أردوغان بعد النجاة
تهديدات الليرة والإنقسام
و"التعاون العدائي"
مع روسيا وأميركا

الرئيس رجب طيب أردوغان بعد النجاة؟ نعم. كان هناك رهان لدى المعارضة التركية وآخر من جهات مختلفة، بهزيمة أردوغان وحزبه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في مايو/أيار الماضي. لكن أردوغان وحزب "العدالة والتنمية" بقيا في الحكم بهامش بسيط.
يشكل الهامش انتصارا، لكنه يجلب معه تحديات كثيرة في الداخل والخارج. هذا يهم الأتراك، وأيضا المناطق الأخرى، العربية وغيرها، حيث التمدد التركي بوسائل عسكرية خشنة، وأخرى "ناعمة". لذلك، كان هذا الموضوع قصة غلاف "المجلة" لعدد يوليو/تموز.
واقع الحال أن زيارتي إلى أنقرة وإسطنبول في يونيو/حزيران، ولقاءاتي مع مسؤولين موالين لأردوغان ومعارضين له من أجيال وأطياف مختلفة، تختصر المشهد التركي في ثلاث نقاط: شارع منقسم بين موالين لأردوغان وحزبه، وشريحة أخرى سلبية أو فاقدة للأمل. وتشتت المعارضة السياسية وتشظيها بعد فقدان "فرصة نادرة" في الانتخابات الأخيرة. وشعور كبير بـ"النصر المؤلم" لدى أردوغان وحزبه وموالين له.
أردوغان...برغماتية الاستمرارية
السياسة الخارجية في مرحلة إعادة النظر، وسياسات اقتصادية جديدة بعد الاستماع لصوت العقل

كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتعامل مع ما ورثه عن نفسه في ولايته السابقة في الحكومة على مدى السنوات الـ22 الماضية. وهذه المرة، ورث أردوغان اقتصادا يعاني من محنة. وخلال عملية الانتخابات، تباهى أردوغان بأن أداء الاقتصاد التركي كان حسنا للغاية، وإن كان ثمة بعض العوامل المسببة للتوتر، وأهمها زيادة التضخم. وأوضح للناخبين أن مرد هذه العوامل المثيرة للتوتر هو التطورات الجارية خارج تركيا، وأهمها الحرب في أوكرانيا.
وتعهد أردوغان بإعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح، ووعد بـ"قرن تركي". وبقي عليه الآن أن يفي بوعوده، فقد صوّت له كثير من الأتراك ليس بسبب رضاهم عن سياساته، ولا سيما سياسته الاقتصادية، لكن لأنهم اعتقدوا أنه يستطيع إخراجهم من الصعوبات التي تواجهها البلاد. ولعل في ذلك بعض التناقض، لأن السبب الأساسي للصعوبات التي كانوا يعانون منها كان أساسا، سياسات أردوغان الاقتصادية.
أظهر أردوغان نهجا اتسم بمرونة أكثر نسبيا منذ فوزه في الانتخابات، وحتى الآن. والوزراء الرئيسون في فريقه الجديد ليسوا وجوها جديدة. إنه أشبه ما يكون بتحول داخل دائرته المقربة منذ فترة طويلة، حيث يضع في المقدمة المزيد من التكنوقراط السياسيين المنفتحين والمعروفين دوليا، كوزراء المالية، والشؤون الخارجية، والداخلية، والدفاع.

عمر اونهون
عمر اونهون
هل تكون تركيا الرابح من "التوازن المنضبط" بين روسيا وأوكرانيا؟
تحديات جديدة تواجه أردوغان للاستمرار في نهجه بين بوتين وزيلينسكي

كانت "العملية الخاصة" التي أطلقتها روسيا في أوكرانيا يوم 24 فبراير/شباط 2022 دون شك أهمّ تطور غيّر أولويات العالم خلال العامين الماضيين، فقد تسبّب ما جرى منذ ذلك الحين في إجراء تغيير جذري في هيكل الأمن العالمي، وأثر بشدة على العلاقات الاقتصادية والتجارية الدولية.
وكان رد الفعل الأولي لأنقرة على "العملية الخاصة" الروسية هو الرفض القاطع للاعتراف بالضمّ غير المشروع لمناطق شرق أوكرانيا، واتخذت موقف الدفاع عن وحدة أراضي أوكرانيا بحدودها المعترف بها عام 1991، واكتسب رد الفعل هذا زخما من كونها عضوا بارزا ورئيسا في حلف شمال الأطلسي وشريكا وثيقا لروسيا في الوقت عينه.
وفعّلت أنقرة المادة 19 من اتفاقية مونترو بعد أسبوع تقريبا من رد الفعل الدبلوماسي هذا، حين أغلقت المضيق التركي أمام السفن الحربية "المتحاربة" من كلّ من روسيا وأوكرانيا. وكانت تركيا بذلك أول من ذكّر بأن هذه الحرب ستؤثر على كل الدول المطلة على البحر الأسود، فكان لهذا القرار تأثير إضافي يتمثل في منع روسيا من نشر سفن حربية إضافية في البحر الأسود، مما قد يغير ميزان القوى. كما أصدرت تركيا تحذيرا لجميع الدول الأخرى، الساحلية وغير الساحلية، بالامتناع عن إرسال سفن حربية عبر المضيق، مما يؤدي إلى إغلاق البحر الأسود فعليا.

ميتات جيليكبالا
ميتات جيليكبالا
ما الذي يجعل تغيير المسار في تركيا وشيكا؟
عندما يحين موعد الدفع تفعل الشيء الصحيح دائما

جرت في تركيا في أيار/مايو الماضي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي أعادت اختيار الرئيس رجب طيب أردوغان، بعد نزاع شديد، بنسبة 52,4 في المئة من الأصوات. وعلى الرغم من فوزه في الانتخابات، قام أردوغان بتغييرٍ كبير في حكومته، طال بشكل لافت وزارة الخزانة والمالية، التي عين فيها محمد شيمشك. وفسّر المحللون ذلك على نطاق واسع على أنه تغيير في السياسة الاقتصادية التركية، وقد انخفض مستوى أخطار مبادلة الائتمان الافتراضية من 700 إلى أقل من 500، مما يعني أن هذه الحركة ولّدت توقعات إيجابية حول تركيا.
ما الذي سيسرّع حدوث نقلةٍ اقتصادية كبيرةٍ في تركيا؟
تمر تركيا، الدولة الصناعية في منطقتنا، بعملية يمكن أن تسمى "الأرجنتنة"، وهو ما يشير إلى تراجع الصورة الكبيرة للاستقرار الاقتصادي الكلي. بناء عليه كان هذا التغيير أمرا لا مفر منه. ودعوني أشرح ذلك.

غوفين ساك
غوفين ساك
داود أوغلو لـ"المجلة": الجميع فشلوا في "الربيع العربي"...
وعلى صديقي السابق أردوغان أن ينقذ تركيا
"المجلة" تحاور أحمد داود أوغلو

كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتعامل مع ما ورثه عن نفسه في ولايته السابقة في الحكومة على مدى السنوات الـ22 الماضية. وهذه المرة، ورث أردوغان اقتصادا يعاني من محنة. وخلال عملية الانتخابات، تباهى أردوغان بأن أداء الاقتصاد التركي كان حسنا للغاية، وإن كان ثمة بعض العوامل المسببة للتوتر، وأهمها زيادة التضخم. وأوضح للناخبين أن مرد هذه العوامل المثيرة للتوتر هو التطورات الجارية خارج تركيا، وأهمها الحرب في أوكرانيا.
وتعهد أردوغان بإعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح، ووعد بـ"قرن تركي". وبقي عليه الآن أن يفي بوعوده، فقد صوّت له كثير من الأتراك ليس بسبب رضاهم عن سياساته، ولا سيما سياسته الاقتصادية، لكن لأنهم اعتقدوا أنه يستطيع إخراجهم من الصعوبات التي تواجهها البلاد. ولعل في ذلك بعض التناقض، لأن السبب الأساسي للصعوبات التي كانوا يعانون منها كان أساسا، سياسات أردوغان الاقتصادية.
أظهر أردوغان نهجا اتسم بمرونة أكثر نسبيا منذ فوزه في الانتخابات، وحتى الآن. والوزراء الرئيسون في فريقه الجديد ليسوا وجوها جديدة. إنه أشبه ما يكون بتحول داخل دائرته المقربة منذ فترة طويلة، حيث يضع في المقدمة المزيد من التكنوقراط السياسيين المنفتحين والمعروفين دوليا، كوزراء المالية، والشؤون الخارجية، والداخلية، والدفاع.

انقرة- ابراهيم حميدي
انقرة- ابراهيم حميدي
تركيا... رهينة البحث عن التوازن
من محمود الثاني إلى أردوغان

في الأعوام العشرين الماضية، بدا أن تركيا قد اتخذت قرارها في صراعها الداخلي المديد حول هويتها ووجهتها. كما أن انتخاب رجب طيب أردوغان رئيسا بعد معركة سياسية وإعلامية ضارية في مايو/أيار، يأتي في سياق هذا المسار. فانتصاره على خصومه من العلمانيين واليساريين وبعض القوميين المتطرفين والحزب الممثل للأكراد، ينبغي أن لا يقتصر تفسيره على مهارات الرجل التي لا تضاهى في السيطرة على المشهد السياسي التركي ولا في ظروف لم تؤات الخصوم.
ثمة دلالة كبيرة تحملها الانتخابات الأخيرة التي جاءت بعد شهور قليلة من الزلزال المدمر في فبراير/شباط الماضي ووسط أزمة اقتصادية أعادت تركيا عشرين عاما إلى الوراء في معدلات النمو والتضخم.
إن تفضيل الناخبين، ولو بهامش قليل وأعداد صغيرة، لأردوغان على منافسيه الذين ركزوا على سلسلة النكسات الاقتصادية والفضائح التي حفلت بها سنوات حكم زعيم حزب العدالة والتنمية، يشير إلى مسائل مثل الهوية والثقافة والعلاقة مع الآخر، في الداخل والخارج، والمكانة التي تطالب بها فئات اجتماعية اعتبرت نفسها خارج النظام على مدى عقود، تتقدم على الشأن الاقتصادي المباشر أو “قضية البصلة” كما شرحها مرشح حزب الشعب الجمهوري كمال كليشدار أوغلو.

حسام عيتاني
حسام عيتاني