امتلاك القدرات النووية بالنسبة للبلدين مدخل لاعتراف دولي بالدور الإقليمي

امتلاك القدرات النووية بالنسبة للبلدين مدخل لاعتراف دولي بالدور الإقليمي

[escenic_image id="555022"]

شار الرئيس الأمريكي باراك أوباما في كلمة ألقاها مؤخراً في براغ إلى أن حظر انتشار الأسلحة النووية ومنع وصولها للشبكات الإرهابية  على نحو خاص سوف يكون في صدارة أولويات إدارته. وإذا كان الأمر كذلك، فسوف يتعين عليه أن يسعى للوفاء بوعده بالجلوس على طاولة المفاوضات مع إيران وكوريا الشمالية، وإلا ستذهب الجهود المبذولة لحظر انتشار الأسلحة النووية أدراج الرياح.

وتعتبر إيران وكوريا الشمالية من الدول المحورية في شبكة نشر الأسلحة النووية دولياً. فكلتا الدولتين تمتلك أسلحة متطورة للدمار الشامل وبرامج نووية متقدمة وقبلت على مضض بالجهود الدولية الرامية إلى رصد منشآتها النووية. فوفقاً لتصريحات محمد البرادعي الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لم تتعاون إيران مع مفتشي الوكالة في القيام بمهامهم المتعلقة بالتحقق من أنشطة إيران النووية. وبالنسبة  لكوريا الشمالية، تم طرد المفتشين من البلاد في 16 أبريل. وبذلك فإن كلتا الدولتين لا تتعاونان مع الجهود الدولية المبذولة للتحقق من برامجها النووية، وكذلك فإن هناك قصوراً في معرفة كل منهما ببرامج أسلحة الدمار الشامل ومراقبتها.   

وقد تسارعت عملية تطوير البرامج النووية والصاروخية والكيماوية لإيران في المراحل التي أعقبت حربها مع العراق التي نشبت في الفترة ما بين عامي 1980-1988. فعندما أدرك القادة الإيرانيون أن بلادهم تعاني من ضعف عسكري مقارنة بجارتها المعادية، اتخذوا قراراً بتحسين قدراتهم الدفاعية والهجومية.

وخلال فترة التسعينيات، تمكنت طهران من تطوير برامجها وتدريب علمائها وتنمية معرفتها بتصنيع أسلحة الدمار الشامل وتعزيز قدراتها النووية، وذلك من خلال مساعدة الصين وروسيا لها وتعاونها مع شبكة عبد القادر خان السرية لنشر تكنولوجيا الأسلحة النووية ونقل هذه التكنولوجيا عن شركات أوروبية.  

وحتى بالرغم من أن توسع إيران في برامجها النووية جاء في الأساس كرد فعل  لاعتداء العراق، فإنه وفقاً لوكالة المخابرات الأمريكية (CIA)، هناك عاملان خارجيان وعامل محلي/ إقليمي يمكن أن يقدما لنا أفضل تفسير لمضي طهران قدماً في تطوير هذه البرامج في الوقت الحالي.

فبدايةَ يعتبر القادة الإيرانيون وجود القوات العسكرية الأمريكية في الخليج العربي بمثابة تهديد لطهران. وقد تزايدت مخاوفهم من غزو أمريكا لبلادهم خلال إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش وعلى وجه أخص عقب الانهزام السريع لقوات صدام حسين على أيدي القوات الأمريكية في مارس- أبريل 2003. وقد توصل القادة الإيرانيون إلى أن امتلاك رادع نووي بمثابة أفضل ضمان في مواجهة أي غزو أمريكي. وانتخاب باراك أوباما سوف يقلل من هذا الخوف لكن من غير المحتمل أن يزيله تماماً إذا أخذنا في الاعتبار العداوة بين واشنطن وطهران التي دامت ثلاثة عقود.

وإضافة إلى ذلك، يعتبر القادة الإيرانيون إسرائيل التي تمتلك سلاحاً نووياً بمثابة تهديد لبلادهم. ووفقاً للعديد من التقارير الإعلامية، حاول القادة الإسرائيليون في ربيع 2008 الحصول على الدعم الأمريكي لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

ولم يمنع هذا الهجوم سوى معارضة الرئيس بوش له. ومع ذلك، فإنه مما لاشك فيه أن القادة الإيرانيين يتساءلون عما إذا كان من الممكن أن يقبل رئيس أمريكي مستقبلاً هذا الهجوم. صحيح أنه من غير المتوقع أن يحدث ذلك في عهد الرئيس أوباما ولكن التحول إلى اليمين الإسرائيلي يعني أن تل أبيب قد تدرس خططاً جديدة تهدف إلى شن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية في ظل قيادة رئيس أمريكي أكثر تحيزاً لإسرائيل. أيضاً يعتبر القادة الإيرانيون أن تطوير برنامج نووي هو أفضل وأعقل خيار للتغلب على مخاوفها من أي هجوم من قبل قوات أجنبية.

ويأتي آخر عامل مهم في تحديد قرار طهران بمواصلة تطوير برامجها، ولاسيما  النووية منها وهو مكانتها المحلية والقيادة الفكرية للعالم الإسلامي. وربما اختفى العداء بين آية الله في إيران وصدام حسين، ولكن لا تزال إيران تنافس على زعامة العالم الإسلامي بجانب مصر والمملكة العربية السعودية. وبلا شك سوف تزيد حيازة الأسلحة النووية المكانة الإقليمية لإيران، وفي الوقت ذاته تدعم قبضة قادته على السلطة. وتتناقص قدرة قادة إيران في الوقت الحالي على توفير الرخاء لشعبهم.

وفي حالة كوريا الشمالية، فإن برامج أسلحة الدمار الشامل والبرامج النووية تعود إلى عقد الخمسينات. وقد سمحت التقنية السوفيتية والمعرفة بالنقل لبيونج يانج بتطوير برامج أولية. ولكن قبل تفكك الاتحاد السوفيتي كانت هذه البرامج لا تزال في مرحلة مبكرة. ولكي تضمن كوريا الشمالية البقاء في وقت انهارت فيه الأنظمة الشيوعية في كل مكان قرر قادتها استخدام ما يصل إلى 40% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد للإنفاق على الجيش. وكان من أهم أولويات كوريا الشمالية تطوير صواريخ ذاتية الدفع وبرامج البلوتونيوم واليورانيوم المخصب. وساعد هذان العنصران على  اشتراك كوريا الشمالية في شبكة الانتشار النووي.

وبالمثل كما هو الحال بالنسبة لإيران، فإن الاعتبارات الخارجية والداخلية والإقليمية تفسر سبب تطبيق كوريا الشمالية حالياً برامج أسلحة الدمار الشامل والبرامج النووية. تشعر بيونج يانج أولاً وقبل كل شيء بأنها مهددة من واشنطن. ورغم أن كوريا الشمالية كانت تسعى وراء تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة منذ عقد السبعينات، فإن هذا لم يحدث بعد.

لا يزال كلا البلدين في حالة حرب من الناحية العملية، وأدرجت واشنطن كوريا الشمالية في قائمة "محور الشر" في شهر يناير من عام 2002، مما لم يساعد على بناء الثقة. وفقاً للبيانات المشتركة للمحادثات السداسية في سبتمبر 2005 وفبراير وأكتوبر 2007، تلتزم واشنطن وبيونج يانج بالعمل من أجل التطبيع. وما دام هذا لم يحدث فإن نظام كيم يونج الثاني ليس من المحتمل أن يلغى برامجه النووية وحتى أمر تفكيك الصواريخ الباليستية ليس قيد المناقشة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقع كوريا الشمالية في منطقة تضم اثنتين من القوى النووية وثلاث دول لديها القدرة على تطوير الأسلحة النووية في غضون بضعة أشهر إن لم يكن أسابيع، بالإضافة إلى عدد كبير من الوحدات العسكرية الأميركية. ولذلك ترى كوريا الشمالية حيازة الأسلحة النووية باعتبارها وسيلة لا يراها الآخرون قوة إقليمية. وأيضاً، كما هو الحال مع طهران، لا تستطيع كوريا الشمالية النهوض بأعباء مواطنيها. ولهذا تعمل البرامج عالية التطور لأسلحة الدمار الشامل والبرامج النووية على تعزيز المكانة المحلية لقادة كوريا الشمالية أيضا.

وهكذا تبرز إيران وكوريا الشمالية كطرفين لشبكة الانتشار النووي. وفي السنوات القليلة الماضية، ساد الاعتقاد بأن إيران الغنية قد استوردت تقنية ذات استخدام مزدوج ومواد خاصة بالتسليح من بلدان مختلفة مثل الصين والهند وكوريا الشمالية وباكستان وروسيا. وفي المقابل، صدرت كوريا الشمالية والتي تعانى من ضائقة مالية أسلحة دمار شامل وتقنية نووية إلى إيران وليبيا وسوريا واليمن من بين بلدان الشرق الأوسط.

وقد تم تطوير برامج كوريا الشمالية محليا في الغالب ولهذا فهي مناسبة جدا للتصدير. وجاء الإطلاق الأخير لصاروخ أو قمر صناعي في جزء منه ليختبر آخر التطورات في برنامج الصواريخ لكوريا الشمالية. وليس من قبيل الصدفة أن خبراء إيرانيون قد حضروا عملية الإطلاق.

وقد لا تمنع المحادثات والمفاوضات والحوافز إيران وكوريا الشمالية من تطوير أسلحة دمار شاملة واسعة النطاق وبرامج أسلحة نووية، لكن هذا على الأرجح يمثل أفضل طريقة لمنع التخصيب. فالمحادثات والمفاوضات تظهران الاحترام لسيادة كلا البلدين، وتتيح نوعاً أفضل من التعاون والتفاهم وتقلل من مخاوف تغيير النظام. ويسعى كل من أتباع آية الله في إيران وزعماء كوريا الشمالية كي يتم قبولهم كأعضاء متكافئين في المجتمع الدولي. كما أنهم يرغبون في الوجود بصورة سلمية جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة. ويبدو أن مساعدة كلتا الدولتين على تحقيق هذين الهدفين بمثابة أفضل سياسة متاحة لمواجهة التخصيب. 

رامون باتشيكو باردو - باحث في شؤون سياسات شرق آسيا ومكافحه الانتشار النووي.

font change