التهجير من غزة يحصل... "طوعاً"

بناء مخيمات داخل القطاع وبدء الآلاف بالهجرة

التهجير من غزة يحصل... "طوعاً"

إذا كان المقصود بـ"التهجير"، هو قيام عشرات أو مئات الآلاف بالعبور من قطاع غزة إلى سيناء المصرية بين ليلة وضحاها، فإن هذا لم يحصل إلى الآن. لكن إذا كان المقصود به بدء نزوح مئات آلاف "الغزيين" داخل القطاع وهجرة آلاف منهم "طوعا" إلى الخارج مع ديمومة الغارات والدمار والمعاناة، فإن هذا حاصل ويحصل.

معروف أن لدى حكومة بنيامين نتنياهو خطة لتهجير أكثر عدد ممكن من الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية. بعض أعضائها سماها "حرب الاستقلال الثانية". ومعروف أن هناك وعيا فلسطينيا بضرورة عدم تكرار "نكبة" 1948 أو لجوء ما بعد "نكسة" يونيو/حزيران 1967.

أيضا، معروف أن مصر وضعت "خطا أحمر" بعدم الاستعداد لقبول فلسطينيين في سيناء، ولمّحت بإمكانية انتشار التطرف بعدما انتهت للتو من القضاء على "داعش"، ولوحت باستخدام القوة لمنع فرض سيناريو التهجير لأنه "تهديد للأمن القومي"، وبالفعل رفضت إلى الآن إغراءات وضغوطات أميركية وغربية عليها لقبول ذلك. (والأردن اتخذ الموقف نفسه إزاء الضفة).

يُضاف إلى ذلك أن الأمم المتحدة ممثلة في "الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين" (أونروا)، رفضت علنا الدخول أو المشاركة في تطبيق أي خطة لتهجير الفلسطينيين خارج القطاع أو داخله، كي لا تتهم بأنها تشارك في "سيناريو نكبة جديدة".

بدأ كثير من "الغزيين" في التواصل مع أقاربهم في الخارج للحصول على تأشيرات للهجرة والانتقال إلى العيش في دول غربية

تحت هذه العناوين والمبادئ، تجري في الواقع "هندسة اجتماعية" في غزة وخارجها، تدل على أن التهجير حاصل ويحصل. وهنا بعض المعطيات:

- نزح نحو 1.9 مليون شخص من أصل 2.3 مليون نسمة من شمال القطاع إلى جنوبه، وهناك تقديرات بأن نحو 300 ألف شخص لا يزالون في الشمال، وهو رقم مبالغ فيه أو أنه يتقلص بفعل الغارات الإسرائيلية وغياب عوامل الحياة في الشمال، وانتقال ثقل عمل المؤسسات الأممية إلى الجنوب.

- أمام رفضها أي إجراءات لقبول فلسطينيين في سيناء، أقامت مصر مخيما في منطقة المواصي قرب رفح. بدأ بـ200 خيمة، وهناك خطط لتوسيعه بحيث يضم نحو 20 ألفا، مع خطط إضافية لتوسيعه أو إقامة مخيمات أخرى قرب حدود مصر. اللافت أن بعض المؤسسات الغربية التي اكتسبت خبرة وعلاقات بإقامة مخيمات شمالي سوريا وقرب حدود تركيا، بدأت العمل على حدود غزة.

- بدأ كثير من "الغزيين" في التواصل مع أقاربهم في الخارج للحصول على تأشيرات للهجرة والانتقال إلى العيش في دول غربية. بعض الدول الغربية، بينها كندا، سهلت الحصول على تأشيرات و"لم الشمل" بين الأقارب في غزة.

- تشير تقديرات أولية إلى احتمال انتقال وهجرة نحو 200 ألف في هذه الأيام. وفي حال استمرت الحرب أو تأخر الإعمار، سيتصاعد الرقم تحت عناوين "لمّ الشمل"، كما حصل في حروب أخرى.

- تخطط إسرائيل لإقامة "منطقة عازلة" شمالي غزة. وستكون هذه المنطقة خالية من السكان. كما أنها تنوي فرض إجراءات لاختيار من يحق لهم العودة إلى الشمال. يضاف إلى ذلك، أن مركز ثقل عمل المؤسسات الأممية وخصوصا "الأونروا"، سيكون في الجنوب وليس الشمال. كل هذا يشير إلى أن احتمال عودة "الغزيين" إلى الشمال، سيكون- لأسباب كثيرة- أمرا صعبا.

- بين 70 و80 في المئة من مناطق الشمال دمرت. وسيكون هذا سببا إضافيا في تعقيد عودة "الغزيين" وعبور نهر/ وادي غزة بالاتجاه المعاكس.

"حماس" تقول إنها ستقاتل إلى حين إفشال خطط نتنياهو وأن خطط "اليوم التالي" من دون الحركة هي "سراب"

- سيلعب المانحون دورا محوريا في المرحلة المقبلة. ومن خلال السيطرة على اتجاهات التمويل، ستفرض هذه الدول والأطراف أجندتها في القطاع عبر تحديد أولويات التمويل جغرافيا أو الاغاثة مع تحويل المخيمات المؤقتة إلى مناطق إقامات دائمة. في منطقتنا، المؤقت سيتحول دائما.

- إلى الآن، يبدو أن تركيز المؤسسات الأممية هو في جنوب القطاع ووسطه، ما يعني مأسسة وجود "الغزيين" هناك مع مرور الوقت. هنا، سيكون مهما متابعة دور المبعوث الاميركي ديفيد ساترفيلد والاممية سيرغد كاخ... والمبعوث توني بلير.

تقول إسرائيل إنها ستواصل العمليات العسكرية لبضعة أسابيع، ثم تنتقل إلى المرحلة الثانية. "حماس" تقول إنها ستقاتل إلى حين إفشال خطط نتنياهو وأن خطط "اليوم التالي" من دون الحركة هي "سراب". وكانت السلطة تقول إنها ضد العودة إلى قطاع غزة على "دبابة إسرائيلية"، ثم تقول إنها مستعدة لعودة مع ربط القطاع والضفة بسياق "حل الدولتين"، غير الموجود جديا على الأجندة الدولية. هناك سيناريوهات عدة لـ"اليوم التالي"، وهناك انقسام غربي وعربي حول سيناريوهات المستقبل.

أمام غياب الأمل وتضارب الآجندات والانقسامات وتفاقم المعاناة الإنسانية ومشاهد القتل، يقول "غزيون" عاديون: نريد أن نغادر. سيكون هذا عاملا أساسيا في تحديد مستقبل التهجير والهجرة، مع إدراك التمسك السياسي بـرفض "نكبة ثانية".

font change