انقسامات الإخوان ترسم المستقبل

انقسامات الإخوان ترسم المستقبل

[escenic_image id="556133"]

يعتبر المصري محمد عادل هو وجه جديد شاب من جماعة الإخوان المسلمين، وهي الحركة الإسلامية العالمية المعروفة في اللغة العربية باسم "الإخوان"، في العام الماضي افتتح خبير الحاسوب ذو العشرين عاماً موقعاًَ على الانترنت لينافس العنوان الرسمي لموقع الجماعة على الانترنت، وروج لموقعه بوصفه منتدى للمعارضة الخلاقة، واستقطب الموقع أعداداً كبيرة من أعضاء الأخوان الأصغر سناً، والذين يثير حفيظتهم ما يعتبرونه قيادة مصابة بالشيخوخة للجماعة ومفرطة في الحذر، وعندما تعرض "عادل" ومناصروه للهجوم من قبل عناصر من الحرس القديم للإخوان باعتبارهم خائنين للحركة، حماهم محمد عاكف المرشد الأعلى للجماعة ذو الثمانين خريفاً.

أخبرني "عادل"، في الخريف الماضي في مقهى بالقرب من ميدان التحرير بوسط القاهرة: "نريد نحن الأعضاء الأصغر سناً أن تنفتح الحركة، وأن تنمى علاقاتها مع الأحزاب السياسية الأخرى، وتعتمد لغة التجديد". وأضاف عادل "نريد أن نشارك في قيادة الحركة، ولكن لا يوجد أحد منا ضمن القيادات العليا".

وحدوث التغيير أمر محتمل حقاً لشباب حركة الإخوان، وإن كانت نوعيته غير واضحة المعالم، وأعلن عاكف في مارس أنه لن يسعى لفترة ولاية ثانية بعد خمس سنوات من القيادة وسوف يتنحى قريباً، وقد أثار إعلانه احتمال حدوث شيء نادر في العالم العربي المتميز بالطابع الأوتوقراطي في القيادة إلى حد كبير، فقد يحدث انتقال للزعامة في الحركة بشكل يتسم بالشفافية والديمقراطية وسوف يكشف هذا الانتقال ما إذا كان الإخوان سوف يستمرون في إتباع السياسات الواضحة التي ظهرت تحت قيادة عاكف أو يتقهقرون إلى الدراسة الدينية والتعليم الأصولي.

والإخوان هم الجماعة المعارضة الأكثر شعبية في مصر، وأكثر الحركات السياسية تنظيماً في العالم العربي، وبالرغم من استياء الشباب من أمثال عادل، فإن الإخوان في ظل عاكف قد انخرطوا بشكل فعال في العمل السياسي المصري والشؤون المدنية أكثر من أي وقت مضى خلال تاريخ الحركة الذي يبلغ ثمانين عاماً، ورغم أن الحركة محظورة رسمياً من قبل النظام العلماني للرئيس المصري حسني مبارك، فإن عدداً محدوداً من أعضاء الإخوان قد شاركوا في الانتخابات المحلية في ديسمبر 2005 كمستقلين، وانتهوا بتكوين أكبر كتلة معارضة في البرلمان.

وكنتيجة لإنجازهم سجنت السلطات الآلاف من أعضاء الإخوان أو احتجزتهم، من دون تهمة في معظم الأحوال (وشمل هذا عادل، والذي أخبروني باعتقاله بعد ساعات من لقائنا، ولم يسمع عنه أحد إلى أن أطلقت السلطات سراحه بعد عدة أسابيع). وقبل حلول الانتخابات المحلية في العام الماضي، اعتقلت الشرطة المئات من العاملين في حملة الإخوان الانتخابية، وتمت محاكمة العشرات من أعضاء الأخوان أمام محكمة عسكرية، وكان بينهم نائب المرشد العام خيرت الشاطر، والذي لا يزال في السجن.

وتكررت الحملات على الإخوان، في أماكن أخرى في الشرق الأوسط، حيث أبلت الجماعات الإسلامية المرتبطة من بعيد بجماعة الإخوان المسلمين بلاءاً حسناً في الانتخابات المحلية أو الوطنية، وفي واشنطن حظيت الحملات ضد الأخوان بالتأييد السلبي من جانب إدارة بوش السابقة، والتي تخشى من صعود الإسلام السياسي، ورفضه الاعتراف بإسرائيل وفازت حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية قبل ثلاث سنوات، وجاء ذلك بعد بضعة أشهر فقط من النجاح الانتخابي للإخوان. وكان ذلك كل ما يحتاجه الرئيس بوش وقتها ليرجع عن التزامه بإجراء الإصلاح السياسي في الشرق الأوسط ولا يبدى الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما أي بادرة على التراجع عن سياسة بوش.

ويزعم الإخوان أنهم مرفوضين من قبل الأميركيين ويتعرضون للقمع من جانب الرئيس مبارك، ويقال إن زعماء الإخوان الأكثر محافظة يحرضون الناس على العودة إلى المساجد والمدارس الدينية، حيث تم احتضان تيارات الإسلام المتشددة عبر التاريخ  مثل السلفية والجهاد.

ويعتبر إرث "عاكف" متقلباً فقد أصدر الأخوان تحت سلطته مشروع برنامج حزبى يحظر على المرأة وغير المسلمين خوض الانتخابات الرئاسية، ويدعو لتأسيس مجلس ديني من شأنه أن يدقق في التشريع، ويتحدث "عاكف" بشكل قاس ضد إسرائيل وضد التحالف بينها وبين الولايات المتحدة، كما أنه أثنى على هجمات حماس ضد الدولة اليهودية (تجدر الإشارة إلى أن العديد من العلمانيين المصريين يفعلون ذلك أيضاً). وعلى الرغم من اعتماده المصارحة، فيبدو أن عاكف قد فشل في التوفيق بين اختلافات الجماعة  عبر الأجيال، وفيما يتعلق بالفلسفة العامة للجماعة، حسبما يقول المحللون.

ويقول ميشيل دان، وهو خبير في الشؤون العربية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، ورئيس تحرير نشرة الإصلاح العربي."لم يتمكن عاكف من الجمع بين هذه الاتجاهات والأجيال المختلفة"، وأضاف دان "لقد رأينا تلك الحساسيات تتكشف في السنوات الأخيرة".

غير أن الباحثين مثل "دان" يرجعون لعاكف الفضل مع ذلك في لم شمل الإخوان خلال فترة عصيبة بشكل خاص. وخلافاً لأسلافه - ابتداء من حسن البنا ، مؤسس الجماعة- فقد شجع "عاكف" النقاش داخل الحركة، ومد يده إلى قادة المجتمع المدني من غير المسلمين، ووضع كادراً من المسئولين العمليين لخلافته.

ويعد محمد حبيب هو مثال على ذلك، وهو النائب الأول لعاكف وعنصر أساسي في هجوم الإخوان الأخاذ على الغرب، ويعتبر حبيب محافظاً لكنه اجتماعي، وحصل على درجة الدكتوراه في الجيولوجيا من جامعة ميسوري في أواخر السبعينات، كما يعد محمد حبيب رجلاً مرحاً، ويحب أن يحكي قصة البواب الذي علق ذات مرة على "نظام التمارين الرياضية" الخاص به عندما دخل عليه في خضم صلاة الظهر، وتجد وجهه يشع تقوى مشرقة وأسر لي ذات مرة أنه على الرغم من أن الإخوان لا يمكن أن يعترفوا بإسرائيل أبداً، فإنه من المؤسف حقا أن تفقد مصر تلك التجارة الثنائية المربحة مع الدولة العبرية.

ويعتبر عبد المنعم أبو الفتوح خليفة محتمل لعاكف وهو إصلاحي آخر بارز، ويرأس النقابة الطبية المصرية وهو الأمين العام للاتحاد الطبي الإقليمي العربي، ويحظى باحترام ومكانة هائلة خلال مقابلة أجريناها معه كان أبو الفتوح مفكراً ومسترخياً وصريحاً، وإذا قدر للإخوان أن يرفضوا سياسة عاكف في الانفتاح مفضلين المصلحة الدينية الضيقة،  فسوف يكون أبو الفتوح مرشحاً مناسباً لخلافته.

وأعلن أبو الفتوح أن الحركة لديها طموحات سياسية، لكنه قال إنها ستكون سعيدة بامتلاكها 25 % من المقاعد البرلمانية في ديمقراطية مصرية، وهى نسبة ليست أكبر بكثير من المقاعد التي تسيطر عليها الآن. قال إن "المصريين يريدون تحالفاً، ولدى جماعة الإخوان المسلمين رؤية للتفاعل مع المجتمع، وأن تكون لديها علاقات مع كل الجماعات. والمشكلة أن لدينا أناسا محدودي الأفق يعارضون ذلك".

وسألت أبو الفتوح: إذا كان الإخوان قد يدعون إلى إضراب عام للاحتجاج على آخر تجاوزات النظام، كما كان يفعل بعض المنشقين؟ فهز رأسه بعلامة النفي!! وجاوبني قائلا "إن اختيارنا للتغيير السلمي هو إستراتيجية وليس تكتيكاً، والإضراب الشعبي العام سيكون عملاً من أعمال العصيان المدني، ولا يمكن أن تكون حركة الإخوان فقط هي التي تدعو إلى مثل هذا الأمر، وقد يسقط هذا الإضراب النظام، ولسنا مستعدين لذلك الأمر بعد".

وهناك بطبيعة الحال رسالة ضمنية لاتخلو من مفارقة، وراء رحيل عاكف الديمقراطي عن السلطة  في الوقت الذي يتشبث فيه حسني مبارك، وهو من عمر عاكف، بالسلطة محتميا ًوراء جهاز أمني هائل. ويستعد مبارك في نفس الوقت لنقل السلطة إلى ابنه أو رجل عسكري. ومهما كان سجل عاكف مختلطاً كمرشد أعلي إلا أنه من الإنصاف الرهان بأن حركة الإخوان سوف تبقى لما وراء عصر مبارك!!

ستيفن جلين - محرر مقيم بواشنطن وكاتب متخصص في شؤون الشرق الأوسط وآسيا.

font change