التقارب مع إيران : دروس مستفادة من الماضي

التقارب مع إيران : دروس مستفادة من الماضي

[escenic_image id="556023"]

معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

مايو 2009

يتناول التقرير السياسي الذي يحمل عنوان "التقارب مع إيران: دروس مستفادة من الماضي" العقبات المختلفة التي ستضطر إدارة أوباما إلى مواجهتها عند تنفيذ سياستها المتعلقة بالتقارب مع إيران. حيث يركز التقرير بشكل خاص على سياسات الغرب في إيران، و بشكل أكثر تحديداً، على جوانب تلك السياسات التي حدت من نجاحها. كما يتناول التقرير عدداً كبيراً من القضايا التي تتعلق بتأثير السياسة الداخلية وتأثير المبادئ المتناقضة للسياسة الخارجية الأميركية، بالإضافة إلى المصالح السياسية والإقتصادية للبلدان الغربية الأخرى مع إيران. وبالرغم من أن التقرير يتحدث بشكل موسع عن مسألة التقارب مع إيران، إلا أن أهدافه محدودة. حيث يوضح التقرير بشكل دقيق أنه لا يهدف إلى "تقديم المشورة لإدارة أوباما و لكنه يهدف إلى فهم الماضي بشكل أفضل لوضع أساس لصنع السياسات على نحو أفضل في المستقبل". ولكن بالمقارنة مع غيره من التقارير السياسية التي قامت بها منظمات مماثلة، لا يقدم التقرير توصيات سياسية محددة لإدارة أوباما. ونتيجة لذلك، تتسم وجهات النظر المختلفة لكل مقال من مقالات التقرير في بعض الأحيان بالتناقض، بالرغم من أن التقرير يعرض تطور العلاقات الأميركية الإيرانية بطريقة واضحة. حيث يختلف ترتيب الأولويات الخاصة بالمشاكل المتعلقة بمناهج التقارب السابقة من مقال إلى آخر. ولكن نظراً لأن هذه ليست هي أهداف التقرير ينبغي الإشادة بالنتائج التي توصل إليها التقرير لقدرتها على التوصل إلى الأسباب المختلفة التي أدت إلى فشل محاولات التقارب السابقة، بالإضافة إلى قدرة التقرير على طرح القضايا المختلفة التي سيتعين على إدارة أوباما التفكير فيها من أجل تحديد أولويات السياسة الخارجية مع إيران.

تحديد أهداف التقارب

يطرح لابسون من خلال واحدة من أكثر مقالات التقرير تنويراً سؤالاً في غاية الأهمية حول ما إذا كان تقارب الولايات المتحدة مع إيران هو هدف إستراتيجي أم وسيلة لتحقيق أهداف سياسية محددة، مثل تعطيل أنشطة إيران النووية. ويشير لابسون أيضاً إلى أنه في حين تبنى معظم العلاقات الدبلوماسية على أساس أهداف محددة، إلا أنه في حالة العلاقات التاريخية المتوترة بين الولايات المتحدة وإيران، قد يصبح التقارب هدفاً مهماً في حد ذاته. وعلاوة على ذلك، ينجح التقرير ببراعة في توضيح مدى تأثير إجابة هذا السؤال على توقعات الولايات المتحدة بشأن التقارب مع إيران أو بمعنى آخر إلى متى ستعتمد العلاقة الجديدة على إتخاذ الولايات المتحدة للخطوة الأولى التي تهدف إلى تعزيز بناء الثقة أو على نحو آخر ما إذا كان ينبغي أن تعتمد العلاقة الجديدة على حدوث تقدم ملموس على الأصعدة المختلفة التي تعتبر محل خلاف بين البلدين، بما في ذلك الصراع العربي الإسرائيلي، وقضية تطوير الترسانة النووية الإيرانية.

وبالرغم من تسليط المقالة الضوء على هذه الأسئلة مبرزة أهمية أن يكون لدى إدارة أوباما سياسة خارجية ثابتة، إلا أن التقرير يترك هذه الأسئلة بلا إجابة بالرغم من إحتوائه على العديد من المقالات المختلفة التي تؤكد على ضرورة إستخدام تكتيكات مختلفة. ولكن هذا لا يعنى بالضرورة أن التقرير قد أخفق في هذه الناحية، خاصة إذا ما أخذنا في الإعتبار أهداف التقرير المعلنة والتي تتمحور حول إستخلاص الدروس والعبر من التاريخ. إلا أن هذا من ناحية أخرى يوضح حدود هذا النهج في إستخلاص دروس واضحة حيث لابد من القيام بإعادة تقييم يومي للسياسات الداخلية الإيرانية و معرفة قدرة الولايات المتحدة على إستغلال أي إنفراجة على الصعيد الإيراني من أجل بناء علاقة بين الولايات المتحدة وإيران على أساس أهداف أكثر شمولية أو قضايا محددة.

ولكن الرسالة التي يوضحها التقرير، وهي نفسها تلك التي تردد صداها عبر العديد من المؤلفات الأخرى التي تدور حول قضية التقارب مع إيران، تفيد بأنه لم تتح الفرصة بعد لعقد تسوية شاملة لحسم كل القضايا المعلقة والتي تعد السبب في العلاقات المتوترة بين إيران و الغرب. وعلاوة على ذلك، فمن غير المرجح أن تتاح مثل هذه الفرصة في المستقبل. ونتيجة لذلك، فإن التقرير يخلص إلى ضرورة وجود سياسة تتسم بالصبر والمثابرة لدى الإدارة الأمريكية في الوقت ذاته. سياسة مثابرة في دفاعها عن القيم الأميركية التي تتوافق مع الدبلوماسية الأمريكية ككل، وسياسية صبورة قادرة على تفهم العوامل المختلفة التي توثر على طريقة تعامل إيران مع الغرب والوقت اللازم لإحداث تغيير ملموس في علاقة الغرب بإيران.

التعرف على إيران وثقل سياستها المحلية

يسلط التقرير الضوء على العديد من الأوقات التي يُحِد فيها التجاهل الكبير لإيران وما يجري بداخلها من فهم الغرب لأجندة طهران. فبخلاف معرفة أن النظام يرغب في البقاء في السلطة وأن إيران مصممة على البقاء كقوة مؤثرة في المنطقة، لا تعرف الولايات المتحدة الكثير عن التوقعات الإيرانية أو مجريات الأمور بداخلها من أجل وضع أجندة للسياسة الخارجية في التعامل مع إيران. ومع ذلك يؤيد التقرير فكرة أنه بالرغم من عدم وجود علاقات حقيقية بين الولايات المتحدة وإيران منذ 1979، ينبغي أن تستمر واشنطن في عملية التقارب. ولم يتعرض التقرير لتفاصيل هذه التوصية السياسية إلا أنه يعرض الخيارات المتاحة بطريقة واضحة. ويوضح "كيمب" أن أجندة السياسة الخارجية يمكن أن تركز على الموضوعات الصعبة، أو البرنامج النووي تحديداً أو يمكن أن تتمحور حول الأولويات الأكثر مرونة التي تجمع بين واشنطن وطهران مثل تهريب المخدرات. ومع ذلك، فإن فعالية أي من الطريقتين مثار جدل كما يشير إلى ذلك سينج، فالتركيز على أهداف محدودة في الماضي أتاح لإيران تجنب عواقب وتضحيات يمكن أن تتمخض عنها أي محاولة جادة للتقارب. وعلاوة على ذلك، يرى كيمب أنه فيما يتعلق بالملف النووي، تجنب هذه القضية بالتركيز على أهداف أخرى يمكن أن يمنح طهران الفرصة لكسب الوقت والإستمرار في تطوير ترسانتها النووية.

وبالإضافة إلى ذلك، يشير التقرير إلى أن التناحر والإنقسام داخل إيران قد أحدثا تأثيراً ملحوظاً على إحتمالات نجاح سياسات أمريكا في التقارب مع إيران. ففي خريف عام 1979 على سبيل المثال، كان السعي لترسيخ الراديكالية والنزاع بين الإسلاميين واليساريين في محاولة كل من الطرفين إثبات أنه يمثل الثوري الحقيقي وقد كانا هما المحركان للسياسة الإيرانية وقتها. ولأن لقب الثوري كان يتم إستبداله في أغلب الأحيان بمعاداة الإمبريالية ومحاربة التأمرك، فإن كلاً من الطرفين إتخذ موقفاً سيئاً جداً من الولايات المتحدة وأحبط أي جهد يرمي لإقامة علاقات مع واشنطن. ويسلط التقرير الضوء على حقيقة أن الإنقسام والتناحر لا يزالان ينطبقان على عملية صنع القرار في إيران. فبالرغم من أن المتشددين هم في الأساس الذين يتمسكون بالموقف المعادي لأمريكا، لا يزال ثقلهم السياسي مؤثراً في السياسة الخارجية الإيرانية. وبما أن واشنطن لا تستطيع الإنتظار إلى أن يتغير النظام، ينبغي أن تتعامل مع العقبة التي أمامها وهي عدم رغبة المتشددين في التقارب.

وهناك جانب آخر هام في السياسة المحلية الإيرانية إستحوذ على قدر كبير من إهتمام التقرير وهو يتمثل في تأثير رأي الشعب الإيراني على السياسة الخارجية للبلاد. فقدرة المؤلفين على التمييز بين ثقل السياسة المحلية وثقل إرادة الشعب الإيراني تتباين من مقال لآخر. ويعتبر سازيجارا في تحليله حقيقة قلق الأمريكيين من النوايا الأمريكية بمثابة أهم عامل في تعويق إقامة علاقات جيدة بين إيران والولايات المتحدة. ومع ذلك، أشار محللون آخرون إلى أنه حدث تغير في النظرة الإيرانية للولايات المتحدة، وينبغي عدم الخلط بين هذا الإهتمام الجديد بالولايات المتحدة والقيم التي تمثلها بالنظام الذي يحكم إيران بالفعل. ففي حين أنه من الهام تقدير مدى إهتمام الشعب الإيراني بأي جهد يبذل من أجل التقارب مع الدولة ذاتها، أظهرت الإنتخابات الأخيرة أن هناك فجوة كبيرة بين إرادة الشعب الإيراني وسياسة الحكومة على المستويين الداخلي والخارجي. فربما لا يفيد الولايات المتحدة إقامة علاقة وثيقة للغاية مع المجتمع المدني الإيراني حيث أن هذا السلوك سيتم تفسيره بأنه عودة إلى الممارسات القديمة المتعلقة بالتدخل في الشؤون الإيرانية. وأفضل ما يمكن أن يوصف به الأسلوب المقيد الذي تسلكه أمريكا فيما يتصل بالإنتخابات الإيرانية أنه أسلوب "لننتظر ونرَ" وهو يدل على إدراك أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تعزز علاقتها مع الساسة الإيرانيين الموجودين في السلطة الذين قد لا يجمعهم الكثير بواشنطن.

التمسك بالمبادئ الأمريكية

لقد تبنت الولايات المتحدة الدفاع عن مبادئ دولية أساسية معينة بإعتبارها أساساً لنظام عالمي. ووفقاً لروستو وسادجادبور، فإنه بينما لم تحقق الولايات المتحدة الكثير في الدفاع عن هذه المبادئ، فإنها لا تزال بمثابة أهم ما يميز أمريكا على المستوى الدولي. ومن ثم فإنه في أي وقت تنحرف فيه واشنطن عن هذه الممارسات تكون قد أضرت بإمكانية التقارب مع إيران. ويستشهد روستو بالحرب العراقية الإيرانية على وجه التحديد وفشل أمريكا في الإعتراف بحق إيران في الدفاع عن نفسها. وفي حين أن القيمة التي تعلقها الولايات المتحدة على المبادئ الليبرالية تمثل بلا منازع جوهر سياستها الخارجية والكيفية التي تفسر بها الإدارات المختلفة ماهية هذه المبادئ والطريقة التي ينبغي بها الدفاع عنها وأهميتها فيما يتصل بالأولويات الأخرى. وبالرغم من أن مختلف المؤلفين يؤكدون على أن التقارب مع إيران قد تأثر بالعديد من العوامل، فإن كيفية تأثير المبادئ الأمريكية على هذا التقارب بالنسبة للمتغيرات الأخرى التي تم تحليلها لا تزال غير واضحة. في الواقع، تسلط مقالات عديدة الضوء على حقيقة أن الولايات المتحدة خلال مراحل مختلفة في علاقاتها المتوترة مع إيران كانت تعيش موقف "خاسر- خاسر"، حيث كان يتم تفسير أي خيار تقدم عليه واشنطن تفسيراً سلبياً من قبل الحكومة الإيرانية. وبناءاً على ذلك، فإنه يبدو المفهوم الغامض للمبادئ الأمريكية أقل نفعاً إذا ما قورن بالمقترحات العملية والأكثر تحديداً التي يقترحها التقرير.

font change