إعادة إنتخاب أحمدي نجاد وسياسة أوباما نحو إيران

إعادة إنتخاب أحمدي نجاد وسياسة أوباما نحو إيران

[escenic_image id="554609"]

تطرح إعادة إنتخاب أحمدي نجاد المثيرة للجدل كثيراً من التحديات والفرص أمام الجهود الأمريكية لتحسين العلاقات بما يكفى مع إيران كي تكبح جماح برنامجها النووي. وفاجأت نتائج إنتخابات الثاني عشر من يونيو كثيراً من واضعي السياسة الأمريكية، وجاء الإجماع الأولي من واشنطن متمثلاً في أن إعادة إنتخاب أحمدي نجاد كانت محتملة نظراً للتأييد الذي تمتع به بين الجماعات المهمة وهى الحرس الثوري وفقراء الريف بالإضافة إلى المرشد الأعلى آية الله على خامنئى وتابعيه.

بعد ذلك، لاحظ المحللون الأمريكيون أن مشاهد الإقتراع والصور التي بثها التليفزيون أشارت إلى إرتفاع كبير ومتأخر في نسبة التأييد لمنافس أحمدي نجاد الرئيسي وهو مير حسين موسوي، ثم ظهرت توقعات بأن أياً من المرشحين لن يفوز خلال الجولة الأولى.

 وعندما أعلنت السلطات الإيرانية أن أحمدي نجاد قد فاز بنسبة حوالي اثنين إلى واحد من الأصوات (63 ٪ إلى 34 ٪)، اشتبه العديد من خبراء السياسة الخارجية الأمريكية أن النسبة كانت أقل من ذلك غير أن الأمر الذي فاجأ المراقبين الغربيين هو الإحتجاجات الشعبية الواسعة التي نبعت من تصور أعداد كبيرة من الإيرانيين أن أصواتهم قد سرقت. وجاء فشل النظام الأولى في منع المتظاهرين وزيادة الدعم لهم من قبل الساسة الإيرانيين ذوى النفوذ مثل محمد خاتمي وعلي أكبر هاشمي رافسنجاني ليكشف عن إنقسامات مفاجأة داخل النخبة الحاكمة.

 وأشار أوباما نفسه إلى أن موسوي يشاطر أحمدي نجاد العديد من المواقف السياسية؛ ومن المعروف أيضا أن الرئيس الإيراني يتمتع بسلطة محدودة نسبياً على سياسة إيران الخارجية والدفاعية، والتي تندرج عادة تحت سلطة المرشد الأعلى. ومع ذلك، أصبح موسوي الآن بعد هزيمته قوة حقيقية للإصلاح. وبالإضافة إلى أن موسوي إتهم المؤسسة الحاكمة بالتورط في تزوير الإنتخابات على نطاق واسع فقد دعا إلى تغيير شامل في النظام السياسي الإيراني.

وعلى الرغم من تضائل إحتمال تنفيذ هذه الإصلاحات أو تولى موسوي للرئاسة في وقت قريب؛ فإن إتهاماته للنظام نالت قدراً من التأييد في أوساط النفوذ الإيراني كما وفرت الفرصة للعديد من الناس كي يعبروا عن استيائهم من النظام.

 والمؤسف أن هذه التطورات قد زادت أيضا من إحتمالات أن يعتمد المتشددون على الجيش الإيراني وقوات الأمن الداخلي لتأسيس نظام سياسي أكثر سيطرة من ذي قبل. وقد يحاول أحمدي نجاد ومؤيدوه أن يعوضوا  تراجع التأييد الشعبي لهم عن طريق السعي لإيجاد سبيل مع الغرب ولكنهم قد يحاولون أيضا بنفس القدر من الإقتناع اللجوء إلى المزيد من سياسات المواجهة لحشد الدعم الشعبي وراء حكومتهم.

لقد حرص أوباما على أن يحتاط للكم الهائل من النتائج المحتملة في إيران فبالرغم من أنه يدعم نشر الديمقراطية الليبرالية، يعتقد أوباما أن الديمقراطية لا يمكن أن يتم تصديرها بسهولة. وفي الأيام الأخيرة، إستجاب أوباما للضغوط المحلية داخل الولايات المتحدة لإتخاذ إجراء أكثر قوة بشأن إيران عن طريق إنتقاد طهران بسبب ما يحدث هناك من أعمال قمع أعقبت الإنتخابات الإيرانية من أجل فرض النظام، لكنه لم يتخل عن إستراتيجية التقارب التي أعلن عنها سابقاً. وبذلك فإن أوباما أكد من جديد على رسالة جوهرية حملها خطابه الذي ألقاه في القاهرة مفادها أنه يدعو إلى تغيير في السياسات الإيرانية وليس في النظام نفسه.

وتتمثل الأولوية الواضحة لإدارة أوباما بخصوص الشأن الإيراني في منع طهران من تطوير أسلحة نووية. وبعد أيام قلائل من الإنتخابات، أعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي أن سلوكيات إيران أوضحت أن طهران تسعى للحصول على القدرات التي تمكنها من تصنيع الأسلحة النووية وذلك لأسباب دفاعية وهجومية "هذا بالنسبة لهم هو الطريق الموصل إلى القوة والهيبة وبمثابة بوليصة  تأمين ضد ما سمعوه في الماضي بشأن تغيير النظام".

ويخشى الرئيس أوباما وكبار مستشاريه من أن حصول إيران على القنبلة الذرية والذي سرعان ما سيتحقق بعد إعلان كوريا الشمالية أنها دولة نووية لها وجود فعلي، قد يعصف بمعاهدة حظر إنتشار الأسلحة النووية. فإذا استطاعت إيران بناء ترسانة نووية، فمن المتوقع أن تحذو دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط حذوها مثل مصر وتركيا وغيرها. وكلما زاد عدد الدول النووية، زادت مخاطر الحرب النووية والإرهاب النووي.

  إن رد الفعل السلبي واسع النطاق إزاء الإنتخابات الإيرانية وما أعقبها سوف يجعل من الأيسر على إدارة أوباما تبني موقف أكثر صرامة حيال طهران إذا فشلت إستراتيجية التقارب في الحد من طموحات إيران النووية. ويفهم الكثير من الخبراء أن الجمهورية الإيرانية لم تقم أبداً بإجراء إنتخابات حرة ونزيهة على الطريقة الديمقراطية الليبرالية. فالتدقيق الشديد من قبل السلطات الإيرانية للمرشحين يحد بشكل كبير من نطاق الخيارات الإنتخابية المسموح بها. ومع ذلك، فإن الإنتخابات التي ساءت سمعتها وجعلت شرعية وشعبية الحكومة الإيرانية موضع إتهام بين الجماهير الأجنبية سوف تجعل من اليسير على أوباما حشد الدعم الدولي لزيادة الضغوط الدبلوماسية والإقتصادية ضد إيران.

كان موقف أحمدي نجاد الضعيف واضحاً عندما حضر إجتماع منظمة شانغهاى للتعاون في 16 يونيو. وخلافاً لما حدث في السنوات السابقة، لم يثر نقاش حول قبول إيران في المنظمة كعضو سابع فيها ومنحها العضوية الكاملة. فعلى الرغم من الإنسحاب الوشيك للقوات الأميركية من العراق والمناطق الحضرية إلا أن النفوذ الإيراني في العراق يبدو في طريقة إلى الإنحسار. كما أفاد المسئولون الأميركيون الذين زاروا دمشق مؤخراً بأن القادة السوريين -والذين كانوا في العادة قريبين من إيران- على إستعداد للتصالح مع واشنطن وفتح صفحة جديدة معها. ولعل الأهم من ذلك، أن الحكومات الأوروبية الغربية ستجد صعوبة أكثر في معارضة فرض عقوبات على الحكومة الإيرانية التي تستخدم القوة العسكرية على نطاق واسع ضد المتظاهرين غير المسلحين.

وعلى العكس من ذلك، فسوف تجعل المظاهرات الحاشدة في إيران الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للولايات المتحدة للمشاركة في حملة عسكرية تهدف إلى تعطيل البرنامج النووي لطهران. فعلى الرغم من أنه لا يبدو على المتظاهرين أنهم يعترضون على سياسات إيران النووية إلا أن السماح بالقيام بعملية عسكرية يمكن أن ينتج عنها قتل العديد من الإيرانيين الأبرياء قد أصبح أكثر صعوبة الآن، خاصة مع وجود الكثير من المؤيدين والمتعاطفين مع هذه المظاهرات في الغرب. وقد إستبعدت إدارة أوباما هذا الخيار إلى حد كبير حتى قبل الإنتخابات الأخيرة، إلا أن هذا قد يجعلها أقل عرضة للإنتقادات من داخل الولايات المتحدة فيما يتعلق بجهودها لمنع إسرائيل من القيام بمثل هذا الهجوم.

وعلى المدى القصير، فإن نتائج الإنتخابات ستجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لإدارة أوباما للتعامل مع إيران، أما على المدى الطويل، فإن التطورات الأخيرة في إيران يمكن أن توفر للولايات المتحدة فرصاً جديدة لتحقيق سياساتها الرئيسية في منطقة الخليج.

د.ريتشارد ويتز - مدير وزميل مركز التحليل السياسي والعسكري بمعهد هدسون في واشنطن العاصمة.

font change