موسوي العائد... تسوية للحاضر بتجربة الماضي

موسوي العائد... تسوية للحاضر بتجربة الماضي

[escenic_image id="555736"]

يدخل مير حسين موسوي السباق الرئاسي معتمداً على تجربته السابقة في الحكم أخذاً بالإعتبار تطور الأوضاع الداخلية، والإقليمية المحيطة بإيران وتحديات اقتصادية وأمنية تصل لدرجة الخوف على الدولة والنظام من تداعياتها.

يقول مقربون من موسوي ناقشوا معه قراره في العودة إلى الحياة السياسية، من باب الترشيح للسباق الرئاسي، إن موسوي ليس بنبي تعقد عليه كل الآمال بالخروج من المأزق الإيراني المتراكمة عقده منذ عقود والذي كانت السنوات الأربع الأخيرة التجلي الأوضح له المأزق، فموسوي لا يعتبر نفسه قادراً على تغير مجرى التاريخ، لأنه يعرف جيداً حدود وإمكانيات التغير في إيران .

ابن الثورة والنظام، ولائي مخلص لمؤسسات الدولة، ونقطة ارتكازها أي ولاية الفقيه، بصرف النظر عن الخلاف مع شخص ولي الفقيه، يطمح لإصلاح ما يمكن إصلاحه، في هذه الفترة وخصوصاً على مستوى الاقتصادي، الذي يتطلب إعادة فرز الأولويات الوطنية، وإنفتاحاً على العالم والتأسيس لمرحلة تفاهم تنطلق من مكاشفة الطبقة الحاكمة صاحبة القرار بمواقع الخطر داخل مؤسسات الدولة التي تسبب بها أحمدي نجاد.

ابتعد موسوي عن المسرح السياسي الإيراني مباشرة بعد الإلغاء الدستوري لموقع رئيس الوزراء، وبتحويل النظام إلى نظام رئاسي وتحويل كافة صلاحيات السلطة التنفيذية لموقع رئيس الجمهورية سنة 1989، وانتخاب الشيخ رفسنجاني رئيساً للجمهورية خلفاً للسيد علي خامنئي، الذي اختاره مجلس الخبراء مرشداً بعد رحيل أية الله الخميني.  

موسوي الرجل الذي إستمر غيابه لأكثر من 15 عاماً، أبدى خلالها استنكافاً عن أي نشاط سياسي علني مفضلاًَ الإبتعاد الإرادي عن الإعلام مكتفياً بدور تحكيمي من خلال عضويته بمجلس تشخيص مصلحة النظام، مضيفاً إلى ذلك دوراً استشارياً، قدمه للرئيسين رفسنجاني و خاتمي طوال 18 سنة وهو يشغل الآن رئاسة الاكادمية الإيرانية للفنون.

عند كل منعطف سياسي تمر به إيران يتداول اسم مير حسن موسوي، فقد اعتبرته أوساط سياسية الإيرانية المرشح الأنسب لخلافة الشيخ رفسنجاني سنة 1997، إلا إن تدخلاً واضحاً من مرشد الثورة السيد على خامنئي، الذي تشهد علاقته بموسوي توتراً مستمراً، منذ فوزه بترشيح البرلمان له لرئاسة الوزارة في مقابل الدكتور علي ولايتي مرشح الرئيس خامنئي وقتها، فمنعه هذا التدخل من الترشح سنة 1997، ثم توجهت إليه الانظار ثانية سنة 2005، بعد إنتهاء الفترة الدستورية الثانية للسيد خاتمي، ونادت أصوات إصلاحية بضرورة عودته إلى الحياة السياسية وطالبت باختياره مرشحاً يقود مسيرة الإصلاح التي بدأت مع السيد خاتمي.

إلا أن رفض موسوي المطلق خوض التجربة ومفضلاً عدم التدخل والمراقبة عن بعد أوقع تيارات الحركة الإصلاحية، بمأزق اختيار الشخص الذي تتوحد حوله مختلف شرائح المجتمع الراغبة بالتغيير، ما تسبب بالهزيمة إمام مرشح التيار المحافظ محمود أحمدي نجاد سنة 2005.

ولد الموسوي عام 1942 في مدينة خامنه الواقعة شمال شرق إيران (أذربيجان الجنوبية ) وهي أيضاً مسقط رأس مرشد الثورة السيد علي خامنئي، وهذا ما يزيد  من حرج العلاقة المقطوعة اصلاً بينهما، فكيف لو إن نتائج الإنتخابات في خامنه القريبة من عاصمة الاقليم  (تبريز) جاءت لصالح موسوي ضد مرشح المحافظين، المدعوم تلقائياً من المرشد في تكرار مشابه  لسيناريو سنة 1997، حين  حصد السيد خاتمي أكثر من 80%، من أصوات صندوق الإقتراع الذي اعتاد إن يدلي فيه الزعيم الإيراني الراحل أية الله  الخميني بصوته، ومن بعده المرشد السيد علي خامنئي وأركان النظام الإيراني الذين من المفترض إن يكونوا قد صوتوا لعلي ناطق نوري، المدعوم من المرشد مقابل السيد خاتمي، وزير الثقافة السابق آنذاك.

من خامنه إلى تبريز إلى كافة أرجاء مناطق الشمال الإيراني، التي قد تشكل كتلة انتخابية قوية لموسوي ضد أحمدي نجاد، التي أدت سياساته الاقتصادية والخدماتيه إلى حرمان هذه المناطق الباردة من الغاز طوال فصل الشتاء سنة(2007_2008) مما دفع السكان إلى استخدام الحطب من أجل التدفئة، مما يؤشر إلى موجود استياء شعبي واسع في هذه المناطق من الأداء الخدماتي لحكومة أحمدي نجاد، إضافة إلى نشاط حركات قومية إنفصالية في الاقليم تدعو إلى توحيد شطري أذربيجان.

وصل موسوي طهران في النصف الأول من ستينات القرن الماضي، ملتحقاً بفرع الهندسة المعمارية وبناء المدن في جامعة طهران التي تخرج منها سنة 1970 مهندساً معمارياً، وفيها بدأ موسوي أولى نشاطاته السياسية والثورية ضد نظام الشاه، ما أدى إلى اعتقاله سنة 1974.

أسست طهران والحركة الطلابية والنشاط الجامعي منطلق العمل السياسي المباشر لمير حسن موسوي وتوج ذلك بتأسيسه لحركة الإسلاميين الإيرانيين في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي وكان من رواد حسينية أرشاد والمتأثرين بمحاضرات مطهري وشريعتي ليصبح قريباً جداً من مفاهيم وطروحات أية الله الخميني ودعواته لإسقاط نظام الشاه محمد رضا بهلوي.  

ومع انتصار الثورة سنة 1979، انضم موسوي للحزب الجمهوري الإسلامي، بزعامة أية الله بهشتي، أحد ابرز قيادات الثورة، فعهد إليه برئاسة تحرير صحيفة جمهوري إسلامي الناطقة بلسان الحزب ومن بعهدها تولى منصب مدير المكتب السياسي للحزب الجمهوري الإسلامي في السنة نفسها، ليصبح واحداً من شخصيات البارزة في قيادة الثورة وبناء الدولة.

شهدت سنة 1980 التحول الأبرز في الحياة السياسية لموسوي، ففي هذه السنة اختاره محمد علي رجائي رئيس الوزراء في عهد أبي الحسن بني صدر كأول رئيس للجمهورية الإسلامية وزيرًا للخارجية، وبعد تولي رجائي رئاسة الجمهورية، استبقاه رئيس الوزراء محمد جواد باهونر وزيرًا للخارجية، وبقي في هذا المنصب حتى تولى سيد علي خامنئي رئاسة الجمهورية فقام بتسميته رئيسًا للوزراء في 31/10/1981م، حيث استمر رئيسًا للوزراء مدة ثماني سنوات حتى إلغاء المنصب.

رئاسة مجلس الوزراء جعلت من مير حسين موسوي شريكاً أساسياً في صنع القرار، فالسلطات الواسعة التي طالب بها  لدى توليه المنصب مكنته من السيطرة على الجهاز التنفيذي، وحولته من ممثل لرئيس الجمهورية لدى الحكومة إلى رئيس فعلي لإدارة العمل الحكومي، وقدمته كمدير قوي وحازم أثبت الجدارة والكفاءة في إدارة الجهاز التنفيذي للدولة في أصعب مرحلة مرت بها الجمهورية الإسلامية خلال سنوات الحرب الثمانية، فإليه يعود الفضل برأي الكثير من مواطنيه إلى عدم وقوع أزمات اقتصادية وانهيارات مالية في إيران تحت وطأة الحرب وضغوط العقوبات والحصار الدولي.

وقد أعطته الظروف الاستثنائية فرصة إثبات جدارته فقدم نفسه رجل دولة بامتياز، غدت سنوات الحرب الاختبار الفعلي له فاستطاع كسب التأييد الشعبي من جموع الفقراء، إضافة إلى الطبقة المتوسطة وقيادة الجيش التي اعتبرته صمام الأمان في استمرار الدعم لجبهة القتال، ما قربه بشكل كبير جداً من قائد الثورة الراحل أية الله الخميني، الذي تدخل مباشرة سنة 1985 في إعادة تسمية رئيساً للوزراء في الدورة الثانية من رئاسة السيد علي خامنئي الذي حاول في تلك الفترة الإفلات من إعادة تسمية موسوي الذي سيطر بشخصية القوية والحازمة وإدارته الصلبة على كل الجهاز التنفيذ للدولة، مما جعل الرئيس الجمهوري السيد علي خامنئي يعمل على تهميشه، وهذا ما تسبب بعلاقة متوترة بين الرجلين إلى يومنا هذا.

و هذا أيضاً يطرح تساؤلات صريحة عن مدى إمكانية التعايش بين مير حسين موسوي والسيد خامنئي إذا فاز الأول بسباق الرئاسة. ففي إشارة واضحة إلى مدى الإختلاف في وجهات النظر بين السيد خامنئي و موسوي، وخصوصاً في السياسات الخارجية، انتقد موسوي في محاضرة ألقاها فی جامعة طهران أمام آلاف الطلاب التعاطي الإيراني مع شؤون خارجية على حساب المصلحة الوطنية الإيرانية، فقد انتقد موسوي صراحةً كيفية تعامل القيادة الإيرانية مع قضايا لبنان وفلسطين حين قال: "يُسمح لنا بأن نهتم بعزة فلسطين ومقاومة حزب الله في  لبنان، ويُمنع أن نهتم بعزة شعبنا وكرامته، ما يجعل الشعب الإيراني يحس بالتعارض بين عزته وعزة فلسطين ولبنان".

واستناداً إلى شخصيات مقربة من مير حسين موسوي، حضرت اللقاء الذي جمعه مع المرشد السيد علي خامنئي، رفض موسوي  طلب المرشد بسحب ترشيحه لصالح أحمدي نجاد مبرراً رفضه إلى السياسات الفاشلة داخلياً لأحمدي نجاد وفريقه التنفيذي، والتشدد في السياسات الخارجية التي أدت  إلى عزل إيران، وهنا يرى البعض في هذا دليلاً على صعوبة التفاهم بين الرجلين في موقع المسؤولية. أما البعض الآخر، فيرجح إمكانية هذا التعيش بالإعتماد على الشخصية البراغامتية الإستيعابية  للمرشد، وتقبله  الأمر الواقع استجابة لخيار الشعب.

وأما موسوي الصلب، فلديه القدرة على تجاوز الموقف الشخصي بينه وبين السيد خامنئي من منطلق موقع السيد خامنئي الدستوري والتزام  موسوي واحترامه للدستور والثورة ومؤسساتها، فهو يلتزم التعامل مع السيد خامنئي من موقعه، غير راغب بمواجهة تصرفه عن تحقيق أهدافه، وتزيد من حجم العراقيل المتوقع أن يواجهها بحال فوزه من مراكز صناعة القرار السياسي والمالي التي سوف تحاول التشبث بامتيازاتها وخصوصاً الاقتصادية والدفاع عنها بأي ثمن.

في المحصلة، يميل المتابعون للشأن الإيراني إلى أن حركة مير حسين موسوي من العزوف عن الترشيح رغم إلحاح خاتمي والتيار الإصلاحي عليه بأن يترشح بدلاً من خاتمي، إلى الإقدام على الترشح بعد ترشح خاتمي، وجواب موسوي بالنفي على سؤال مجموعة من الإصلاحين، عندما سألوه عن نيته الدخول في المعركة إلى اصراره ورفض طلب خامنئي منه الإنسحاب، يجعل المسألة في منطقة غامضة تحتمل تأويلاتٍ متعارضة، فهل هو يخترق الصف المحافظ كما يرى بعض الإصلاحيين ،أو الصف الإصلاحي كما يرى بعض المحافظين؟

وفي كل حال فإن النتائج سوف ترد على هذا التساؤل وتضعنا أمام إحتمال تغييرات في إيران، سواءاً كان موسوي الناجح فرضاً في الوسط أو قريباً من هذا الطرف أو ذاك، أما إذا لم يفز فإن المسيرة المحافظة سوف تترسخ في المجال الإقتصادي والتنموي والسياسي الاقليمي والدولي مع تغيراتٍ محدودة في الشكل والمضمون، تتناسب مع المتغير في الخطاب الأمريكي لاوباما مع طهران، وردود طهران المرنه نسبياً عليها والمبهمة.

 

font change