبير في المنطقة بحيث يحقق فائدة كبيرة، وقد توفر الفترة التي أعقبت انتخاب الرئيس أوباما وقبل الانتخابات الإيرانية في حزيران/يونيو القادم فرصة جيدة بصورة خاصة لتعزيز دور واشنطن"، ويختم شنايدر داعياً حكومته الى "استغلال الجزر (الاندماج في المجتمع الدولي وإنهاء العقوبات المتعددة الأطراف)، وكذلك العصي (عقوبات أشد ضد طهران) .لان يمكن أن يؤثر تأثيراً ايجابياً على المحيط خلال الفترة التي تسبق الانتخابات الإيرانية".

على الرغم من أن تزايد التهديد الإيراني يشكل مشكلة كبيرة، إلا أنه يوفر "فرصة مثالية" برأي السفيرة المتقاعدة سودربرغ "للعمل مع الدول العربية بشأن مجموعة من القضايا المشتركة، بدءاً من مكافحة الإرهاب والقرصنة وانتهاءا بأمن الخليج والعراق". يجب على الولايات المتحدة أن "تعزز التعاون بين دول الخليج وتؤكد التزامات الدفاع الأميركية في الشرق الأوسط ". ومن شأن ذلك كله أن "يساعد في التعامل مع مشكلة إيران" بحسب السفيرة سودربرغ.

تتجاوز مخاوف دول الخليج العربية من إيران المسألة النووية إلى القضية الأكبر، وهي الهيمنة الإقليمية الفارسية على الخليج العربي والشرق الأوسط كلّه، كما أن الدول العربية قلقة من قيام إيران باستخدام وكلاء (مثل حزب الله وحماس) للسيطرة على المنطقة.

إلى اليوم، لم تسمح الولايات المتحدة الأميركية بأن تمتلك أية دولة عربية سلاحاً نووياً، وذلك حفاظاً على تفوّق إسرائيل العسكري في المنطقة، واليوم على واشنطن أن تمنع "سيادة إيران الإقليمية" على منطقة لا تتحمل "حكم ولاية الفقيه"، كما قال لي أحد المسؤولين الأميركيين الذي لا يرغب الآن بالتحدث العلني في هذا الموضوع

font change