تضاؤل آمال تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي

تضاؤل آمال تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي

[escenic_image id="555342"]

إن السيناريو السياسي المتوقع، في حالة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، هو أن يصبح الاتحاد متاخماً للعراق وإيران، كما ستصبح تركيا أكبر دول الاتحاد الأوروبي، من حيث عدد السكان. علماً أن تركيا رغم علمانيتها يمثل المسلمون أغلبية مطلقة  فيها. لكن هذا الحدث السياسي المهم، الذي بدا ممكنا في وقت من الأوقات أصبح بعيد المنال الآن بشكل متزايد.

لقد كان شعار "تركيا في آسيا الصغرى" أحد الشعارات المفضلة التي استخدمها نيكولاس ساركوزي في الحملة الانتخابية الفرنسية للرئاسة. فلأسباب انتخابية إضافة إلى وجود تصور قديم ومغلوط عن السياسة الجغرافية كانت تلك هي الطريقة التي برر بها عزمه على معارضة محاولة تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إذا تم انتخابه. وهذه الهواجس تجاه انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي لا تقتصر على فرنسا فحسب. فقد أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن موقفها المعارض لهذه المسألة بصورة مختلفة ولكن ربما لنفس الأسباب التي ساقها ساركوزي.

وبدلاً من ذلك ، تفضل فرنسا وألمانيا فكرة إقامة "شراكة مميزة" بين تركيا والاتحاد الأوروبي. وبالإضافة إلى ذلك، لن تؤيد بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل اليونان وقبرص عضوية تركيا في المجموعة أبدا ما دام الوضع في قبرص لم يصل إلى انفراجة. وبالنظر إلى أن المعاهدة بشأن انضمام دولة إلى الاتحاد الأوروبي تتطلب موافقة بالإجماع من جميع الدول الأعضاء، فإن احتمالات انضمام تركيا للاتحاد تبدو ضعيفة جداً.

كانت الولايات المتحدة كالعادة هي أكبر مؤيد لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. وفي الواقع  تعتبر تركيا عنصراً بالغ الأهمية لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فأولا، تشكل تركيا نموذجاً للعالم الإسلامي من حيث  العلاقة الجيدة جدا بين الولايات المتحدة وبلد بها أغلبية مسلمة على الرغم من علمانيتها.

وتعد تركيا عضواً رئيسياً في حلف الناتو وهى تجاور العراق وإيران، وقد قامت بدور مهم في محاولات التوصل إلى اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل. كما تتمتع تركيا بنفوذ في أفغانستان يبخسه الناس حقه. ولكل هذه الأسباب،  اختار أوباما
الذهاب إلى تركيا في أول زيارة رسمية له إلى أوروبا ، حيث أعلن حين خاطب البرلمان التركي أن "الولايات المتحدة تدعم بقوة مساعي تركيا لتصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي".

فلماذا إذن لا يفي قادة الاتحاد الأوروبي بالوعود التي منحها أسلافهم لتركيا منذ فترة طويلة على النقيض من حماس الولايات المتحدة لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي؟ ولماذا يخيبون آمال الأتراك لدرجة أن النسبة المئوية للسكان الذين يدعمون تركيا في محاولتها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قد انخفضت بين عامي 2004 و 2006 من 73 ٪ إلى 43 ٪؟
لن يجادل أصحاب العقول الراجحة في حقيقة أن دمج تركيا في الاتحاد الأوروبي بمثابة تحدٍ هائل؛ والذي ربما يعد أكبر تحد واجهه الاتحاد الأوروبي من أي وقت مضى فيما يتصل بتوسيع عضويته. فببساطة يمكن القول إن ثمة قائمة ضخمة من المشكلات.

فأولاً، هناك تخوف شديد من الرغبة  في تحويل أموال الاتحاد الأوروبي من الدول الأعضاء المتعثرة ماليا  إلى بلد تعداده أكثر من 70 مليون شخص في ظل أزمة مالية حادة ، وهو بلد لا يزال أمامه شوط طويل للوصول إلى المعايير الاقتصادية للاتحاد الأوروبي ، ويوجد تفاوت كبير بين شماله الغربي وجنوبه الشرقي.

وثانياً، فإن مجرد احتمال هجرة عدد كبير جدا من سكان تركيا صغار السن إلى كل ركن من أركان الاتحاد الأوروبي بحثاً عن حياة أفضل يسبب أرقا لصانعي السياسة في الاتحاد الأوروبي حتى بالرغم من أن انضمام تركيا بشكل كامل إلى اتفاقية "شنجن" سوف يستغرق عدة سنوات على الأقل. وعلاوة على ذلك، يوجد عائق أخر يتمثل في عدم حل القضية الكردية و التهديد المستمر لحزب العمال الكردستاني بشن الهجمات الإرهابية.

ومن منظور الاتحاد الأوروبي، فإن عدم الاستقرار السياسي داخل تركيا ربما يمثل أكبر سبب للتشكيك في أحقيتها بعضويتها في الاتحاد الأوروبي. وهناك العديد من الأمثلة الحديثة على هذا مثل ما حدث في عام 2007 عندما هدد جنرالات الجيش بانقلاب إذا رشح أردوغان عبد الله غول للرئاسة على اعتبار أن غطاء الرأس الإسلامي لزوجته يهدد مبادئ أتاتورك العلمانية. وبعد أن خسر الجنرالات هذه "المعركة" ، قاموا بالضغط على المدعى العام في تركيا لتقديم دعوى أمام المحكمة الدستورية بغرض حظر حزب العدالة والتنمية التابع لأردوغان بتهمة السعي إلى فرض الشريعة الإسلامية. وصدر حكم المحكمة برفض دعوى الجنرالات، ولكن يقال إن حزب العدالة والتنمية واجه خطرا حقيقيا بشأن إغلاقه. كما أثيرت أيضا شكوك قوية حول نزعات أردوغان الاستبدادية في التعامل مع قضية أيرجينكون.

وقد واجهت السلطات والشرطة التركية التخطيط لانقلاب من قبل جماعة من الضباط العسكريين المتقاعدين والصحفيين والقضاة وزعماء الاتحادات والفنانين من أجل إسقاط الحكومة برد فعل مروع حيث قامت باحتجاز العشرات من المشتبه فيهم من كافة طوائف المجتمع كما قامت باستجواب العديد من المعارضين السياسيين لحزب العدالة والتنمية. ومما يزيد الأمر سوءاً أن هذه القضية بأكملها تقوم بشكل جزئي على أساس شهادة غير موثوقة أدلى بها شخص واحد زُعم أنه ضابط مخابرات تركي سابق.

كل هذا يتعارض مع الشروط الأساسية التي طلب الاتحاد الأوروبي من تركيا الوفاء بها خلال المحادثات التي جرت بشأن انضمامها للاتحاد. وهذه الشروط تتمثل في تعزيز الديمقراطية ودعم الحريات المدنية وحقوق الإنسان وضمان عدم تدخل العسكريين الأتراك في السياسة. وبالرغم من الزيارة الرسمية التي قام بها عبد الله جول إلى بروكسيل هذا العام لتجديد رسالة التزام تركيا بمشروع الاتحاد الأوروبي، تبحث أنقرة بالفعل الوجهة التي يمكن أن تسلكها من أجل إقامة تحالفات سياسية أخرى حيث إنها سئمت من المطالب الكثيرة جداً دون الوصول إلى نتائج إيجابية. وبالرغم من أن الزعماء الأتراك والشعب التركي لم يطرحوا جانباً فكرة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يوماً ما، فإن الاتجاه الحالي في البلاد يتمثل في أنه: "إذا كان الاتحاد الأوروبي يريدنا، فليأتنا بنفسه".

وبينما لا يزال الخوف مسيطرا على قادة الاتحاد الأوروبي بسبب كل هذه القضايا، فإن السؤال المطروح هو: ما هي الجوانب الهامة التي يفتقدونها؟ فبالرغم من أن الموقف السياسي للولايات المتحدة من تركيا أفضل بكثير من موقف الاتحاد الأوروبي منها، حيث إن دوله ليست بحاجة إلى أن تضم هذا البلد المترامي الأطراف إلى إقليمها، ينبغي أن يعترف قادة الاتحاد الأوروبي وكذلك الولايات المتحدة بجميع الجوانب الإيجابية لانضمام تركيا من خلال عرض عضوية الاتحاد الأوروبي عليها. ولمواجهة التحديات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، يمكن أن يكسب الاتحاد الأوروبي الكثير بجعل تركيا أحد أعضائه وليس بجعلها حليفاً له تم قبوله على مضض. فمن الممكن أن تكون تركيا حليفاً حاسماً وهاماً في قضايا كثيرة  منها الوضع في العراق ولعب دور فعال في عملية السلام بين إسرائيل وسوريا والجهود المبذولة لحل القضية الفلسطينية- الإسرائيلية والمشاركة في بعثات الاتحاد الأوروبي والناتو لحفظ السلام وغيرها من القضايا المتعلقة بالأمن كما يمكن أن تشكل تركيا بديلاً هاماً جداً فيما يتصل بخيارات الطاقة لدى الاتحاد الأوروبي.

لقد زعم الكثيرون أن الدين ليس عنصراً أساسياً في هذا الإطار بأكمله على اعتبار أن تركيا دولة علمانية. وتتجاهل هذه المزاعم حقيقة هامة مفادها أن الجزء الأكبر من هوية السكان الأتراك لا تزال إسلامية، وهذا لربما يعد أهم جانب في قضية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بل يحتمل أن يكون أكثر الأمور التي تخيف بعض قادة الاتحاد الأوروبي. وتمنع هذه المخاوف واضعي سياسة الاتحاد الأوروبي من الاعتراف بأن انضمام تركيا للاتحاد سوف يكون بمثابة خطوة هائلة للتغلب على الكثير من الشكوك والأوهام التي تساور دول الاتحاد فيما يتصل بالعالم الإسلامي وكذلك الشكوك والأوهام التي تشغل العالم الإسلامي فيما يتصل بالاتحاد الأوروبي. وإضافة إلى ذلك فإن انضمام تركيا إلى هذا الاتحاد الأوروبي يمكن أن يكون بمثابة نهاية أكيدة لفكرة أن الاتحاد الأوروبي نادٍ مسيحي.

أيضاً يمكن أن يكون هذا الإنجاز السياسي والمجتمعي الهائل معناه توقف الاتحاد الأوروبي عن اعتبار تركيا بمثابة حاجز بين العراق وسوريا وإيران والشرق الأوسط، ولكن عندما تصبح من بين الدول الأعضاء في الاتحاد، فإنها ستكون ملزمة بشكل إيجابي بأن تتخذ موقفاً أكثر فاعلية وتصميماً في سياستها حيال المنطقة في محاولة لحل مشكلات عديدة مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهو الأمر الذي يمثل منفعة كبيرة بالنسبة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها.

font change