مخاض الديمقراطية والحريات

مخاض الديمقراطية والحريات

[escenic_image id="555982"]

أحمد عيسى

الكويت: يطل الملف الكويتي بين الفترة والأخرى على المتابعين للسياسة العربية ليس بوصفه ملفاً إقليمياً بقدر ما هو ملف يعني التجربة الديمقراطية في المنطقة ويعكس حيوية الكويت على المستوى السياسي.

في الكويت هناك مخاض لا يزال يطال الديمقراطية والحريات وجدواها كنمط للإدارة والإنجاز، إلا أن تجربة الكويت الديمقراطية تعرضت لاختلالات عدة تلاحقت في السنوات الثلاث الأخيرة، ما دفع أميرها الشيخ صباح الأحمد لقبول استقالة 5 حكومات، أوكل رئاستها لابن أخيه الشيخ ناصر المحمد، كما قرر حل 3 برلمانات خلال المدة ذاتها، ما دفعه لمطالبة مواطنيه منتصف مارس الماضي، وهو يحل البرلمان الثاني عشر في تاريخ الكويت، أن يحسنوا اختيار ممثليهم بالبرلمان، خاصة بعد أن شل البلاد تردي العلاقة بين البرلمان والحكومة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وعطلتها عن إنجاز أي مشروع.

ولاشك أن أي مشروع سياسي يعتريه الصواب والخطأ، بحسب زاوية منتقديه أو مناصريه، وهو ما دفع المجلة لفتح هذا الملف، وإشراك باحثين مختصين بمتابعة الشأن الكويتي ولاعبين رئيسيين، يمثلان التيار الإسلامي والليبرالي، بغرض تحديد مكمن الخلل في الكويت وتناول المشاركة الشعبية والعلاقة بين الحكومة والبرلمان، بهدف نقل لمحة من صورة الكويت.

وتنامت وولّدت المواجهات السياسية الأخيرة تيار يطالب بإعادة النظر في جدوى الديمقراطية والمشاركة الشعبية، والتسويق لأفكار من بينها تعديل العمل بالدستور وإلغاء البرلمان لمدة محددة تكفل للحكومة الإنجاز بعيدا عن صخب البرلمان، إلا أن معارضو هذه الاتجاه دائما ما يذكرّون أن تجارب شبيه تم اعتمادها في السابق وقادت إلى انهيار سوق المال عام 1982، والغزو العراقي عام 1990، نتيجة لغياب الرقابة الشعبية وعجز الحكومة عن مواجهة الاستحقاقات المحلية والدولية.

وتعد السلطة وممارسيها هي مكمن الأزمة الحقيقية في الكويت، إلى جانب وجود صراع اجتماعي غلفته السياسة، وتتم ممارسته تحت قبة البرلمان بين الوزراء والنواب من جانب وبين النواب بين أنفسهم، حيث يمكن تمييز الصراع الفئوي في الكويت بسهولة من خلال استعراض أسماء اللاعبين الرئيسيين في العمل السياسي.

ورغم وجود دستور ينظم العلاقة بين اللاعبين الرئيسيين في الكويت، إلا أن هناك زحفا ملحوظا من النواب على عمل الوزراء، وهو ما صعب مهمة أعضاء مجلس الوزراء في بيئة عمل صعبة، ويسود التوتر العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بشكل مستمر، نظراً لغياب برنامج عمل واضح، وتردي مستوى الخدمات العامة، إلى جانب تدخلات غير معلنة لعدد من النافذين في البلاد على مستوى القرار العام، كما تتهم قوى المعارضة الحكومة بعدم جديتها في معالجة الفساد الإداري والمالي وغياب المشاريع التنموية، بينما ترد الحكومة على الاتهامات بأن التصعيد المتكرر عليها من قبل النواب يفقدها التركيز في عملها.

وتتنافس التيارات على مقاعد البرلمان ومناصبه، لأنها تعتبره مقياسا لقوتها في الشارع السياسي، ويؤكد ذلك النائب الليبرالي السابق والمرشح الحالي للبرلمان محمد العبد الجادر أن المواطنين يميلون أكثر للمشاركة في الانتخابات العامة متى ما زادت حدة الصراع الفئوي، سواء كان القبلي – القبلي، أو أبناء الحاضرة مقابل أبناء البادية، أو حتى السني – الشيعي، لرغبة الفئات بإيصال ممثليها.

ويضيف العبد الجادر أن نظام الانتخاب في الكويت ساهم في تكريس ارتبط العملية الانتخابية بوصفه أداة للديمقراطية بتحقيق مصالح فئوية، لأن النظام الانتخاب يقوم على فردية التمثيل والاختيار.

أما المرشح الإسلامي محمد الدلال فيجد أن السلطة تحاول تطويع الحياة الدستورية والسياسية لتعزيز النفوذ، من خلال التدخل السافر في العملية الانتخابية، بهدف ممارسة لعبة التوازنات السياسية مع الكتل البرلمانية والقوى السياسية والمجتمعية، وهو ما دعاها لاستخدام التجنيس لتغيير المعادلة السياسية وكسب الولاءات، إلى جانب تعزيز الولاء القبلى والعائلي على حساب الولاء للوطن، وهو ما يجعل الساحة السياسية الكويتية بحاجة ماسة إلى خطة إنقاذ وطني لتعزيز الوحدة الوطنية.

ويعيد أستاذ العلوم السياسية الدكتور غانم النجار سبب أزمة العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى حاجة الحكومة ومؤسسة الحكم لإعادة إنتاج نهج التعاطي وطريقة التشكيل، وأيضا عدم وجود أحزاب سياسية، ما أدى إلى تحول المواجهة بين النواب والحكومة إلى مواجهة فرد للحكومة، أكثر منها مواجهة سياسية.

-------------------------------------------------------------------

أزمة الديمقراطية في الكويت

جزء من المشكلة يكمن في تردد السياسة الكويتية بين أن تصبح نظاماً ملكياً خالصاً وبين أن تصبح نظاماً برلمانياً

يتأرجح البرلمان الكويتي بين أن يكون هيئة نيابية ومكتباً موسعاً لخدمات المواطنين ومسرحاً للتناحرات القبلية، وفي كل الأحوال فهو من أكثر البرلمانات العربية حيوية وتنظيماً.

في عام 1994 قمت بزيارتي الأولى للبرلمان الكويتي، وهي تلك المؤسسة التي كانت تناضل في ذلك الوقت من أجل توكيد دورها في أعقاب واقعتين من إيقاف البرلمان والاحتلال الأجنبي. وقد انطلقت بسيارتي إلى مبنى البرلمان، وأوقفتها في المرآب ثم دخلت ولم يعيق دخولي شي، حيث لاحظت اجتماعاً منعقداَ وقابلت نواباً من ذوي الاتجاهات السياسية المتباينة.

وقد عدت إلى الكويت مؤخرا متسلحا هذه المرة بذخيرة من المواعيد الهامة مع أعضاء من البرلمان، ولم يكن مدخل السيارات المؤدي إلى المجمع البرلماني مفتوحا للجميع، لذا فقد أوقفت سيارتي في مكان قريب وحاولت الدخول سيرا على الأقدام، لكن استغرق أمر الدخول مني ساعة كاملة، ويرجع ذلك بالأساس إلى أنه لم يخطر ببال أحد من النواب الذين قد اتفقت على مقابلتهم، أن يضعوا اسمي على قائمة الزوار المسموح لهم بالدخول.، ومن المؤكد انه لم اعامل بهذه الطريقة لكوني اميركي، فحين طال بي الانتظار انتبهت إلى مجموعة من المواطنين الكويتيين فقدوا السبيل في الدخول الى مبنى البرلمان.

فلماذا إذا قرر برلمان الكويت- والذي قد يكون أكثر البرلمانات العربية حيوية وانفتاحاً على الإطلاق- وضع الحواجز أمام ناخبيه وأمام الباحثين الأجانب، سألت النواب عن هذا وتم إخباري أن تزايد الاحتياطات الأمنية، هو إجراء تم اتخاذه ليس لحماية أبدانهم وإنما لحماية وقتهم، وفي الفترة الواقعة بين الزيارتين، فقد رسخ البرلمان الكويتي دعائمه في المجتمع  بنجاح يكاد أن يكون منقطع النظير. فقد أصبح مؤسسة يلوذ بها المواطنون من أجل المساعدة في أي مشكلة تطرأ- مثل إصلاح أحد الشوارع، أو استصدار تصريح ما من إحدى الوزارات، أو مشكلة تتعلق بجنحة مرورية أو الحصول على وظيفة لأحد الأقارب- وقد وجد البرلمانيون أنفسهم وقد أغرقوا بسيل من طلبات المساعدة التي لاحصر لها، بدرجة لا تمكنهم من الاضطلاع بالدور الآخر للبرلمان.

لكن إذا كان المواطنون الكويتيون العاديون يصوتون بحماس من أجل اللجوء للبرلمان، فإن هناك الكثيرين غيرهم ممن يشعرون على نحو متزايد بالإحباط، من وضع تلك المؤسسة الكويتية الرائدة التي يتم انتخابها. في الواقع، وصل الشعور بالعديد من النقاد بأن كل ما يمكن أن يفعله البرلمانيون، هو القلق بشأن أمور ثانوية والتحرش بالمسؤولين والسعي وراء مانشتات عريضة بدلاً من تحقيق إنجازات تشريعية. 

وتشعر الأسرة الحاكمة أن البرلمان يعوزه الاحترام الكافي لدوره، ويبالغ في استجواب أعضائه الكبار (بما فيهم رئيس الوزراء نفسه) الذين يشغلون حقائب وزارية، ويرى الليبراليون الكويتيون أن هيمنة الإسلاميين على البرلمان في تزايد مستمر؛ ويعتقدون أن هؤلاء لا يختلفون عن بعضهم البعض سوى في طول اللحية، وفي براعتهم في طرح قضايا ثقافية ودينية حساسة.

ويرى كبار الرأسماليين الكويتيين، (الذين يمثلون العمود الفقري للتجربة البرلمانية لسنوات عديدة) أن هناك مجموعة برلمانية تركز على موضوعات غير ذات قيمة، تسبب بإعاقة الإصلاح الاقتصادي والدول الأجنبية الصديقة التي تدعم الديمقراطية في الكويت - وتأتي في طليعتها الولايات المتحدة التي استغلت موقعها للإصرار على استعادة البرلمان في عام 1992، بعد عام من تحرير البلاد- منشغلة تماماً بقضايا إقليمية أخرى، ولم تعد تعر المشكلات والقضايا الكويتية المحلية نفس الاهتمام. (والتعليق الأخير للسفيرة الأمريكية بأنها تأمل في أن يحل الكويتيون مشكلتهم من خلال وسائل دستورية، كان بمثابة تخلٍ عن حالة اللامبالاة ومن ثم كان الخبر بمثابة مانشيت رئيسي في الكويت). 

ويزعم الناقدون أن البرلمان الكويتي يتصرف بطريقة غير مسؤولة، ويزيد الفرقة والانقسام في صفوف المجتمع الكويتي، ويعتقد هؤلاء أن العلاج الناجع لهذا الداء هو التقليل من الديمقراطية الكويتية، لا أحد يدعو إلى التخلي عن الدستور ولكن يتزايد الحديث عن "حل غير دستوري" للبرلمان. وفي مرتين سابقتين أوقف أمير البلاد مواد الدستور التي تنص على الانتخابات البرلمانية. وحيث أن واحدة من مواد الدستور تحظر عليه صراحة الإقدام على هذه الخطوة، فقد أوقف عمل تلك المادة أيضا.

وناقدو البرلمان الكويتي محقون على وجه التحديد في تشخيصهم للأمر حيث أن البرلمان يتصرف بعدم مسؤولية، ما يؤدى لتفاقم الانقسامات في المجتمع الكويتي، لكن المنتقدين قد يكونون مخطئين بشكل خطير في علاجهم المفضل المتمثل في تعليق عمل البرلمان. فالتراجع عن الديمقراطية يمكن أن يؤدي إلى وجود حكومة غير مسؤولة تماماً، وإلى انقسام متزايد بين الكويتيين الذين يستطيعون الوصول بشكل كامل إلى موارد البلد، ومن هم دون ذلك. ولهذا السبب، فإن حل الأزمة السياسية في الكويت قد يتطلب مزيداً من الديمقراطية وليس العكس.

وعلى سبيل المثال فإن تقاعس البرلمان عن ممارسة مسؤولياته يكاد أن  يكون أمراً أكيداً داخل نظام يمنح البرلمان مسؤوليات ايجابية محدودة، ويمكن للبرلمان استجواب وزراء، وحتى قد يسقطهم (واحدا تلو الأخر)، ويمكنه إبراز الفضائح، ويمكنه رفض إجازة القوانين،  لكن البرلمان ليس مصمماً على أساس أن  يعبر عن إرادة أغلبية متماسكة، وسوف يتطلب تحقيق ذلك إصلاح جدي: إيجاد نظام حزبي كامل, وعدم مكافأة النواب على خطاباتهم المدوية المتفرقة، ولكن على عملهم مع بعضهم البعض، ومجلس وزراء يمكنه البقاء في الحكم فقط نتيجة دعم أغلبية ائتلافية.

وبالتالي فإن جزء من المشكلة يكمن في تأرجح  السياسة الكويتية بين أن تصبح نظاماً ملكياً خالصاً و بين تصبح نظاماً برلمانياً، وتفاقم هذا الوضع يؤدى إلى وجود نظام انتخابي يكافئ  القبائل، ويوزع قوة التصويت بشكل غير متساو (حيث يحصل الكويتيون الذين يعيشون في الوسط فعلياً على ممثلين لقاء أصواتهم ويبلغ عددهم  ضعف أولئك الذين يحصل عليهم من  يعيشون بعيدا عن الوسط)، ويضمن نجاح المرشحين القادرين على عقد تحالفات غير رسميه، أو تحالفات من "أسفل الطاولة"، وشراء أصوات الناخبين وليس أولئك الذين يبنون الأحزاب والمؤسسات.

وليست الانقسامات في المجتمع الكويتي من صنع البرلمان، فهناك سنة وشيعة وليبراليون وإخوان وسلفيون، وأفراد العائلة المالكة وأشخاص عاديون، ورجال ونساء وتجار وموظفون وطلبة وقبائل وغير قبائل وبدو وحضر، ولن يستطيع أي نظام سياسي أن يتجاهل بشكل آمن و عادل، هذه الاختلافات في الرؤية والقيم والتاريخ و المصالح المادية و الثقافة، فالبرلمان ينبغي أن يكون المؤسسة التي يجتمع تحت مظلتها الكويتيون من مختلف التوجهات، لكي يقرروا معا الطريق الذي سيسيرون فيه، كما ينبغي أن يكون البرلمان المكان الذي يتمكن فيه أولئك الذين يختلفون مع الأغلبية، من الرد على هزيمتهم في قضية ما بمحاولة معرفة كيفية إقناع الأغلبية بدعمهم.

وسيعتبر ناقدو الديمقراطية الكويتية، في أعقاب انتخابات شهر مايو أن البرلمان قيد المحاكمة إلى حد كبير، فإذا لم يتم إصلاح العيوب الموجودة في الدستور الكويتي والنظام الانتخابي، فسيعتبر البرلمان نفسه مداناً وسيتلقى عقوبة بإيقافه عن العمل. ولكن مثل هذا الحكم سيكون حكماً مضللاَ، وعلى الأرجح لن تكون العقوبة سوى حل قصير الأجل في أفضل الأحوال. ومن المرجح في نهاية المطاف، أن يجد الكويتيون أن إصلاح نظامهم الديمقراطي سيخدم مصالحهم على نحو أفضل من تخليهم عنه.

ناثان براون - أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن

-------------------------------------------------------------------

صراع القبائل والديمقراطية الكويتية

العملية الانتخابية تنطلق من أساس تحقيق مصالح فئوية، ويخدمها في ذلك أن النظام الانتخابي لا يقوم على أحزاب أو قوائم انتخابية تجمعها برامج

ما تأثير الصراع الطائفي وصراع القبائل على أداء التيارات السياسية؟ وكيف ينعكس هذا التأثير على العملية الانتخابية وتطوير الديمقراطية الكويتية؟

بشكل عام نلحظ في الكويت خلال موسم الانتخابات العامة البرلمانية والبلدية، أن هناك ميلا للمشاركة والمساهمة في الانتخابات العامة من قبل المواطنين، متى ما زادت حدة الصراع الفئوي، سواء كان القبلي - القبلي أو أبناء الحاضرة مقابل أبناء البادية أو حتى الطائفي السني - الشيعي، وهذه الملاحظة تكشف أن هناك زيادة في المشاركة لأن الفئات تريد إيصال ممثليها.

وفي كل نظام ديمقراطي هناك قوتان، أغلبية تقابلها أقلية، وفي حال القواعد الانتخابية، فإن هناك مجموعة أقليات صغيرة ربما تواجه أقلية كبيرة، إلا أننا في الكويت نلمس جيداً أن النظام الانتخابي لدينا أفرز في بعض الدوائر الانتخابية، مجاميع قبلية، بعضها يحاول إثبات وجوده وتعزيزه، وأخرى تشعر بالتهميش، والعبرة بالنهاية بالرقم الذي تملكه كل أقلية أو مجموعة.

في الكويت بحسب النظام الانتخابي القائم حالياً، هناك خمس دوائر انتخابية، مقسمة اعتماداً على البعد الجغرافي، وهي نتائج لتجميع دوائر انتخابية أصغر، تم دمجها بحسب قربها الجغرافي، ومن بين هذه الدوائر هناك دائرتان يغلب عليهما الطابع القبلي، وهما الدائرة الانتخابية الرابعة والخامسة، إلا أن هذا الفرز القبلي، أوجد ثقلا لقبائل معينة على حساب أخرى، فرأينا أن هناك قبائل تشعر بالتهميش، لذلك لا تميل للمشاركة والتفاعل، لأنها تكاد تكون شبه مقتنعة، بأن صوتها ليس له قيمة أمام الأقلية الكبيرة أو الأقلية المتماسكة.

ولا يمكن وصف ما يحدث على مستوى العملية الانتخابية، بأنه تفاعل سياسي، فالمشاركة الانتخابية في هاتين الدائرتين مقارنة بالثلاث الأخريات، تعد قياس أو تثبيت أو زيادة وزن قبلي، بينما تحدث في البقية على مستوى أقل انطلاقاً من بعد طائفي سني - شيعي، أو طبقة تجارية مقابل طبقة متوسطة على المستوى الاجتماعي، وهذا يعني أن التفاعل في الانتخابات لا يكون مبنياً بالدرجة الأولى على المستوى السياسي، لأن العملية الانتخابية تنطلق من أساس تحقيق مصالح فئوية، ويخدمها في ذلك أن النظام الانتخابي لا يقوم على أحزاب أو قوائم انتخابية تجمعها برامج، لذلك ففردية التمثيل والاختيار تصب في مصلحة التمثيل الاجتماعي أو الطائفي أو القبلي، أكثر من كونه تمثيل سياسي، وأنا هنا لا أعمم لكنني أميل للقول بأن الحالة الأغلب هي كذلك.

ولعل مرد تحول المشاركة في الانتخابات العامة، عائد بالدرجة الرئيسة إلى التقسيم الحالي للدوائر الانتخابية، فهو يكشف لنا أن هناك خمس دوائر انتخابية، الثلاث الأولى يغلب على ناخبيها وناخباتها الطابع الحضري، مقابل الدائرتين الرابعة والخامسة التي تسيطر عليها قبائل، لذلك نرى نسبة تواجد التيارات السياسية أعلى في الدوائر الثلاث الأولى، منها في الرابعة الخامسة وأيضا نسب المشاركة في هذه الدوائر لا توازي قرينتها بالدائرتين ذاتا الحضور القبلي.

إن تطوير الوضع السياسي الحالي يكون بالعمل على الإيمان بأهمية التنظيم الجماعي، وهذا يأتي من خلال التوعية وإتاحة المجال أمام إشهار الأحزاب أو الجمعيات السياسية وتعديل النظام الانتخابي بما يسمح بتشكيل قوائم يقترع لها الناخب، بدلاً من الاختيار القائم على أساس فردي.

كما يتعين على الدولة الاتجاه ناحية الإدماج الاجتماعي من خلال المشاريع الإسكانية التي تستحدثها، بدلاً من تكتيل المواطنين في مناطق سكنية منضوية تحت دوائر انتخابية مفروزة قبليا، وطبيعة الصراع فيها يكون لمصلحة قبائل معينة أو فئات اجتماعية بعينها، لأن التوطين في هذه الحالة سيكون قائما على أساس وطني، وهذا يحتاج لأن يضمنه منظور الدولة الشامل على مستوى الخدمات العامة وغيرها من أمور ترتبط بالسكن، فمسألة عامة مثل هذه، تحتاج للمعالجة وفقا لمنظور شامل، ولا يمكن اجتزاء معالجتها، أو حصرها في إطار ضيق أو جزئي.

إن الصراع الفئوي في الكويت ومن خلال متابعتنا للانتخابات ومخرجاتها ومستويات التفاعل معها والمشاركة فيها، يقودنا للتأكيد بأنه يسهم بشكل مؤثر في زيادة نسبة المشاركة الفعلية في الانتخابات العامة، لكن هذا لا يعني أن هذه المشاركة، أساسها سياسي، وهذا التفاعل جيد على المدى القريب إلا أنه سينعكس سلباً على الكويت على المدى البعيد.

محمد عبد الله عبد القادر- نائب أمين عام المنبر الديمقراطي. 

-------------------------------------------------------------------

الصراعات الفئوية والمصلحة الوطنية

الساحة السياسية الكويتية بحاجة ماسة إلى خطة انقاذ وطنى يتم من خلالها تعزيز الوحدة الوطنية والعمل الجاد لنهضة الوطن بتقديم المصلحة العامة على المصالح الخاصة

ارتفاع حدة التنافس السياسي في الكويت، أدى إلى تراجع كبير في الأداء السياسي والتمسك بالنهج الديمقراطي وصعود الحركات السياسية  ذات الاتجاهات القبلية والفئوية.

تشهد المرحلة الحالية  تراجعاً كبيراً في الأداء السياسي والتمسك بالنهج الديمقراطي أثر سلباً على الساحة السياسية، وأوجد حالة من التردد والسلبية تجاه أطراف الساحة السياسية، والممارسة الحكومية والبرلمانية وتشكك عند البعض في جدواها على واقع ومستقبل الكويت السياسي، إضافة الى وجود أطراف متربصة تسعى لتقويض الحياة الديمقراطية وتجد لها فرصة ثمينة في ظل الأوضاع غير المستقرة، التي تشهدها الحياة السياسية الكويتية.

ولقد كان لميلاد الحياة الدستورية في الكويت سنة  1962، إيذانا للبعض وبالأخص السلطة ،في محاولة تطويع الحياة الدستورية والسياسية لتعزيز النفوذ والسلطة، من خلال التدخل السافر في العملية الانتخابية، او من خلال نوعية والية تشكيل الحكومات المتعاقبة، إضافة الى ممارسة لعبة التوازنات السياسية مع الكتل البرلمانية والقوى السياسية والمجتمعية، فعلى صعيد الانتخابات لعبة أطراف في السلطة ومنذ سنوات طويلة، لعبة خطيرة باستخدام منح الجنسية لعدد كبير من أتباع الجنسيات الخليجية والعربية، بهدف تغيير المعادلة السياسية وكسب الولاءات السياسية،  كما مارست ادوار أكثر خطورة، نشهد أثارها السلبية الآن، بتعزيز الولاء القبلي بتسهيل نقل القيود الانتخابية، وفقاً للتواجد القبلي في المناطق الانتخابية، وعززت لدى البعض بصورة مقصودة او غير مقصودة، الولاء المطلق للعائلة والقبيلة على الولاء أولاً للوطن.

ويعتبر ذلك من الأمور الخطيرة على النسيج الاجتماعي وترابطه، وأدى لتقسيم المجتمع إلى وحدات أصغر حجماً، وأكثر ضيقاً في الاهتمامات العامة، فهناك الحاضرة والقبائل وهناك تقسيمة القبائل ذاتها، فخوذها وعائلها، وهناك ما يسمى بالمناطق الداخلية والمناطق الخارجية.

لم تكن القبيلة وحدها مستهدفة فى التوظيف السياسي، فمكونات المجتمع الأخرى نالها التأثير السلبي، فالعديد من الطوائف والعوائل ذات الانتماءات المختلفة، أصابها فيروس الوجود والبقاء والسلطة، ورغبت أطراف تنتمي لتلك الطوائف والعوائل ، وأطراف من خارجها وبعضها قد يكون من التيارات السياسية، باستغلالها لتحقيق مصالح انتخابية وسياسية، وكان للطوائف واستخدام الورقة الطائفية في الانتخابات أثره السحري أحيانا، في تحقيق المآرب والنجاحات الانتخابية، فانقسم المجتمع الى مجتمع سني انتخابي ومجتمع شيعي انتخابي، وكل طرف يحاول أن يعزز فرص المنتمين له، ولو كان ذلك على حساب الكفاءة والولاء والصلاح والأمانة، وساهم ذلك في إيجاد ممثلين للأمة، هم بالحقيقة أكثر تمثيلا لطوائفهم او عوائلهم او انتماءاتهم المختلفة، كما ساهم ذلك كله في تسييس تلك العوائل والطوائف، فاخذ العديد منها يتعامل مع الأخر  بحسابات الكسب والخسارة السياسيتين، لا الكسب والخسارة في إطار الصالح العام للوطن.

وتعتبر التيارات والقوى السياسية إحدى مكونات المجتمع المدني وقد لعبت أدواراً كبيرة في الحياة السياسية الكويتية، وكان له الدور الأكبر في إيجاد الحياة الدستورية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإيقاف التجاوزات على المال العام، إلا ان تلك التيارات أصاب العديد منها الوهن، وهى في حالة من التراجع، في الأداء السياسي والتنظيمي الداخلي، انعكس سلباً على الساحتين السياسية والانتخابية، واستطاعت قوى النفوذ في السلطة وخارجها، اختراق البعض منها لتحقيق أهداف سياسية لها، كما ساهم هذا الاختراق في إضعافها وإضعاف أدائها في الساحة , إضافة الى صعوبة تلاقيها، أو العمل المشترك بينها وبين التيارات السياسية الأخرى في الساحة السياسية، وهو الامر الذى ساهم في إضعاف نتاج العملية الانتخابية، لصراعها على النفوذ والسلطة والمقاعد، ومن جانب أخر ضعف عملية الإصلاح السياسي لعدم تعاونها.

الساحة السياسية الكويتية بحاجة ماسة الى خطة إنقاذ وطني، يتم من خلالها تعزيز الوحدة الوطنية والعمل الجاد لنهضة الوطن بتقديم المصلحة العامة على المصالح الخاصة ونريد أجندة للتيارات السياسية تلتقي عليها، لها صفة الديمومة للإصلاح والتجديد والتطوير السياسي المخلص الجاد، ونريد إيمانا وتوافقاً بين السلطة والشعب، على أهمية الحياة الدستورية والديمقراطية.

محمد حسين الدلال - رئيس المكتب السياسي للحركة الدستورية الإسلامية.

-------------------------------------------------------------------

الكويت: أزمة ثقة بين سلطتين

لا تكون الأزمات بسبب علاقة، بل بسبب ضعف هيكلي في السلطتين، تتحمل الحكومة وزره الأكبر ويتحمل مجلس الأمة وأعضاؤه وزره الأصغر.

تنبع الأزمة من ضعف في أداء الحكومة الكويتية، وطريقة نهجها والتزامها بالدستور، وكذلك غياب تمثيل متجانس للسلطة التشريعية، يضعف أحد أكبر الأنظمة الديمقراطية في المنطقة.

قد يبدو للمتابع لتطورات وتداعيات الحياة السياسية في الكويت، وبالذات ما جرى ويجري خلال فترة السنوات الثلاثة الماضية، بأن هناك أزمة في العلاقة بين السلطتين، التشريعية ممثلة بمجلس الأمة والتنفيذية ممثلة بالحكومة، وقد نتج عما يفترض أنه أزمة في العلاقة بين السلطتين، الدعوة لانتخابات مبكرة عن طريق حل مجلس الأمة ثلاثة مرات، وإعادة تشكيل للحكومة كلياً أو جزئياً أكثر من مرة، وبالتالي إضفاء حالة من عدم الاستقرار السياسي، وإشاعة جو عام من الإحباط، وإعاقة التنمية، والتساؤل بجدية إذا كانت الديمقراطية بخير أو ممكنة التطبيق.

إلا أن حقيقة الأمر أبعد وأكثر عمقاً من مجرد علاقة مأزومة بين سلطتين، فالأزمة أكبر وأكثر تعقيداً من ظواهر الأمور، فهي مرتبطة أولاً بأزمة تعاني منها السلطة التنفيذية، "الحكومة" بالدرجة الأساسية، كما أنها مرتبطة بأزمة تعاني منها السلطة التشريعية، أي مجلس الأمة المنتخب، وإن بدرجة أقل.

فالحكومة بحاجة إلى إعادة إنتاج في نهجها وطريقة تشكيلها، وطبيعة بنيتها السياسية، ودرجة التزامها بالنهج الدستوري، وبالطبع ليس المقصود هنا الحكومة فحسب بل ينسحب ذلك على مؤسسة الحكم، والتي ظلت ولازالت تتعامل على طريقة خطوة للامام وخطوة للوراء، بخصوص التزامها بالديمقراطية، فموضوع الحل غير الدستوري لازال مطروحاً بين الفينة والأخرى، مع أنه من المفترض أن يكون قد انتهى أمره، ولا أدل على ذلك من أن الأزمة الأخيرة التي استعر أوارها.

في شهر مارس الماضي، كان موضوع الحل غير الدستوري مطروحا على الطاولة بل وأنه، كما أشيع، قد تم استبعاده في الدقيقة الخامسة والخمسين، قبل اكتمال ساعة القرار الذي صدر بالنهاية، وهو حل المجلس حلاً غير دستوري والدعوة إلى انتخابات مبكرة، وكذلك فان تركيبة الحكومة الهجين، والتي لا تتم بأي شكل من الأشكال على أساس الفريق المتجانس، يؤدي إلى إضعافها من الداخل، وعدم قدرتها على قيادة الحياة السياسية، مع أنها الأقوى من حيث الإمكانات اللوجيستية والسياسية، يضاف إلى ذلك انه لا يوجد أية رؤية واضحة شاملة، سواء على مستوى خطة عمل أو حتى اقل من ذلك بكثير، وهكذا يتحول العمل الحكومي إلى عمل نمطي يومي، أشبه ما يشبه إطفاء الحرائق السياسية، الناتجة عن مواجهات فرعية، بدلا من قيادة المجتمع وفق رؤية شاملة، أو حتى برنامج عمل.

ولعل الجانب الآخر من الأزمة هو السلطة التشريعية المنتخبة، فمجلس الأمة، هو عبارة عن خمسين عضوا منتخبا، يمثل كل واحد منهم حزبا قائما بذاته، مهما قيل عن وجود كتل وتنظيمات سياسية، سواء خارج المجلس أو داخله، وتفيد دراسة لسلوك تصويت أعضاء الكتل البرلمانية، حجم عدم الالتزام بين أفراد تلك الكتل ، بل إن تلك الكتل بعد سنوات من تشكيلها، والتي كان من المفترض أن تكون الخطوة الأولى في طريق إنشاء الأحزاب السياسية، لم تستطع أن تحافظ على تماسكها، بل تفككت، وتحولت إلى كيانات فردية، ما أدى إلى تحول المبادرات في المواجهة مع الحكومة، في اغلبها ناتجة عن مواجهات لأفراد بعينهم ، وليست لجماعات سياسية، وان أكثر تلك الموجهات حدة، ناتجة عن عمل فردي، يتم فيه إيقاف الحياة السياسية برمتها، وهو أمر ناتج عن فراغ يحتاج إلى من يملاه، يضاف إلى ذلك حالة من الضعف الإداري ، ودعم اتخاذ القرار بشكل فادح لدى مجلس الأمة.

هكذا إذاً، لا يمكن أن تكون الأزمات بسبب علاقة بل بسبب ضعف هيكلي في السلطتين، تتحمل الحكومة وزره الأكبر ويتحمل مجلس الأمة وأعضاؤه وزره الأصغر. وبدون إصلاح السلطتين فلن يكون هناك استقرار سياسي.

غانم النجار - أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت.

font change