رؤية طويلة الأمد لأسواق الأسهم العالمية

رؤية طويلة الأمد لأسواق الأسهم العالمية

[escenic_image id="554927"]

إذا نصحك صديق مقرب بشراء أسهم في شركة ما دون أن يعطيك أي تفاصيل أخرى، فإنه على إعتبار أنك مستثمر حاذق سوف تكتشف حقيقة هذه الشركة بشكل ما، بغض النظر عن ماهية هذا الصديق، خاصة في ظل تقلب السوق الحالي.

ولكن ماذا تفعل في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي، وهي منطقة تكتظ بالسيولة النقدية وإمكانات النمو، ولكن تنقصها الرقابة والمعلومات بشكل كبير؟ عندما تتأمل واقع هذه الأسواق، تجد أن الدلائل تشير إلى  أنه من الأفضل أن تشتري على لمدى الطويل، وليس القصير.

وتمثل الأسهم الخليجية فرصاً مميزة عن نظيراتها، فليس أمامها فحسب شوط كبير ينبغي أن تقطعه كي تلحق بالأسواق الناشئة، ولكن الإقتصاديات التي تستند عليها سوف تنطلق للأمام مع إنتعاش أسعار النفط. ولكن متى يكون الشراء؟

بالرغم من وجود دلائل مشجعة في الآونة الأخيرة، يبدو أن الرهان على المدى القصير تكتنفه مخاطرة كبيرة. فأولاً، هناك التراجع التقليدي في أسعار الأسهم خلال الصيف والذي قد يصبح أكثر حدة هذا العام، خاصة وأن رأس المال الأجنبي قد أغرق الأسواق الإقليمية في خضم النشاط العالمي الذي استمر مدة شهرين منذ أبريل. غير أن هذا الإزدهار يتراجع الآن مع زعزعة الحقيقة للأوهام وعدم القدرة على التنبؤ بالأرباح التي يمكن جنيها.

وقد قلصت أسواق الخليج بالفعل نحو نصف مكاسبها هذا العام في غضون أيام وسوف تكون عمليات المراجعة أكثر حدة بينما يتهاوى التفاؤل بالإنتعاش الإقليمي مع تواتر تقارير تفيد بأن اثنين من أكبر الكيانات الإقتصادية في المملكة العربية السعودية سوف يضطران لإعادة جدولة نحو 10 مليار دولار من الديون، مما يتسبب في سلسلة من الآثار المتتابعة في جميع دول مجلس التعاون الخليجي.

وتدل القضية الخاصة بمجموعة سعد وشركة أحمد حمد القصيبي وإخوانه على عدم وجود الرقابة والشفافية في المنطقة، حيث أنه ينبغي على الشركات التقدم والكشف عن كل مشكلاتها. وقد اعترفت الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان بالفعل عن أنهما أصبحتا معرضتين للمخاطر، وهو ما يعني أن نفس الأمر قد حدث في الأغلب للكويت والبحرين وربما قطر. وبالنسبة للمستثمرين، وخاصة الأموال الأجنبية، يعد هذا الأمر بادرة غير مرغوب فيها تزعزع الثقة في إدارةالشركات.

وقد هرعت الرياض للإنقاذ بإتخاذ تدابير قوية تهدف إلى تشجيع المصارف التجارية على منح المزيد من القروض، رغم أن ذلك قد لا يكون كافياً. كما يسلط هذا الأمر الضوء على الإفتقار إلى الشفافية في القطاع الخاص والإعتماد على سياسة  الحكومة في الإقتصاد الكلي.

وربما يكون أفضل ما يُحتج به على الرهان قصير الأمد في منطقة الخليج هو الإنتعاش الأخير للنفط في أسواق البضائع. وقد وصل سعر النفط مؤخراً إلى 70 دولاراً للبرميل، وهو لا يعكس أساسيات العرض والطلب العالمية على المدى الطويل. والأرجح أن تنخفض الأسعار مرة أخرى قليلاً لتتراوح ما بين 60 دولاراً و 70 دولاراً للبرميل لأنه من السابق لأوانه القول بأن الإقتصاد بلغ أدنى مستواه.

ومن المتوقع أيضاً أن يرتفع سعر الدولار وسوف يواصل مخزون الوقود والنفط بما يشمل الخليج إزالة تأثير أي إنتعاش يحدث في الأسعار. وبالنسبه لعقود النفط الآجلة غير التجارية فهي أبعد ما تكون عن إنتعاش الماضي. وسوف يتحقق هذا فقط بتخفيف الإلتزام بحصص إنتاج أوبك بينما ترتفع الأسعار، رغم أن دول مجلس التعاون الخليجي تظل كالعادة أكثر الدول إلتزاماً بالحصص.

ولا تنس ما ينساه كثير من الناس أن هذا أسوأ ركود عالمي يحدث خلال 80 عاماً. ولم ينقض ما يكفى من الوقت لقياس مدى فعالية جهود الحكومات في الإنعاش. ويبدو أن الأسهم العالمية تصحح إرتفاعها غير المبرر في الآونة الأخيرة وقد يكون من الضروري حدوث موجة ثانية من الإنتعاش.

وبوجه عام، من المرجح أن تزيد الأسواق الخليجية من حملتها التصحيحية خلال الربع الثالث من العام، ويمكنها أن تمحو مكاسب هذا العام كلياً. وربما لا يكون دعم الأسعار الضروري مضموناً حتى عام 2010، والذي لابد أن يكون مرتبطاً بأسعار النفط. وعندما تعود الرغبة في تقبل المخاطر عند نقطة ما وعندما تصعد الأسواق الإقليمية من القاع، فإن المستثمرين الأجانب الباحثين عن تحقيق مكاسب على المدى الطويل سوف يعودون بثقلهم. وإذا جاز التعبير فإن زيادة كمية الأسهم المتداولة، بالإضافة إلى المكاسب المستمرة، سوف تقرع جرس البدء.

تصيد الفرص

 
لقد حققت أسواق الأسهم الناشئة هذا العام زيادة تقدر بنحو 30% حتى الآن، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى الصين والهند والبرازيل وروسيا. قارن ذلك بإرتفاع  أقل من 10% في المؤشر الإقليمى العام لأبو ظبي، والذي يقل قليلاً عن مؤشر "تداول" في المملكة العربية السعودية وهو أكبر مؤشر لتداول الأسهم في دول مجلس التعاون الخليجي، بينما دخلت بورصة قطر في الدوحة منطقة الخطر بالفعل، ولكن لا تزال هناك دلائل أيضاً على أن إنتعاشاً قوياً ومستقراً سوف يعقب ذلك.

وقد وافقت المملكة العربية السعودية مؤخراً على تداول سندات الدين؛ وأخذت شركة يورونكست التابعة لبورصة نيويورك نسبة أسهم تقدر بـ 20% من بورصة قطر المعدلة. وسوف تدرج الكويت المشتقات في بورصتها واختارت مجموعة "ناسداك OMX" لتطوير نظامها التجاري. وتقوم الكويت بالفعل بتبادل الأسهم الآجلة والخيارات، ويخطط مؤشر ناسداك دبي، وسوق أبو ظبي للأوراق المالية وسوق الدوحة للأوراق المالية لإدخال برامج المشتقات.

وبالإضافة إلى ذلك، تظهر الدراسات الأخيرة أن الثقة في قطاع الإعمال قد إرتفعت في الربع الثاني؛ وتمكنت العديد من الشركات والبلدان من بيع سندات بنجاح أو تخطط للقيام بذلك. ويوفر التدخل النشط للحكومات في مختلف أنحاء المنطقةدعماً هناك حاجة ماسة إليه.

 وبأخذ هذه العوامل مجتمعة في الحسبان، يعني ذلك أن المستثمر الأجنبي والمحلي يثق بهذا في حين أن مستوى الشفافية ليس مكتملاً تماماً وسوف تتحسن الأمور نتيجة المبادرات التي تعززها السياسة.

ورغم أن التوقعات تشير بإنكماش أكبر إقتصاديين في المنطقة وهما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية هذا العام، إلا أن التكهنات تشير إلى إنتعاش واسع في النمو في عام 2010 نتيجة لأسعار النفط والتي قد تصل إلى 75 دولاراً للبرميل في المتوسط، إن لم يكن أعلى من ذلك، ويعتمد هذا على مدى سرعة أداء برامج تحفيز الإقتصاد.

ويعني ذلك أن الإنخفاضات التي ربما سنصل إليها هذا الصيف والمشابهة لتلك التي حدثت قبل خمس سنوات، عندما كان التبادل التجاري محدوداً وكان مستوى الشفافية أسوأ من ذلك، هي بمثابة حجة دامغة تدعم فكرة الشراء على المدى الطويل، وخاصة أن الإنتعاش الإقليمي سوف يكون مرهوناً بالإصلاحات الإقتصادية وتنظيم السوق، الأمر الذي من شأنه أن يعزز الثقة.

وكما هو متوقع في أي مكان من العالم، سوف تكشف هذه الأزمة عن أكثر العناصر تأثيراً على السوق وتتحرك الحكومات بالفعل لتنويع المصادر من أجل جذب المزيد من الإستثمارات الأجنبية اللازمة لتحقيق الإستقرار في إقتصادياتها. ويحمل هذا أنباء طيبة فقط لمن هم على إستعداد لإنتظار عودة النمو العالمي، وإرتفاع حتمي لأسعار النفط، ومكاسب هائلة في بورصات دول مجلس التعاون الخليجي.

أندريس كالا- صحفي مستقل مقيم بمدريد ومتخصص في العلوم السياسية في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، فضلاً عن قضايا الطاقة العالمية. ويكتب بشكل منتظم في صحيفة "نيويورك تايمز".

font change