رئيس الوزراء الكويتي الشيخ ناصر المحمد الصباح

رئيس الوزراء الكويتي الشيخ ناصر المحمد الصباح

[escenic_image id="555712"]

حينما أعلن أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح اختياره ابن أخيه الشيخ ناصر المحمد الصباح رئيساً للحكومة الأولى بعهده في فبراير 2006، لم يكن قراره مستغرباً على كثيرين، إذ يعد الشيخ ناصر واحداً من أبرز رجال ظل العهد القديم، وتسميته في موقعه أتت لربط عهدي الشيخ صباح الجديد بسابقه الراحل الشيخ جابر الأحمد، بهدف إستكمال مسيرة إدارة البلاد.

وشغل الشيخ ناصر المحمد قبل رئاسته الحكومة منصب وزير الديوان الأميري منذ عام 1991، وهو موقع بروتوكولي يصل أمير البلاد بجميع الجهات والشخصيات المحلية والعالمية، وعبره يكون الإتصال من وبمكتب الأمير، وهو الدور الذي أجاد به الشيخ ناصر مستفيداً من خبرته الدبلوماسية خلال فترة عمله بالسلك الدبلوماسي الكويتي الممتدة بين 1964 – 1979، والتي تنقل فيها بين دول ومؤسسات عالمية.

ويبين الموقع الإلكتروني الرسمي لرئيس مجلس الوزراء أن الشيخ ناصر المحمد الأحمد الجابر الصباح من مواليد 1940 ميلادي ومتزوج وله ابنان (أحمد ويشغل منصب مدير إدارة مكتب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية، وصباح الذي يشغل منصب وكيل مساعد في الديوان الأميري لشؤون الأسرة الحاكمة)، ونال تعليمه العام في المملكة المتحدة عام 1959، والدبلوم العالي في اللغة الفرنسية عام 1960، ثم بكالوريوس السياسة والاقتصاد من جامعة جنيف بسويسرا عام 1964، ويجيد اللغات العربية، الفرنسية، الإنجليزية، وبعضاً من الفارسية.

أما خبراته العملية فقد بدأت في 15 أغسطس 1964 حينما انضم للعمل الدبلوماسي كسكرتير ثالث بوزارة الخارجية، ثم التحق بالوفد الدائم لدولة الكويت بمنظمة الأمم المتحدة بنيويورك في أكتوبر 1964، ثم انتقل للعمل في الديوان العام لوزارة الخارجية بيونيو 1965، قبل أن يسمى سفيراً فوق العادة ووزيراً مفوضاً بعد ذلك بستة شهور، ليكون أول مندوب دائم لدولة الكويت لدى المكتب الأوروبي لهيئة الأمم  المتحدة في جنيف.

 ويفتتح بعد ذلك خلال أبريل 1966 أول مبنى للمندوبية الدائمة في جنيف، فيتولى بعدها بشهرين مهمة أول قنصل عام لدولة الكويت لدى الاتحاد السويسري، لينتقل عقبها في أكتوبر 1968 إلى إيران سفيراً فوق العادة مفوضاً هناك، ثم يصبح بالإضافة إلى عمله في 1971 سفيراً محالاً لدى أفغانستان، ويتولى منصب عميد السلك الدبلوماسي في كل من إيران وأفغانستان خلال الفترة 1975- 1979، ليكون أصغر عميد للسلك الدبلوماسي في العالم وقتها، قبل أن ينتقل إلى الديوان العام لوزارة الخارجية بعد سقوط نظام الشاه في إيران، ويسمى بعدها وكيلا لوزارة الإعلام سنة 1985، ثم وزيرا للإعلام 1985 – 1988، ووزيراً للشؤون الاجتماعية والعمل 1988 – 1990، ووزير دولة للشؤون الخارجية من يونيو 1990 إلى إبريل 1991، ومنها يستقر وزيراً للديوان الأميري خلال الفترة الممتدة بين1991 – 2006، ليُنادى به رئيساً للحكومة في فبراير 2006 بموجب أمر أميري كلفه بتشكيل الوزارة الثانية والعشرين بتاريخ دولة الكويت، لتتوالى بعدها الأوامر الأميرية بتسميته رئيسا للحكومات المتعاقبة ووصولا إلى الوزارة الحالية التي تحمل الرقم 27 بتاريخ البلاد في 20 مايو 2009.

وخلال فترة الإحتلال العراقي على الكويت عام 1990، أشرف الشيخ ناصر المحمد على الإعلام الكويتي في الأشهر الأولى من الإحتلال، وقام بتشغيل أول إذاعة كويتية في المنفى في أغسطس من ذلك العام، وهو صاحب أول صوت كويتي من الإذاعة أيام الغزو أذاع عبارة "هنا الكويت" من إذاعة المنفى، قبل أن يقرر إصدار جريدة صوت الكويت اليومية الناطقة باسم الكويت.

ونال الشيخ ناصر المحمد خلال حياته المهنية أوسمة وأوشحة دولية منها وسام الإمبراطورية الفارسية من الدرجة الأولى من شاه إيران بنوفمبر 1968، وسام الفارس من عمدة باريس جاك شيراك 1984، وسام الأرجـنتين من الدرجة الأولى من رئيس الجمهورية كارلوس منعم في أغسطس 1993، وسام الفارس من الدرجة الأولى من رئيس السنغال عبده ديوف بأكتوبر 1994، شهادة تقدير من الدرجة الممتازة منظمة المؤتمر الإسلامي نوفمبر 1996، الوسام الأكبر من طبقة أسد فنلندا من رئيس جمهورية فنلندا مارتي اهتسارى في سبتمبر 1997، وسام الزنبقة الفضية من عميد مدينة فلورنس بإيطاليا بنوفمبر 2005، وسام جوقة الشرف برتبة ضابط كبير من الدرجة الأولى من رئيس جمهورية فرنسا جاك شيراك في سبتمبر 2006، وسام الإستحقاق من أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بيناير 2007، وسام الإتحاد من رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد بن سلطان آل نهيان بيناير 2007، الوسام الأكبر من نيشان الإستحقاق الوطني من رئيس جمهورية السنغال عبد الله واد في أبريل 2007، وسام الإستحقاق من الدرجة الأولى من رئيس جمهورية أندونيسيا سوسيلو بامبنج يوهو يونو بمايو 2007، كما حصل على نسخة من مفتاح مدينة تيرانا بجمهورية ألبانيا في ديسمبر 2007، ووشاح الإستحقاق المدني من العاهل الأسباني الملك خوان كارلوس الأول في مايو 2008، ونال ميدالية الرئيس من جامعة جورج واشنطن تكريماً لمسيرته في خدمة بلده و أبناء شعبه بسبتمبر 2008.

إلا أن خبرته الدبلوماسية يبدو أنها لم تخدمه بشكل كامل في تعاطيه مع العمل السياسي المحلي، خاصة في ظل وجود نواب بالبرلمان على غير وفاق مع الخط الإصلاحي الذي يحاول تركيزه من خلال تطيق القانون، فشهدت حكومته حالة من عدم الإستقرار إستقال بموجبها عدد من الوزراء، وتعرض عشرة وزراء لطلبات استجواب، ولم ينجو منها الشيخ ناصر المحمد نفسه حينما تعرض لأربعة إستجوابات، كما أهتزت العلاقة بين حكوماته المتعاقبة والبرلمان، وأودت في مراحل مختلفة إما إلى إستقالة الحكومة أو حل البرلمان والدعوة إلى إنتخابات مبكرة، فكان أن قابل حكوماته الست، ثلاثة برلمانات تشكلت خلال ثلاث سنوات، فيما يمتد عمر البرلمان بموجب الدستور إلى أربع سنوات.

وخاض الشيخ ناصر المحمد عدة معارك سياسية أبرزها تعديل الدوائر الإنتخابية التي أفضت إلى حل البرلمان في صيف 2006، والتي انتصر فيها نواب المعارضة على حساب النواب المقربين من الحكومة ثم مواجهة قطاعات حكومية إقتصادية لمجاميع مالية مؤثرة، أدت بدورها إلى إنخفاض مؤشرات تداول سوق المال ما انعكس على مداخيل الأسر متوسطة الدخل، وسحبت بعدها مشاريع "بي أو تي" من شركات عقارية، ثم إقرار البرلمان لمجموعة قوانين تكف يد عدد من أبناء الأسرة الحاكمة عن الرياضة الكويتية، ومواجهة نواب إسلاميين لعدد من الوزراء بينهم أبناء الأسرة الحاكمة، إلى جانب مطالبة عدد من النواب بفتح ملف مصروفات ديوان رئيس مجلس الوزراء الذي يعتقدون بوجود تجاوزات مالية فيه.

لكن رئيس الحكومة من جانبه يحسب له أنه استلم تركة ثقيلة من حكومات سابقة، وهذه بحد ذاتها تتطلب نمطاً معيناً من التعاطي، خاصة وأنها تتضمن إدارات متعددة للبلاد خلال فترات صعبة أبرزها الغزو العراقي وإعادة الإعمار، كما مرت الحكومات السابقة بأزمات مالية وسياسية عاصفة ألقت بظلالها على الأداء الحكومي من جهة، والعلاقة مع البرلمان ونوابه من جهة أخرى، ناهيك عن وجود صراع على مراكز قوى ومواقع نفوذ بين أطراف وأقطاب تدير معاركها وتصفي خصومها تحت قبة البرلمان أو من خلال الحكومة نفسها، فالعهد الجديد الذي دشنه الشيخ صباح الأحمد حينما تقلد مسند الإمارة في بدايات 2006، لا يزال حتى الآن في مرحلة مخاض، ويعمل على تأسيس نفسه، منطلقاً من رؤية مبنية على إستعادة ريادة الكويت في المنطقة على المستويين المالي والإستثماري، وهي المهمة التي يحاول رئيس الحكومة تركيز جهوده لإنجازها.

وبموجب خطابه الأخير أمام البرلمان، نهاية مايو الماضي اعترف رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد بأن "حالة الإرهاق السياسي التي شهدتها الساحة المحلية في الفترة الماضية لم تثمر إلا تراجعاً في جهود بناء الدولة العصرية التي ننشدها وحصادها أسفر عن تراكم هموم وأعباء وإستحقاقات مثقلة بالمخاطر إلى حد يتطلب منا جميعاً المزيد من العمل الجاد وروح الإيثار الوطني التي افتقدنا مظاهرها، ومن غير المفيد الآن أن نضيع الوقت في تحديد من يتحمل مسئولية هذه الحالة ولكن علينا الإسراع في تجاوز الخلافات وإحتواء الإختناقات والمعوقات بإعلاء شأن الحق في حسن إستعماله وتقويم الخطاب السياسي الذي انعكس سلباً على تجربتنا الديمقراطية وعلى ثوابتنا ووحدتنا الوطنية وعلى أمن ومستقبل البلاد واستقرارها وسبباً لتردي الجهود التنموية وتراجع بلدنا عن موقعها الريادي المتقدم في أكثر من مجال وميدان".

وعاد وأكد بأن "الإرهاق السياسي الذي حل بالبلاد في الآونة الأخيرة يلزم الجميع أن يكونوا على قدر المسؤولية لمواجهة مختلف التحديات بما يعزز الثقة، والأمل بأننا قادرون على حماية إنجازاتنا والإرتقاء إلى مستوى طموحات المواطنين، وتطلعاتهم نحو عيش كريم في وطن آمن مستقر وزاهر بحاضره ومستقبله".

ورغم تأكيد أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد في أكثر من مناسبة بأن اختيار وتسمية رئيس وزرائه هو حق دستوري أصيل له وحده، إلا أن هناك فريقاً من النواب دائماً ما يحملون رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد مسؤولية الإخفاقات المتكررة في الأداء العام وتردي مستوى الخدمات العامة، وهو الأمر الذي يؤدي في مراحل منه إلى تشابك خيوط اللعبة السياسية، في نفس الوقت الذي يحاول رئيس الحكومة معالجته، إلا أن تواتر الأحداث وتسارعها لا يترك له وفريقه فرصة للعمل، ما أدى إلى حدوث فراغ سياسي سيتعين عليه وحده سده، في مجتمع يركن حل كثير من قضاياه إلى الحكومة، وهو ما يعظم من دور الشيخ ناصر، الذي يسعى لتكريس مبادئ المساواة وتطبيق القانون على الكل، ويجاهد لإدارة البلاد من وجهة نظر الدبلوماسي الدمث أكثر منها السياسي صاحب الأجندة، ليكون قدره أن يحمل البلاد في قلبه أينما حل وارتحل، ومؤمناً بأن الكويت تستحق من الجميع العمل حتى وإن كان على حساب صحته شخصياً، فالمسؤوليات العظام لا تُوّلى إلا لرجال على حجمها، وقلة هم من يأتون على مقاييس الشيخ ناصر المحمد.

font change