لماذا لن يُطرح موضوع الجسر السوري الإيراني على طاولة المفاوضات مع الغرب؟

لماذا لن يُطرح موضوع الجسر السوري الإيراني على طاولة المفاوضات مع الغرب؟

[escenic_image id="555761"]

بعد أربع سنوات من العزلة، عادت سوريا مرة ثانية إلى الواجهة. فقد وصل إلى دمشق عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي، ومسئولون من الدول العربية المنحازة للغرب، وألسنتهم تلهج بأصداء توجه أوباما نحو الشراكة مع حزب البعث السوري. وعلى الرغم من الشكوك التي تحيط بنوايا الحكومة الإسرائيلية الجديدة نحو السلام، يراود الأمل  الكثيرين في واشنطن باستئناف تل أبيب المحادثات قريباً مع سوريا التي أصبحت تبدي بوادر الالتزام.



ومن خلال التلويح بمرتفعات الجولان المحتلة، كمكافأة لسوريا، فقد ظهرت آراء تقول بأن الرئيس بشار الأسد يمكن أن تتم زحزحته عن التحالف التاريخي مع إيران، مما سينتج عنه تحالف جديد مع الغرب على طراز التحالف الذي قام به الرئيس المصري السابق أنور السادات. إلا أن هذا التقييم للأمور ينطوي على سوء فهم؛ لطبيعة العلاقة بين إيران وسوريا. فسواء تم تحقيق السلام مع إسرائيل أم لا، فإن سوريا ليس لها مصلحة في التخلي عن طهران.



وثمة تحليلات ثلاثة زائفة  تسيطر على رؤية واشنطن للعلاقة السورية-الإيرانية؛ فبادئ ذي بدأ يزعم العالم الإسرائيلي إيال زيسير، أنه خلال سنوات حكم بوش جعل النظام البعثي في سوريا من نفسه دولة عميلة لإيران بحيث أصبح تابعاً تماماً لطهران.

وقد دفع هذا التحليل مؤيدي سياسة "الزحزحة"، من أمثال وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر، إلى الاعتقاد بأنه بإمكان واشنطن تقديم حوافز اقتصادية ودبلوماسية للسوريين، تفطمهم بها عن التبعية لإيران، كما جاء في حديثه إلى مجلة النيوزويك في يناير 2009. وفي المقابلة نفسها كشف  بيكر عن تبنيه للمغالطة الثانية، والتي تتمثل في اعتبار التحالف بين سوريا وإيران نوعاً من "زواج المصلحة".وهذه المقاربة العملية تنطوي على اعتقاد بأن الأيديولوجية التي يتبناها النظامان، الإيراني والسوري، غير متطابقة وأن ما يتم من تقارب بينهما ينبع من وجود عدو مشترك، وليس نتيجة رؤى مشتركة.







أما الفرضية الأخيرة فإن مصدرها هم الحلفاء السنيون لأمريكا في مصر والسعودية والأردن، الذين يزعمون أن أساس  العلاقة بين إيران وسوريا هو اشتراك النخبة الحاكمة لكليهما في المذهب الشيعي. ومن المعروف أن الملك عبد الله الثاني ملك الأردن قد أدان التحالف بين الأسرة العلوية في سوريا، التي يقف الأسد على رأسها والجمهورية الإسلامية باعتباره يمثل "هلال شيعي" من شأنه أن يطوق لبنان والعراق، ليهدد الهيمنة السنية التقليدية في المنطقة. 



وإذا نظرنا إلى التحليل الأول ، لا يمكن اعتبار سوريا دولة عميلة  لإيران، حيث أنها ليست تابعة اقتصادياً أو عسكرياً أو سياسياً لطهران. فمن الناحية الاقتصادية، نجد أن حجم التبادل التجاري قليل بين الدولتين، في الوقت الذي استخدمت  سوريا أموالا إيرانية لبناء مصافي نفط، ومصانع سيارات جديدة. وأن الشركاء التجاريون الرئيسيون لسوريا هم السعودية والعراق ولبنان والصين والاتحاد الأوروبي.

وتستورد سوريا فقط4.3 % من وارداتها من إيران، وتصدر لها كمية لا تذكر من البضائع. وبشكل مشابه، فبينما مول آيات الله، في إيران، عدة برامج عسكرية تابعة لحزب البعث بشغف، ظلممول السلاح الرئيسي لدمشق هو روسيا والتي زودت نظام الأسد مؤخراً بترسانة جديدة من الصواريخ، بعد أن ساند الأسد روسيا علناً خلال حربها ضد جورجيا في عام 2008.



ومن الناحية السياسية، فعلى الرغم من تقديم الرئيس محمود أحمدي نجاد الدعم الملحوظ لنظام البعث، في ذروة المقاطعة الدبلوماسية بقيادة بوش، إلا أن الحديث عن التبعية لإيران هو مبالغة كبيرة. وخلافاً لصدام حسين، لم يواجه الأسد عقوبات اقتصادية أو دبلوماسية كبيرة أبدا، خلال سنوات العزلة، من جانب الدول العربية. ورفض الاتحاد الأوروبي والصين تقليد  أمريكا في سحب سفرائها، وتعطيل التجارة مع سوريا. بالإضافة إلى ذلك، حدث جزء كبير من إعادة التأهيل الدولي لسوريا، في الآونة الأخيرة، نتيجة لإقامتها علاقات سياسية دون مساعدة من إيران. وسهل التقارب الجديد مع تركيا المحادثات غير المباشرة مع إسرائيل، مما خفف من حدة المواقف الغربية تجاه دمشق.







وبالمثل، ساعد التحالف مع قطر سوريا على إعادة تأهيلها في العالم العربي. وقد استضافت قطر اتفاقية الدوحة في عام 2008 وتم حل التوتر في لبنان لصالح الأسد. وعلى هذا تأتى العلاقة بين سوريا وإيران اختيارية وليست اضطرارية، وهى في الوقت نفسه  ليست علاقة لابد أن تتخلص سوريا منها.

وبالمثل، فإن الطرح الواقعي، والذي ينبع من الحيرة حول سبب حاجة السلطة الدينية الإيرانية للتحالف مع نظام حكم فردى علماني اشتراكي عربي لا يصمد أمام الحقائق. يرى هذا الطرح أن التحالف قد أقيم خلال الحرب العراقية الإيرانية، العام 1980، بسبب العداء المشترك مع صدام حسين.



وبالمثل، فإن وجود عدوين مشتركين وهما إسرائيل والولايات المتحدة في الوقت الحاضر من المفترض أن يحافظ على هذا التحالف. ومن خلال هذا المنطق، وبعد خروج صدام من الصورة، فلو أقامت سوريا سلاما مع إسرائيل، وحسنت علاقاتها مع الولايات المتحدة، فإن السبب وراء هذا التحالف سوف يتلاشى. إلا أن هذا التحليل يتجاهل حقيقة هامة، تتمثل في أنه خلال فترة التسعينيات، عندما أقام حافظ الأسد حواراً مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وكان العراق في عهد صدام على الحياد نتيجة العقوبات الدولية، ظلت العلاقة مع إيران قوية.



وبينما قد تضع تل أبيب اعتدال حزب الله ونزع سلاحه كشرط لإقامة السلام مع سوريا، وهو أمر لا بد أن يغير من طبيعة علاقات دمشق مع طهران ، فإنه ليس من عادة سوريا التخلي عن حليف بسرعة من أجل أنظمة أكثر تشابها معها من حيث المذهب.

والفكرة النهائية، التي تتمثل في خرافة القرابة الشيعية، قد أخذت تكتسب أرضية بين صفوف العرب الحلفاء لأميركا، وكدولة ذات أغلبية سنية، يقول هؤلاء الحلفاء: إن سوريا كانت ستصبح منحازة إلى جانب مصر والأردن والسعودية بشكل طبيعي، لولا النخبة العلوية الحاكمة هناك، والتي تفضل أبناء مذهبها  في كل من إيران وحزب الله.







ويشير السنة المهمشون، منذ فترة طويلة داخل سوريا، إلى زيادة المساجد الممولة من جانب إيران في بلادهم في الآونة الأخيرة. وهذا يدعم المخاوف من أن دمشق تسهل التوسع الإقليمي للشيعة، والذي تقوده طهران. إلا أن هذا التوجه الذي يربط بين المذهبي والسياسي في حالة سوريا وإيران هو توجه مبالغ فيه.



فسيظل حزب البعث، والعلويون خصوصاً، ملتزمين إلى حد بعيد بالعلمانية وسيواصلون قمع الإسلاميين حتى وإن سمحوا ببناء مساجد جديدة في مقابل مصافي النفط ومصانع السيارات. وبينما قد تتمنى النخبة إبعاد الأغلبية السنية عن السلطة، فهي تعتمد أيضا على غيرها من الأقليات غير العلوية لنيل الدعم مثل المسيحيين والأرمن والدروز. وإذا أرادت  النخبة قيادة البلاد، وفق مذهب شيعي واضح، فهم يخاطرون بفقدان هذا الدعم الهام.



وبالإضافة إلى ذلك، بينما نجد أصدقاءهم في طهران وحزب الله من الشيعة، فإن لديهم حلفاء مقربين آخرين، مثل حماس وهم سنة، كما أن دمشق تدعم بشكل غير مباشر رجال المقاومة في العراق، وهم من السنة أيضا، وكذلك الحال مع أصدقائهم الجدد في تركيا وقطر.



وفشلت التحليلات الثلاثة  في فهم كيف تستخدم سوريا تحالفها مع إيران، لتزيد من أهميتها الإقليمية، وذلك بتقديم نفسها على أنها الدولة الأكثر اعتدالاً بين التحالفات المناهضة للغرب في الشرق الأوسط. وعلى هذا تصبح دمشق ملاذاً هاماً يطلبه أي سياسي غربي يبحث عن إقامة حوار. وقد تحدث بشار الأسد مراراً عن رغبته في مد جسر بين الجمهورية الإسلامية والغرب، سواء تحقق السلام مع إسرائيل أم لا. وباختصار، فإن العلاقة مع إيران تعطى سوريا دوراً إقليمياً، مما يتيح لها أن تلعب دور الشقيق الأصغر المعتدل، لتهدئة نوبات غضب طهران.







وبالنسبة لدولة تطلعت دائماً إلى أن تقود العالم العربي، فإن التضحية بهذه العلاقة من شأنه أن يقلل من مكانة سوريا الإقليمية، المكانة التي لن تعوضها مرتفعات الجولان الغالية. إذن المكانة الإقليمية وليس بالضرورة  المنفعة أو الدين هي العامل الذي يحدد علاقة سوريا مع طهران، ومن غير المرجح أن تجعل دمشق هذا الأمر موضوعاً للتفاوض.

كريستوفر فيليبس - يقوم بتحضير دكتوراه في مجال العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد. ويكتب عمود عن السياسة الشرق أوسطية للجريدة الإلكترونية لجارديان ويعمل في مركز السياسة الخارجية.

font change