كيف يمكن للعراقيين الحفاظ على الاستقرار وتحقيق المصالحة

كيف يمكن للعراقيين الحفاظ على الاستقرار وتحقيق المصالحة

[escenic_image id="556204"]

يتشوق العراقيون إلى أن يتخلصوا - أخيراً- بعد أكثر من ست سنوات من الاحتلال العسكري الأميركي، كما يتلهف الأميركيون إلى عودة قواتهم إلى وطنهم، إلا أن الشعبين العراقي والأمريكي - وكذلك قادتهم- يتقاسمون القلق. ومن ثم فإن الإفراط في سرعة الانسحاب يمكن أن يطيح بمكاسب أمنية تحققت بصعوبة خلال العامين الماضيين. ويدق  التصاعد في الهجمات الإرهابية في الآونة الأخيرة "ناقوس الخطر" حيث تظل المكاسب الأمنية "هشة" و"قابلة للانتكاس" (على حد تعبير الجنرال دايفيد بتريوس)،  وقد يكون سهلاًً على العراق أن يرتد إلى حالة الفوضى، وينذر  بإرهاصات اندلاع الحرب الأهلية في عامي 2004-2006.

ووفقاً للجدول الزمني الذي وضعه الرئيس الأمريكي  باراك أوباما في شهر فبراير الماضي، يفصلنا عامان ونصف العام عن الموعد النهائي لسحب جميع القوات الأمريكية من العراق (31 ديسمبر 2011)، إلا أنه لم تبق سوى أسابيع قليلة فقط على انسحاب القوات الأميركية (في إطار الاتفاق الثنائي) من المدن والبلدات العراقية بحلول نهاية يونيو القادم ويبقى خمسة عشر شهراً فقط قبل انسحاب معظم ما تبقى من أكثر من 130000 جندي أمريكي، وليس هناك وقت متسع لتحقيق مزيد من التقدم الكبير الذي يعد ضرورياً لتمكين العراق من المضي قدماً في تحقيق السلام كدولة فعالة بعد انسحاب الأميركيين.

وإذا أردنا للعراق بعد الاحتلال عدم العودة إلى العنف المروع أو الاستبداد، فلابد للعراق خلال أيام الاحتلال المنقضية بذل المزيد من الجهود لوضع الأسس لإقامة دولة قابلة للحياة ويمكن أن تحظى بدعم من شعبها، والرأي العام الأميركي والمجتمع الدولي. وهنا أسجل، من وجهة نظري، المتطلبات الأساسية لذلك:

الأمر الأول: لابد من تحقيق اتفاق دستوري أكثر شرعية وشمولية بين الجماعات السياسية الرئيسية والإقليمية والطائفية في العراق، وقد كان يجب عقد مثل هذا الاتفاق في عام 2005م. ولكن تم تهميش القوى السياسية السنية -إلى حد كبير- في عملية صياغة الدستور وأصبح السبب وراء انتصار مشروع الدستور في استفتاء 15 أكتوبر يرجع جزئياً إلى اتفاق أبرمه في اللحظات الأخيرة البرلمان الجديد (الذي تم انتخابه في ديسمبر) وكان من شأنه الإسراع في بدء عملية "تنقيح الدستور".

والآن، وبعد مضى أكثر من ثلاث سنوات، لم تكتمل هذه المهمة بعد يتطلب الاستقرار السياسي بعد الاحتلال تحقيق اتفاق دستوري واسع تتوافق عليه جميع الآراء على ملكية موارد البلاد من النفط والتحكم التشغيلي فيها، ويتطلب الأمر - أيضا- التحكم في توزيع العائدات من هذه الموارد، ويتعين الاتفاق على الهيكل الاتحادي للعراق وتوزيع السلطات بين قلب الدولة والمستويات الأقل من الحكومة، ويجب أن يشمل ذلك حلاً عاجلاً أم آجلاً لقضية كركوك المتفجرة.

ولا تزال الأمم المتحدة تلعب دوراً حيوياً في المساعدة على التوسط في هذه المسائل للتوصل إلى اتفاقات تلطف الأمور بدلاً من صب الزيت على نار العنف والتطرف.

الأمر الثاني: يجب على الحكومة العراقية أن تفي بالتزامها بإدخال جزء كبير من نحو 100000 فرد من "أبناء العراق" (أو ميليشيات الصحوة) وبين قوات الأمن ووظائف المدنيين، وقد لعبت هذه الميليشيات دوراً حاسماً في تحقيق الاستقرار في أجزاء رئيسية من الدولة وضرب تنظيم "القاعدة " في العراق. وهذه قنبلة موقوتة تنتظر أن تنفجر مرة أخرى في شكل عنف طائفي على نطاق واسع، إذا كان المقاتلون وأغلبيتهم من السنة، لا يشعرون بأنهم يحظون بأي نصيب في نظام سياسي جديد وأكثر شمولاً.

الأمر الثالث: من المهم جداً إصدار قرارات كافية لضمان عملية انتخابية سلمية ونزيهة ومنفتحة وتتمتع بالكفاءة في شهر ديسمبر المقبل، عندما يحل موعد تجديد ولاية البرلمان العراقي، ولا توجد وسيلة لتحقيق الاستقرار في العراق بعد احتلاله بالعودة إلى حكم القبضة الحديدية لطاغية. فذلك سوف يؤدي إلى حدوث انقسامات حادة في العراق لقبول شخصية مثل صدام حسين أيا كان شكل هذه الانقسامات.

إن تحقيق نظام سياسي ديمقراطي، هو فقط الذي يملك فرصة جيدة لتمكين العراق من تحقيق نوع من الحياة الطبيعية والازدهار بوصفها دولة ذات سيادة تامة. وهو نظام تدرك كل المجموعات داخله أن أمامها المزيد لتحققه عندما تلعب اللعبة السياسية، وتمارس بعض تقاسم السلطة بدلاً من العودة إلى الكفاح المسلح، وهذا يعني أن هناك الكثير من العمل الواجب القيام به من الآن لضمان إدارة منصفة وفعالة، ولتسجيل الناخبين والاقتراع وفرز الأصوات؛ وطرح عادل ومتوازن في وسائل الإعلام خلال الحملة الانتخابية، ومراقبة واسعة من خلال الأعمال التحضيرية والتصويت والفرز من قبل الجماعات المحلية في المقام الأول.

ولكن في حضور المراقبين الدوليين أيضاً، وسوف يتطلب ذلك وجود تدابير أمنية قوية ونشطة لتقليل العنف وضمان توفير جو من الحرية للحملة الانتخابية، ومع ذلك لا ينبغي للأمن أن يشل الأمور ويمنع الكثيرون من أن يكونوا قادرين على التوجه إلى صناديق الاقتراع على غرار ما حدث في انتخابات المحافظات في شهر يناير.

الأمر الرابع: يلزم اتخاذ إجراءات أكثر يقظة واستمرارية لمكافحة الفساد، الذي يحول الثروات التي يمكن استخدامها لإعادة بناء البنية التحتية العامة، من توليد الكهرباء وإنشاء المدارس وتقديم الرعاية الصحية وتنشيط الاقتصاد وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين.

فالمشكلة خطيرة الآن أكثر ما كانت عليه في عام 2006، ,عندما قال المفتش العام الأمريكي لإعادة أعمار العراق، ستيوارت دبليو بوين جونيور، أن العراق يخسر نحو 10 % من الدخل القومي (4 مليارات دولار في ذلك الحين) نتيجة للفساد، ويمكنك أن تعلم أن البلد يواجه مشكلة خطيرة عندما يضطر رئيس لجنة النزاهة العامة للفرار بسبب تهديدات بالقتل، لذلك لابد من تقوية موارد اللجنة وقدرتها على التحقيق والتنفيذ.

وأخيراً..إن هناك ثمة عنصر من عناصر الدولة لا يمكن اختزاله ويمكن أن يقف بمفرده وهو "الاحتكار الرسمي لوسائل العنف". وهذا يعني أن الجيش العراقي والشرطة وأجهزة المخابرات لابد أن تتوافر لديها القدرة على مواجهة واعتقال كل منافسيها وهزيمتهم، ولكن أن يحاول مسئولوا مكافحة الفساد، يرافقهم جنود الجيش، القبض على مسئولي وزارة التجارة الفاسدين فيقابلهم وابل من الرصاص ويهرب تحت ستاره المسئولون، وهذا الأمر دليل على وجود دولة ضعيفة لا تستطيع فرض سلطتها.

وينطبق نفس الأمر على الحوادث المتصاعدة للتفجيرات الإرهابية التي وقعت في الموصل وبغداد وأماكن أخرى، وتصاعد حدة التوتر في كركوك، إنه لأمر حيوي أن تواصل العراق بناء كفاءة وقدرة الجيش العراقي والشرطة مع ضمان أن تكون مرجعيتها ديمقراطية، وخاضعة للمسئولين المنتخبين. وهو أمر ضروري لتمكين العراق من تولى أمر البلاد حيث تنسحب القوات الأمريكية.

لاري دايمند - كبير مسؤولي  معهد هوفر ومدير مركز تنمية الديمقراطية وحكم القانون فى جامعة ستانفورد – كليفورنيا.

font change