دافع عن الملكية ورثى عرشها، فهل يعاد تتويجه رئيسا !

دافع عن الملكية ورثى عرشها، فهل يعاد تتويجه رئيسا !

[escenic_image id="554959"]

ليس من المؤكد أن يستطيع الرئيس الأفغاني الحالي حامد كرزاي، حسم السباق الرئاسي من الجولة الأولى، في الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في أغسطس " آب" المقبل، رغم أن كرزاي حصل على حوالي 55% من أصوات الناخبين الأفغان في اقتراع 2005م، إلا أن بينه وبين ذاك النصر طريق وعر سالت فيه دماء كثيرة من عرقية البشتون الذين صوتوا لصالحه وأجلسوه على سدة الرئاسة في قصر "جل خانه" بكابل، فالبشتون اختاروا كرزاي المنحدر من قبيلة "بوبلزاي" ، إحدى أكبر القبائل البشتونية الأفغانية والتي تنتسب إليها سلالات ملكية حكمت أفغانستان، من ضمنهم عائلة الملك محمد ظاهر شاه، آخر ملوك أفغانستان.

ولد حامد كرزاي في قندهار عاصمة الجنوب الأفغاني في شهر ديسمبر " كانون الأول" عام 1957م، وكان أبوه عضواً في البرلمان الأفغاني عن ولاية قندهار خلال عهد الملك محمد ظاهر شاه، ويمكن القول إن كرزاي ورث احترام قبيلة بوبلزي لأبيه المُتنفذ عشائرياً، وصاحب الأملاك التي هيئت للابن حامد أن يكمل دراسته التي أنهى مرحلتها الأساسية في مدارس قندهار ثم في مدراس العاصمة الأفغانية كابل، ليرسله الأب بعد ذلك إلى الهند فيحصل عام ألف وتسعمائة وثلاثة وثمانين على درجة بكالوريوس العلوم السياسية من جامعة هيمشال براديش في الهند Himchal Pradesh, shimlah, India  ، وفور انتهاء دراسته عاد الابن إلى باكستان حيث العائلة التي نزحت بسبب الغزو السوفيتي لأفغانستان، وبدأ كرزي حياته السياسية بجمع وإيصال الدعم المالي والعسكري للمجاهدين الأفغان، وتردد الكثير في انضمامه لحزب السيد جيلاني "كبير الطريقة الصوفية الجيلانية في أفغانستان"، لكن الثابت أنه كان يشهر دعمه للملك المخلوع محمد ظاهر شاه رغم معارضة غالبية أحزاب المجاهدين لعودة الملك إلى أفغانستان.

ومن المعروف أن جهاز المخابرات المركزية الأمريكية كان صلة  بالمجاهدين الأفغان خلال الحرب الباردة، وكان كرزاي أحد همزات الوصل بين دوائر صنع القرار في واشنطن، وبعض زعامات الجهاد الأفغاني، و يرجع البعض ذلك إلى علاقات قوية ربطت أحد إخوته الستة بمتنفذين داخل أجهزة الإدارة الأميركية، خلال دراسة حامد في الهند، ولهذا هاجر الأخوة جميعاً إلى الولايات المتحدة خلال الثمانينات وأسسوا هناك سلسلة مطاعم، بينما بقى حامد متنقلاً بين إسلام آباد وكويتا في باكستان، ليدخل كابل مع المجاهدين الذين أسقطوا حكومة الدكتور نجيب الله الشيوعية عام اثنين وتسعين.

تمت مكافئة الشاب الطموح بتعيينه وكيلاً لوزير خارجية حكومة المجاهدين الدكتور عبد الله عبد الله، والذي أصبح أيضا وزيراً للخارجية في السنوات الأولى من تولي كرزاي الرئاسة.

نأى حامد كرزاي بنفسه عن حمامات الدم التي سالت بين المجاهدين وسافر إلى روما ليلتقي بالملك، ويعود بعدها إلى باكستان كأحد ممثلي الملك، والداعين إلى عودته باعتباره الملاذ الآمن من الحرب الأهلية، والذي ستتوحد حوله العرقيات الأفغانية، ومن المؤكد أن "كرزاي" كان أحد الموقعين على وثيقة تدعم حركة طالبان عند ظهورها في قندهار، وانضم إليهم خاصة أن بياناتهم الأولى لم تشر من قريب أو بعيد إلى طمعهم في الحكم، بل إلى وقف الاقتتال الداخلي، وحاول كرزاي أن يقنعهم بتبني فكرة شورى القبائل "لويا جركا" التي تعيد الملك المخلوع إلى كابل، لكن المخابرات الباكستانية كانت سيطرت بالفعل على الحركة ودفعتها للحكم، فعارض كرزاي الحركة وجاهر بمعارضة التدخل الباكستاني فاغتيل والده عبد الأحد كرزاي بالرصاص أثناء خروجه من مسجد في كويتا، وطلب من الابن حامد مغادرة الأراضي الباكستانية خلال 48 ساعة في يوليو " تموز" عام تسعة وتسعين، فلحق الابن بإخوته في الولايات المتحدة.

ذكر مايكل مور في فيلمه الوثائقي فهرنهايت 9 11 أن حامد كرزاي عمل كمستشار في شركة "يونوكال" العملاقة، وأشارت "اللوموند" الفرنسية إلى ذلك، لكن "يونوكال" و"كرزاي" مازالا ينفيان ذلك، لما يمكن أن يُفهم من عمله في الشركة وعلاقته برموز إدارة بوش. سواء عمل كرزاي مع يونوكال أم لا، فلم يثبت أنه حصل على الجنسية الأمريكية، ويمكن أن يكون قد حصل على "الغرين كارد" خلال إقامته هناك والتي قُطعت بسبب أحداث سبتمبر " أيلول" التي كانت بمثابة موجة اعتلاها كرزاي.

انهمك القادة الأفغان الكبار أعداء طالبان بعقد تحالفات ومباحثات حول كيفية الاستفادة من الوضع الراهن للتحالف مع القوات الدولية في إسقاط طالبان، وبدءوا في تقسيم كعكة الحكم ربما قبل أن تنطلق رصاصة واحدة، لكن كرزاي كان قد وصل إلى كويتا وبدء العمل الميداني في جمع العشائر البشتونية الموالية له، أو التي تضررت من طالبان، ونقلت الصور في ذلك الوقت كرزاي يتحدث في هاتف الثريا عبر القمار الاصطناعية ويتنقل بين المناطق لتأليب البشتون على طالبان، وأثناء الحرب حوصر كرزاي داخل أفغانستان وكادت طالبان أن تفتك به، لكن غارة أمريكية دقيقة وسريعة أنقذته ومن معه، وفي تلك الإثناء  وبينما  كان الأخضر الإبراهيمي ممثل الأمم المتحدة الخاص لأفغانستان يعقد اجتماعا للقادة الأفغان في مؤتمر بون لبحث مستقبل البلد، كان كرزاي في الميدان، رغم أنه لم يحمل السلاح في حياته، وعندما مل الإبراهيمي خلافات القادة الأفغان، أسمعهم حديثا هاتفيا مع كرزاي ليُعرفهم على من يقود الحرب ضد طالبان في قندهار معقل الحركة.

تميزت علاقة الأخضر الإبراهيمي بكرزاي، وكان من أكثر المتحمسين لوصل كرزاي  إلى سدة الرئاسة الأفغانية، وفي هذا الصدد ينقل مراقبون حضروا  اجتماعا مغلقا في بون سنة 2001 أن  الإبراهيمي قرر أن يصوت أحد عشر من الزعامات الأفغانية التاريخية على الرئيس القادم، وحصل كرزاي على صوتين فقط، بينما حصل الدكتور عبد الستار سيرت على أغلبية الأصوات، لكن الإبراهيمي قرر أن كرزاي هو أصلح من يحكم لأنه بشتوني والدكتور سيرت أوزبكي، ولم يسمح الإبراهيمي للحضور بالخروج قبل أن يوافقوا على كرزاي رئيس الفترة الانتقالية في أفغانستان، ويمكن الاستدلال على قوة العلاقة بين الاثنين، عندما منح كرزاي  الجنسية الأفغانية للإبراهيمي، عند انتهاء مهمته الأفغانية .

تفاءل الأفغان بكرزاي، فهو وجه جديد لم يتورط في الحرب الأهلية، ولم تلوث الدماء يده، كما أنه متحدث جيد استطاع إقناع العامة، خاصة بسبب الاحترام الزائد الذي كان يوليه للملك السابق محمد ظاهر شاه، الذي عاد إلى أفغانستان وأصر كرزاي على منحه لقباً خاصاً في الدستور الأفغاني كأب لأمة الأفغان، وكان كرزاي ينحني عند تحية الملك ويخلي الكرسي الخاص بالرئيس كلما جمعتهم مناسبة.

تعرض كرزاي لعدد من محاولات الاغتيال كانت الأولى في قندهار في شهر سبتمبر "أيلول" ألفين واثنين، ونجا منها كما آخر محاولة أثناء الاحتفال بالعيد الوطني الأفغاني في أبريل " نيسان" عام 2008م.

منذ أن وصل كرزاي إلى القصر الرئاسي في ديسمبر "كانون الأول" 2001م، وهو على علاقة ممتازة برموز الإدارة الجمهورية الأميركية، ولم تقصر تلك الإدارة في دعمه وإن تسببت الإستراتيجية العسكرية الأميركية في مقتل الكثير من المدنيين في مناطق البشتون، مما دفع بكرزاي خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة إلى توجيه اللوم والنقد لتلك الممارسات، التي حتما ستتسبب في فقدانه الكثير من الشعبية في منطقة نفوذه، لأنه لم يستطع حماية أهاليها.

الانتخابات الأفغانية المقبلة خلال أسابيع لن تكون سهلة على كرزاي، فربما تقصيه عن الساحة الأفغانية ليمضي بقية حياته في الولايات المتحدة مع ابنه من زوجته زينت كرزاي.

مازن أمان - صحفي متابع للشؤون الأفغانية

font change