نتنياهو: ردود سلبية لرسائل دمشق الإيجابية

نتنياهو: ردود سلبية لرسائل دمشق الإيجابية

[escenic_image id="554989"]

كشفت الأحداث أن اللقاء الأول الذي طال انتظاره، لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتناهو مع الرئيس أوباما في منتصف مايو كان أقل إثارة مما هو متوقع. وبينما اعتقد كثير من المحللين أن اللقاء سوف يتمخض عن مزيد من التحديد لبرنامج السلام الذي تطرحه الإدارة الأمريكية الجديدة وتوجيه الإسرائيليين بشكل أكثر حدة نحو طاولة المفاوضات، فقد جاءت النتائج محاطة بالغموض.

فلم يتمكن أوباما تماما من الضغط على نتنياهو من أجل تأييد حل الدولتين. وبالمثل، لم يوفق نتنياهو في الربط بين أي من الحلول المطروحة وكبح طموحات إيران النووية. وبينما سيطر الشأن الفلسطيني والشأن الإيراني على المحادثات، فقد برز بوضوح غياب المسألة الهامة المتعلقة بالمفاوضات الإسرائيلية السورية عن المؤتمر الصحفي الذي عقده الزعيمان عقب المحادثات.

وبينما اقترح البعض في واشنطون في بادئ الأمر أن المسار السوري يحمل إمكانية أن يكون هو أكثر المسارات وضوحا وقابلية للتوسط بشأنه، فإنه يبدو أن الحافز فيما يتعلق بهذه المسألة قد تقلص في الأشهر الأخيرة، وفي حقيقة الأمر فإن تصريحات نتنياهو قبل رحلته إلى الولايات المتحدة توحي بأنه قد استبعد بالفعل إعادة مرتفعات الجولان للسوريين وهو المطلب الرئيسي لسوريا كشرط لبدء مفاوضات السلام. ومن على السطح، يرى المحللون أن المسار السوري هو أيسر النزاعات الإسرائيلية التي يمكن لإسرائيل التصدي لحلها، فمنذ زمن طويل أعلنت دمشق عن استعدادها لقبول صفقة الأرض مقابل السلام التي يتم بموجبها إعادة مرتفعات الجولان إلى حوزة سوريا مقابل اتفاق سلام شامل.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن احتكار حزب البعث للسلطة والسلاح في سوريا يجعل منه شريكا تفاوضيا أقل وعورة من الفصائل الممزقة على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية. وبخلاف ما هو الحال عليه في الضفة الغربية، يثور جدل أقل حول تمكن إسرائيل من إخلاء مستوطناتها في الجولان.فبينما تعد الأراضي الفلسطينية حاليا موئلا لما يزيد عن 450 ألف مستوطن، فإن عدد المستوطنين الذين تؤويهم الجولان لا يكاد يزيد عن 18.000 مستوطن يتوقع الكثيرون إمكانية إقناعهم بمغادرة مستوطناتهم بصورة تفوق بكثير أترابهم الذين يعيشون في الجنوب وتحدوهم دوافع دينية بشكل أكبر بكثير، ومع إعلان دمشق في غضون أسابيع من انتخاب نتنياهو عن استعداد السوريين لفتح المحادثات، ومع العلم بأن ثمة اتصال غير مباشر قد تم بالفعل من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، فإن التوقعات بحدوث تقدم على المسار السوري قد بدت محتملة.

إذا فلماذا بدا نتنياهو وقد وأد المفاوضات في مهدها من خلال رفضه النظر في طلب سوريا المبدئي؟ ثمة أسباب عديدة مرشحة لذلك. بادئ ذي بدأ،فبخلاف مفاوضين سابقين من أمثال إيهود باراك أو أولمرت، فإن لدى نتنياهو رصيدا سياسيا طالما استثمره في التمسك بالجولان كجزء لا يتجزأ من إسرائيل، وحينما كان رئيسا للوزراء في الفترة من عام 1996 حتى 1999 فقد تبنى شعار"اللاءات الثلاثة": لا للتخلي عن الجولان، لا لتقسيم القدس ولا للمفاوضات وفقا لشروط مسبقة"-مما يعكس أنه كان يعد الجولان في مرتبة بين الأراضي التي تحتلها إسرائيل لا تقل عن القدس.

وبالمثل، وعلى سبيل المعارضة لخط السابقين عليه، فقد كان من أشد المؤيدين لإصدار الكنيست قانونا جديدا في عام 2008 يدعو إلى إجراء استفتاء قبل إقدام أي حكومة على رد الإقليم لسوريا. وكإشارة رمزية إلى هذا الموقف الراسخ من جانبه، افتتح بيبي حملته الانتخابية في عام 2009 بغرس شجرة فوق مرتفعات الجولان المحتلة.

تشير عدة عوامل أخرى إلى رغبة الحكومة الجديدة في تجنب المفاوضات السورية. ويرجع الأمر لشيء واحد وهو معارضة شركاء ائتلاف الليكود التنازل عن الأراضي. وقد  قال مؤخرا زعيم حزب (إسرائيل بيتنا) افيجدور ليبرمان انه ليس  لديه مشكلة في التفاوض مع سوريا، طالما أنها أسقطت عودة الجولان باعتبارها مطلبا أساسيا.

وبالمثل، فإن تصميم بشار الأسد المعلن على الحفاظ على تحالفه مع إيران، بالرغم من التوصل إلى اتفاق محتمل مع إسرائيل يضع نتنياهو أمام احتمال غير مريح بتسليم الأراضي إلى حليف عدوه الرئيسي. بالإضافة إلى ذلك، فقد تساءل رئيس الوزراء الجديد علنا عما إذا كانت سوريا ستحترم أي اتفاق وأعلن أن "البقاء في الجولان سيضمن لإسرائيل ميزة إستراتيجية في حالات الصراع العسكري مع سوريا". وأخيرا، كما أشار الخبير في الشؤون السورية جوشوا لانديس، قد يكون الأمر ببساطة هو أن نتنياهو يتجنب التعامل مع الجبهة السورية لأنها واضحة جدا، وفي حين أن التعقيدات العديدة التي تحيط بوضع الضفة الغربية تسمح بتأخيرات عديدة بحيث قد تفيد المماطلة في تمكين إسرائيل من التقليل من مساحة الأراضي التي تتنازل عنها،  فإن  الجولان تعد  قضية مفروغا منها بشكل أكبر.

 ولهذا يبدو مصير المفاوضات بين سوريا وإسرائيل في يد باراك أوباما ومدى تمكنه من إقناع أو إرغام نتنياهو على تغيير موقفه بشأن الجولان. ورغم أن غياب هذا الموضوع عن جدول أعمال واشنطن يعد ضربة لمن يأملون في استئناف سريع للمحادثات، فإن البوادر تظل واعدة. فقد  أشاد الرئيس الأميركي بمبادرة السلام العربية والتي بمقتضاها تعترف كل الدول العربية بإسرائيل إذا عادت إلى حدود ما قبل عام 1967، بما فيها إخلاء الجولان. وبعد لقائه مع الرئيس الأميركي في مارس، أكد العاهل الأردني الملك عبد الله هذا الموقف من خلال حديثه عن تبنى أمريكا لحل الدول الـ '57'، والذي ينطوي على قبول جميع الدول الإسلامية للدولة اليهودية إذا تخلت عن الأراضي المحتلة. وفى تصريح لصحيفة التايمز في مطلع مايو، تحدث عبد الله عن اتخاذ البيت الأبيض 'نهجا إقليميا' والذي بمقتضاه يجلس السوريون واللبنانيون أيضا إلى طاولة المفاوضات, وليس الفلسطينيون فقط.

ومع ذلك فإن تفضيل أوباما للنهج متعدد الأطراف لا يعارض فقط ما يفضله نتنياهو, ولكنه يعارض أيضا سوابق إسرائيل الماضية. ففيما عدا مؤتمر مدريد في عام 1991، والذي اضطر جورج بوش إلى جر اسحق شامير إليه بتهديده بحجب المساعدات،  فان إسرائيل فضلت دوما التعامل مع الدول العربية على المستوى الثنائي.

وقد كفل لهم هذا عدم المواجهة مع أي جبهة مجتمعة من المفاوضين الأقوياء في الماضي، وسمح ذلك بتطبيق إستراتيجية "فرق تسد". ولا يشير شيء من  أعمال نتنياهو السابقة إلى انه سيخالف هذا  التقليد بالموافقة على خطة متعددة الأطراف وأخذ زمام المبادرة في المفاوضات. كما يشير سلوكه في واشنطن إلى أنه بدلاً من ذلك سوف يحاول المناورة حول مطالب أوباما و اللعب بحرص بأوراقه للمساومة على ضمان  أقصى قدر من المكاسب. ووفقا لهذا السيناريو، يعتمد مستقبل المفاوضات بين سوريا وإسرائيل على عاملين.

أولاً، مدى الأهمية التي ينظر بها بيبي إلى الجولان مقارنة بأولوياته الأخرى المتمثلة في نزع سلاح إيران، والاحتفاظ بالقدس الشرقية والمستوطنات. وثانياً، إلى أي مدى يرغب باراك اوباما في دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي لتحقيق سلام متعدد الأطراف؟

كريس فيليبس - باحث في مركز السياسة الخارجية _لندن وصاحب عمود عن سياسات  الشرق الأوسط بجريده لجارديان الإلكترونية

font change