تطلعات جديدة لمشكلات قديمة

تطلعات جديدة لمشكلات قديمة

[escenic_image id="554979"]

بينما أُغلقت كافتيريا "الغرب المتوحش" أبوابها، فُتح مطعم جديد في المدينة أبوابه، وأصبحت الأضواء أكثر خفوتاً والموسيقى أكثر عذوبة وافترشت الموائد بمفارش جديدة، وأطل الشيف برأسه من المطبخ مرة أو مرتين ليعلن أنه يقوم بإعداد قائمة مأكولات جديدة، أما النوادل الذين يرتدون شارات مكتوب عليها "جورج ودينيس" فقد اتجهوا نحو مائدتنا ليسألونا عما نرغب في تناوله. والآن نحن في انتظار الوليمة.    

بالتأكيد التشبيهات المجازية قد لا تصيب كبد الحقيقة دائماً، وينبغي ألا نبالغ في قبول هذه المقارنة المجازية أيضاً، لكنها تجسد حالة المغازلة بين الشرق الأوسط المترقب وإدارة أوباما التي لا تزال في مهدها، والآن مر على الرئيس الأمريكي الذي وعد بالتغيير الذي  يشمل الشرق الأوسط كله  100 يوم في منصبه الجديد، فما هو الجديد الذي تحقق على أرض الواقع؟

وبالحكم من خلال ما شهدناه إلى الآن كلمة "جديد" ، هي أكثر ما يمكن أن ينطبق على اتجاه هذه الإدارة في التعامل مع مشكلات السياسة الخارجية، فلقد طرحت هذه الإدارة جانباً فكرة رعاة البقر المتنمرين وتستخدم بدلاً منها لغة الدبلوماسية الحديثة مشددة على الاحترام المتبادل والشراكات والحاجة إلى النضج في العلاقات الدولية.

وهذا أيضاً اتجاه واقعي، إذا ما أدركنا أن السياسات السيئة لا يمكن أن تقنع الأجانب عن طريق استخدام الأساليب الإعلانية لماديسون أفنيو وإنه لإتجاه نشط يسعى إلى تحقيق زخم حقيقي بشأن أصعب النزاعات في العالم. وكان إرسال دبلوماسيين محنكين وهما جورج ميتشيل ودينيس روس إلى منطقة الشرق الأوسط جزءاً من هذا النشاط.

وقد أوضحت إدارة أوباما - أيضاً- بعض الأهداف الإستراتيجية الفضفاضة والتي من بينها تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، وترى الإدارة الجديدة في هذا الاتجاه ضرورة من أجل التقليل من التهديدات الإرهابية للولايات المتحدة إلى أدنى درجة ممكنة.

وحيث إن القضية الفلسطينية بمثابة الحدث الأبرز بالنسبة للمسلمين في كل مكان، وُضع التوصل إلى اتفاقية سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، في صدارة قائمة أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة. كل هذا جيد، لكن ما الذي أنجزته الإدارة الجديدة إلى الآن؟ يقول مهران كامرافا مدير مركز الدراسات الدولية والإقليمية في كلية الشؤون الدولية في قطر التابعة لجامعة جورج تاون: "هناك شعور جديد سائد". 

وأضاف كامرافا قائلاً: "إن الكلمة التي ألقاها أوباما في تركيا قد أصلحت الكثير مما تسببت فيه إدارة الرئيس السابق بوش التي كانت مغرمة بعبارات من قبيل "الفاشية الإسلامية".

ويقول نديم شهادي وهو متخصص في شؤون الشرق الأوسط بمعهد لندن الملكي للشؤون الدولية: "إن الرئيس الجديد يستفيد من "تأثير أوباما" والذي يعد نقيضاً للموروث السلبي الذي خلفه تأثير بوش، فقد تحول زمام الأمور من رجل لا يستطيع أن يفعل سوى ما هو خاطئ إلى رجل لا يمكنه أن يفعل أي أخطاء"، ويضيف شهادي: "لكن هذه الميزة سرعان ما ستزول إذا لم تتحقق نتائج ملموسة تدعم التوقعات الهائلة والآمال العريضة".

وفيما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، تعززت الآمال والتوقعات نتيجة لاختيار ميتشيل مبعوثاُ إلى الشرق الأوسط. فهذا الرجل مفاوض جيد يتسم بسعة الصدر والنزاهة، وقد أشار مسئولون أميركيون أيضاً إلى أنهم لن يتركوا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو الذي التقي أوباما منتصف مايو أيار، يثنيهم عن فكرة حل الدولتين.

 وقد تحدث جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي بشكل سافر إلى اللوبي الصهيوني قائلاً : "يتعين على إسرائيل العمل من أجل التوصل إلى حل لدولتين، قد لا يعجبكم كلامي هذا لكن ينبغي ألا تقوموا ببناء مستعمرات جديدة وأن تقوموا بحل النقاط الحدودية الحالية وإتاحة حرية التحرك للفلسطينيين والوصول إلى فرصة اقتصادية"، جاء هذا نقلاً عن صحيفة "هآرتز".

وقال المحلل السياسي، معين رباني الموجود في عمان: "إذا نظر المرء إلى ما قيل حتى الآن، فإنه سيجد أن أوباما قد جدد الالتزام الأميركي بتنفيذ حل دولتين لشعبين، ولكن لا توجد أية دلائل على أن الولايات المتحدة ستكون قادرة على إجبار الطرفين على تنفيذ هذا الحل خاصة مع استمرار هدم عدد كبير من المنازل في القدس وتوسيع المستوطنات اليهودية.

وقد جاء حديث ربانى قبل التقارير الصحفية الأخيرة التي ذكرت أن إدارة أوباما تعكف حالياً على وضع مبادرة سلام جديدة من المتوقع الكشف عنها في غضون أسابيع، والتي من المنتظر أن تكون الدول العربية وأوروبا وروسيا أطرافا فيها، وسيكون من ضمن العناصر الرئيسية في هذه المبادرة تعديل خطة السلام العربية لعام 2002 فيما يتعلق بالقضايا الشائكة مثل حق الفلسطينيين في العودة والرقابة الدولية على أجزاء من القدس، و ذلك وفقاً لما جاء بصحيفتي القدس العربي و هآرتس.

ويعد منع الانتشار النووي هدفاً استراتيجياً آخر من أهداف الإدارة الأميركية الجديدة، مثلما كان الهدف السابق، كما يحظى هدف الحد من طموحات إيران في أن تصبح دولة مسلحة نووياً بأولوية كبيرة بين الأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة.

وقد أرسلت واشنطن إشارات عديدة إلى طهران معربة عن استعدادها لفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين. إلا أن إيران لم تستجب إلى هذه المبادرات الطيبة من جانب الولايات المتحدة، مما أثار موجة من الاحتجاج بين الدول العربية والمعلقين السياسيين.

وقد قال مصطفى العاني، المحلل السياسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، و الذي يعمل بمركز أبحاث الخليج بدبي: "ليس لدينا  مشكلة في "فتح حوار" مع أميركا، لأننا نعرف أن أميركا تعاني من  مشكلات في أفغانستان والعراق. و لكن لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب الدول العربية"، و أضاف قائلا: "لا ينبغي القيام بأي تنازلات أو إعطاء أي وعود دون إبلاغ الدول العربية أولا".

وقال العاني: "إن المخاوف الرئيسية للدول العربية تتعلق باحتمال تقبل الولايات المتحدة لامتلاك إيران القدرة على صنع الأسلحة النووية، وإن لم يكن هذا يستتبع بالضرورة امتلاكها لقنبلة نوويه ولكن بالنسبة للدول العربية ليس هناك فرق بين امتلاك القدرة على بناء القنبلة النووية وامتلاك القنبلة النووية نفسها"

 ووفقاً لما قاله العانى فإن العرب قلقون من احتمال تقبل الولايات المتحدة الضمني لتدخل إيران في الشؤون الداخلية العربية من خلال دعمها لحزب الله وحماس، و تصريحاتها العدوانية تجاه دول الخليج العربية. حيث قال العانى: " الدول العربية ليست على استعداد لتقبل هذه الرؤية "النيكسونيه" التي ترى أن إيران تمثل "الشرطي" بالنسبة لمنطقة الخليج. فلم تعد الدول العربية لديها القدرة على احتمال هذا الأمر أكثر من ذلك".

وقد حاول المسئولون الأمريكيون تهدئة المخاوف العربية في مناسبات عديدة، كان آخرها ما صرح به وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في تصريح لوكالة "فرانس برس"، خلال زيارته لمصر والمملكة العربية السعودية في أوائل مايو الماضي، حيث قال: " إن أي نوع من أنواع التواصل مع إيران لن يكون على حساب علاقتنا طويلة الأمد مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج".

وأخيراً، فإن الحكومة الأمريكية تبدو أقل اهتماماً بحقوق الإنسان والديمقراطية، بالمقارنة مع إدارة جورج بوش السابقة، وهو موقف من المرجح أن يحظى بتأييد ومصر والمملكة العربية السعودية. كما تبدو الرياض راضية عن سياسات إدارة أوباما، خاصة تلك المتعلقة باعتزامها الاشتراك مع المملكة العربية السعودية في حل مشاكل المنطقة الكبيرة، حيث يناسب هذا الأمر أيضا صناع السياسة السعودية الذين لم يعودوا قادرين على حد قولهم على تحمل معاملة واشنطن لهم على أساس كونهم تحت تصرفها ورهن إشارة منها.

و قال أحد السعوديين الذين لهم علاقات وثيقة مع الحكومة السعودية: "إن السعوديين لم يعودوا قادرين على احتمال فكرة وضعهم تحت المجهر واعتبارهم مرضى، فنحن الآن شركاء للولايات المتحدة سواء أكانت القضية هي قضيه أفغانستان أو باكستان أو الاقتصاد بشكل عام، فنحن لم نعد أمراً مفروغا منه حيث يمكنني أن أقول لكم إن الأميركيين قد أصبحوا يتعاملون معنا كما ينبغي أن يفعلوا، فهم الآن يطلبون مشورتنا كأصدقاء، بعكس الطريقة التي كانوا يتعاملون بها معنا في الماضي".

وبطبيعة الحال، قد تحدث أمور غير متوقعة تعرقل تنفيذ سياسات إدارة أوباما. فالعنف من شأنه أن يغير الديناميكيات، وتعد العراق أحد الأماكن التي من المرجح أن يتفجر فيها العنف، حيث من المرجح أن يؤدى انسحاب القوات الأمريكية إلى "نتائج عكسية"، كما يقول السيد شهيدى من المعهد الملكي. كما يمكن أن يؤدى هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية في إيران، أو حرب جديدة بين إسرائيل وحماس وحزب الله، إلى عرقلة التقدم في العثور على حل لمشاكل المنطقة المستعصية و"من ثم قد لا تكون الوجبة المقدمة في مطعم الحي الجديد ذات مذاق شهى كما كان متوقعاً لها".

كاريل ميرفي - حائزة على جائزة بوليتزر عام 1991 وصحفية مستقلة مقيمة بالرياض وكاتبه كتاب "الشغف بالإسلام".

font change