إيران: أزمة الهوية مع جيرانها، ومشاريع جغرافية توسعية

إيران: أزمة الهوية مع جيرانها، ومشاريع جغرافية توسعية

[escenic_image id="555724"]

ما هدف إيران بالضبط في منطقة الخليج؟ فبعض جيرانها يخشون أن يكون لديها رغبة في فرض سيطرتها على المنطقة. ويعزز هذا الشعور التصريحات العديدة التي تطلقها طهران ومنها ما صدر مؤخراً عن مستشار مقرب من القائد الأعلى علي خامنئي حيث قال إن البحرين هي المحافظة الرابعة عشرة من الجمهورية الإيرانية. وهذا التصريح المخيف يذكرنا بادعاء صدام حسين أن الكويت هي المحافظة التاسعة عشرة من العراق. وقد عايشنا ما جرنا إليه هذا الادعاء.

مثل هذا الكلام الموجه على وجه الخصوص لدول ذات أقلية شيعية كبيرة مثل البحرين لا يفيد بشيء يذكر في تحسين العلاقات بين إيران والدول العربية المجاورة لها كما أنه لا يهدئ مشاعر الخوف لدى بعض دول المنطقة خصوصاً بالنسبة للدول الأصغر التي لا تتمتع بنظام دفاعي جيد؛ وهو الأمر الذي ينطبق على معظم دول الخليج باستثناء المملكة العربية السعودية.

في الواقع، هذا الحدث جعل المغرب تسحب سفيرها من طهران وسارعت الدول العربية الأخرى مثل مصر والمملكة العربية السعودية والأردن بالدفاع عن مملكة البحرين. وقد طمأن قادة تلك الدول الثلاث ملك البحرين وأعربوا عن دعمهم له. والشيء المزعج للغاية هو أن مملكة البحرين ضئيلة بحيث لا تقارن بالقوات المسلحة الإيرانية العملاقة، وهذا يذكرنا بغزو العراق للكويت في عام 1990.

لكن هل يحمل هذا شيئاً جديداً بالفعل؟ وهل الخطر الإيراني بمثابة عامل جديد في السياسة والسياسات الخليجية؟ ألم تكن رغبة الإيرانيين بأن يتم الاعتراف بهم كأكبر قوة في المنطقة وأن يمتد نفوذهم خارج حدود أراضيهم عاملاً أساسياً وسمة ثابتة بغض النظر عمن يحكم طهران؟

ظلت إيران بمعزل دائما عن بقية دول الخليج بشكل أو بآخر. فهي دولة تتحدث اللغة الفارسية وتقع عند طرف عالم يتحدث العربية، وهى أمة ذات أغلبية شيعية في وسط عالم سني. ولهذا يمكن القول بأن إيران تعانى من أزمة هوية.

ربما يكون شعور إيران بأنها جماعة ذات أقلية هو الذي يدفع الإيرانيين لمحاولة فرض نفوذهم السياسي على باقي المنطقة، فربما يعتبرون هذا الأمر هو وسيلة بقائهم.

في الواقع، لم يكن الخوف من التوسع الإيراني في منطقة الخليج مجرد نتيجة للثورة الإسلامية بالرغم من أن رجال الدين في إيران كانوا أكثر نجاحاً في القيام بذلك مقارنة بالشاه. فهذا الخوف كان موجوداً بالفعل في أيام الشاه وفي أيام إيران الإمبريالية.

فحتى في عهد إيران الإمبريالية، كانت هناك ميزانية ضخمة يتم تخصيصها عادة للإنفاق العسكري حتى إذا أخذنا في الحسبان حجم الدولة وعدد سكانها. كان يشتبه في أن إيران؛ تلك الإمبراطورية، ذات الجيش الأكبر بكثير والمجهز والمدرب من جانب الولايات المتحدة، لديها مخططات استعمارية. ومع ذلك، ربما لأنه كانت لإيران علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، في عهد الشاه، كان هناك اعتقاد بأن واشنطن يمكن أن تمارس الضغط على الإمبراطور صاحب الجلالة وتحافظ على انضباط طهران. 

وبطبيعة الحال مع مجيء الثورة الإسلامية، تغير كل هذا. لكن أي تغيير؟ ربما يكون من أكثر التغييرات خطورة على باقي منطقة الخليج، فقدان واشنطن نفوذها لدى طهران، والذي يمكن ترجمته عمليا إلى ارتياب باقي دول المنطقة في إيران كما حدث مع البحرين. ولكن تخطيط إيران للبقاء بوصفها القوة المهيمنة في المنطقة أصبح أكبر بكثير من أي وقت مضى، ومع ذلك فإنه بالرغم من جهودها المضنية، ظلت نجاحات الجمهورية الإسلامية قاصرة على تأثيرها على حزب الله اللبناني وعلاقاتها بحركة حماس.

سوف يزعم الكثيرون بأن مخططات إيران بشأن منطقة الخليج اليوم تمثل تهديداً أكبر، لأنه على عكس الشاه الذي لم يحاسبه أحد إلا نفسه (وضغط الولايات المتحدة)، تقود الجمهورية الإسلامية حالياً الحمية الإسلامية.

وعلاوة على ذلك، فإن الثورة الإيرانية، مثلها مثل أي ثورة أخرى تحتاج من أجل البقاء إلى أن تظل دائماً في حالة ثورية مستمرة، وإلا تخاطر بزوالها. إنها في حاجة دائمة إلى اختراع أعداء لنفسها للحفاظ على استمرار هذه الحمية الثورية، وهذا هو السبب في أن إيران -الدولة التي اعتادت أن يكون لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل - قد اختارت القضية الفلسطينية ذريعة لها، ولعل هذا يعطي تفسيراً للتصريحات العدائية الكثيرة الموجهة إلى إسرائيل والقادمة من طهران.

ويفسر هذا أيضا تصريحات أحمدي نجاد الصاخبة ضد إسرائيل والولايات المتحدة. وفي نفس الوقت الذي يُنظر فيه لإيران على أنها تمثل تهديداً، تشعر إيران كما لو كانت مهددة من قبل الدول المحيطة بها ومن إسرائيل والولايات المتحدة. وقرار طهران المثير للجدل بالحصول على أسلحة نووية والذي يُنظر إليه على أنه بمثابة تهديد للمنطقة وما يحيط بها، تعتبره طهران بمثابة ضرورة للدفاع عن نفسها وهي رؤية عززها الغزو الأمريكي للعراق. فالجدل الدائر بين الكثير من المحللين السياسيين والذي يقره بالتأكيد ملالي إيران، يتمثل في أنه لو كان العراق يمتلك أسلحة نووية لكان من غير المرجح غزوه من قبل الولايات المتحدة.

font change