• سجين وقيادي مقرب من الجماعة : الكثرة في سجن العقرب كانت لعناصر تنظيم القاعدة ثم لحق بهم آخرون ممن ألقي القبض عليهم في سيناء بعد أن لجأوا إليها قادمين من سوريا وليبيا والسودان
• مدير مكتب قناة الجزيرة الإنجليزية السابق يروي لـ المجلة تجربته داخل سجن العقرب «سيء السمعة»
• تسريبات من داخل العقرب : بقايا زعامات قديمة ومتطرفين جدد و«دواعش» انقلبوا على الإخوان، وأصبحوا يحملونهم مسؤولية الانتكاسة التي أصابت تجربة حكم التيار الديني القصيرة في مصر
• وفقًا للروايات التي حصلت عليها «المجلة»:الشاطر يعكف على تدوير ورقة بين قادة الجماعة في «العقرب» و«طرة» تدعو للمصالحة مع السلطات المصرية ولا تتضمن بنودها التمسك بمرسي كرئيس
• «المجلة» تكشف من داخل «العقرب» عن تفاصيل رواية مستشار مرسي لفحوى لقائه مع الرئيس الأميركي منتصف 2012 و طلبه من أوباما «وصفة أميركية» لكي تتمكن «سُلطة الإخوان» من السيطرة على الجيش وتعيين وزير دفاع من المدنيين
• سجين سابق ينقل عن عصام الحداد أن أوباما كان متحمسًا لتجربة حكم الإخوان.. ومسؤول أمني مصري لـ «المجلة»:اتصالات الإخوان مع الجانب الأميركي أثناء تولي مرسي الحكم كانت مرصودة عن قرب
تنصبّ الخلافات داخل الإخوان بين مجموعة خيرت الشاطر، نائب مرشد الإخوان، وعصام الحداد، الذي كان مساعدًا للرئيس الأسبق محمد مرسي للشؤون الخارجية والتعاون الدولي. ويقول قيادي من حزب مقرب من جماعة الإخوان، ويدعى أحمد، وخرج من السجن قبل أسابيع، إن «الكثرة في سجن العقرب كانت لعناصر تنظيم القاعدة ثم لحق بهم آخرون ممن ألقي القبض عليهم في سيناء بعد أن لجأوا إليها قادمين من سوريا وليبيا والسودان».
اليوم أصبحت أغلبية رواد السجن، شديد الحراسة، تتكون من نوعين.. النوع الأول قيادات جماعة الإخوان، وعلى رأسهم محمد بديع مرشد الجماعة، الذي يميل إلى الدردشة حين يقابل أحد المسجونين، كما يقول لـ«المجلة» محمد فهمي، مدير مكتب قناة الجزيرة الإنجليزية السابق في القاهرة، الذي حكم عليه بالسجن في قضية «خلية الماريوت» الشهيرة، وأمضى بعض الوقت في «العقرب» قبل أن يصدر عنه عفو من الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ أيام، ضمن قرار رئاسي بالعفو عن مائة من المساجين.
أما النوع الثاني من المحبوسين في هذا السجن فهم بقايا زعامات قديمة ومن سار على دربهم من جيل المتطرفين الجدد الذين عاصروا الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وحاربوا مع «داعش» في بلدان المنطقة. واليوم تقول التسريبات التي جاءت من داخل العقرب إنهم، بعد أن كانوا قبل عام يدافعون عن مرسي، «انقلبوا على الإخوان، وأصبحوا يحملونهم مسؤولية الانتكاسة التي أصابت تجربة حكم التيار الديني القصيرة في مصر».
البوابات المصفحة لسجن العقرب
[caption id="attachment_55253405" align="alignleft" width="300"] سجن العقرب[/caption]
ووفقًا لمعلومات من سجناء سابقين، فإنه يوجد ضمن مجموعة النوع الأول في سجن العقرب، ذي البوابات المصفحة، الشاطر نفسه الذي يعد أهم الشخصيات المؤثرة في مسيرة جماعة الإخوان خلال العشرين عامًا الأخيرة، لكن الشاطر، كما يقول فهمي وشهود آخرون، موجود في جناح آخر بعيد، ويضيف أنه «من أكثر الشخصيات ذات الوضع الخاص داخل السجن».
فيما يتعلق بالمشكلة الأولى بين الشاطر والحداد، فإنها، وفقًا للروايات التي حصلت عليها «المجلة»، تخص بنود أوراق للمصالحة تسعى إليها الجماعة، منذ شهور، لتقديمها للسلطات المصرية من أجل تسوية أوضاع الجماعة، سواء بالنسبة للقيادات العليا أو القيادات الوسطى ممن يحاكمون في تهم مختلفة داخل السجون.
ويعكف الشاطر على تدوير بنود هذه الورقة بين قادة آخرين في سجن العقرب وفي سجن ملحق مزرعة طرة المجاور. وأصبحت البنود لا تتضمن التمسك بمرسي كرئيس. وهذا ما يعارضه الحداد الذي عمل بالقرب من مرسي في أحلك الظروف.
كان السجين السابق أحمد، بحكم قربه من الإخوان، مطلعًا على جانب من عمليات تمرير بنود الورقة بين دهاليز سجن ملحق مزرعة طرة الذي يوجد فيه رئيس البرلمان السابق الدكتور محمد سعد الكتاتني، حيث استمر التعديل في الورقة كثيرًا من المرات، في محاولة لحل أزمة الجماعة.
وأحمد الذي طلب عدم ذكر اسمه كاملاً وهو يدلي بشهادته، كان من بين الخطباء الذين ظهروا على منصة الاعتصام الشهير لأنصار الإخوان في ميدان رابعة العدوية عقب عزل مرسي في بداية يوليو (تموز) 2013.
سجناء من الفريق الرئاسي لمرسي
من بين قادة الإخوان في «العقرب» هناك أيضًا أعضاء من الفريق الرئاسي لمرسي. ويذكر هذا القيادي الحزبي أن الشاطر لم يكن يختلط بالآخرين كثيرًا داخل محبسه، ويقول إنه «كان خلال شهر يوليو الماضي، كما علمنا من المرشد نفسه، يعكف على مراجعة أورق تتضمن مقترحات للخروج من المشكلة غير المسبوقة التي تمر بها الجماعة.. هذه الورقة الذي سبق تداولها مرارًا وتعديل بنودها أكثر من مرة، جاءت أولاً من قيادات إخوانية، من حزب الوسط ومن حزب الحرية والعدالة، من المسجونين في سجن ملحق المزرعة».
ويضيف أن «الحداد حين علم بالموضوع، منذ البداية، سأل عما إذا كان مرسي مطلعًا على الأمر. فكانت الإجابة بالنفي من جانب مجموعة الشاطر». ويوجد مرسي قيد الحبس في سجن برج العرب الذي يقع على بعد نحو 230 كيلومترًا شمال غربي القاهرة.
وهنا بدأ الحداد يرد بالرفض على بنود الورقة رغم عمليات «القص واللصق» التي جرت عليها، وذلك بسبب خلوها من تمسك الجماعة بمرسي كرئيس للدولة. وحين أصر على موقفه، بحسب المصادر، رد الشاطر باتهام مساعد الرئيس الأسبق بأنه هو السبب في تسريب معلومات تخص الرئيس مرسي للجيش، عن الزيارة الخاصة التي أوفده فيها إلى الولايات المتحدة الأميركية.
المواجهة بين الشاطر والحداد
ويتذكر القيادي الحزبي بداية ظهور نذر المشكلة والمواجهة بين الشاطر والحداد، داخل «العقرب» قائلاً إنها حدثت بعد نشر حوار أجرته صحيفة «المصري اليوم» الخاصة، في مايو (أيار) الماضي، مع مذيع الجزيرة فهمي، حين خرج من السجن بكفالة في ذلك الوقت. وتطرق فهمي في حواره مع «المصري اليوم» بشكل عابر، حينها، لما قال إنه اعتراف من الحداد بأنه فوجئ بعِلم الجيش المصري بما دار في لقائه الخاص مع الرئيس الأميركي باراك أوباما عن تطبيق الديمقراطية على القوات المسلحة المصرية.
ويقول أحمد إن انتقاد الشاطر للحداد على هذه الواقعة، وتلميحه إلى تحميل مساعد مرسي مسؤولية خروج هذا التسريب إلى قيادات وزارة الدفاع المصرية، لم يبدأ بالفعل إلا بعد اعتراض الحداد على تجاهل وضع مرسي في بنود المصالحة المزعومة التي لم تر النور حتى الآن. حدث هذا لأول مرة في عدد من المنتديات والتجمعات المحسوبة على الشاطر خارج السجن، التي أخذت تتحدث عن أن الحداد لم يكن على قدر المسؤولية، لأنه سمح بخروج المعلومات من مكتب مرسي.
[caption id="attachment_55253406" align="alignright" width="300"] عصام الحداد[/caption]
لكن المجموعة الموالية لمرسي ولمساعده الحداد، ردت بعنف على تلميحات أتباع الشاطر، كما هاجمت محمد فهمي أيضًا. لكن التفاصيل كان من شأنها أن تزيد الأمور تعقيدًا، لأن قيادات إخوانية في السجن أصبحت تتشكك في وجود اختراق داخل المستويات العليا من الشخصيات الإخوانية التي كانت حول مرسي.
ومن بين من دافعوا عن الحداد موقع «نافذة مصر» على الإنترنت، الذي قال وقتها إنه مرر سؤالاً للحداد حول صحة تطرقه للجيش في لقائه مع أوباما، وذلك عن طريق أحد أقاربه أثناء زيارته له في سجن العقرب، وأنه تلقى ردًا من الحداد ينفي فيه «الحديث عن الجيش المصري أو طلب نصيحة الولايات المتحدة، بشأن كيفية التحكم في القوات المسلحة»، وأنه؛ أي الحداد، قال أيضًا إنه «لم يلتقِ فهمي خلال فترة وجود الأخير بسجن العقرب كما زعم».
تصريحات فهمي لـ «المجلة»
لكن في مقابلة أجرتها «المجلة» مع فهمي عقب خروجه من محبسه، عاد وأكد بمزيد من التفاصيل ما قال إنه رواية الحداد لفحوى لقائه مع أوباما في البيت الأبيض أثناء تولي جماعة الإخوان الحكم من منتصف عام 2012 إلى منتصف عام 2013، وأضاف أن الحداد ذكر له أنه طلب من أوباما «وصفة أميركية» لكي تتمكن «سُلطة الإخوان» من السيطرة على الجيش وتعيين وزير دفاع من المدنيين.
أمضى فهمي في سجن العقرب الذي يحيط به سور يبلغ ارتفاعه نحو سبعة أمتار، شهرًا أثناء قضاء مدة محكوميته الأولى بالسجن سبع سنوات، لإدانته مع آخرين في قضية الانضمام لجماعة الإخوان المصنفة في البلاد كـ«منظمة إرهابية»، منذ عزل مرسي. وجرى نقض حكم فهمي وتخفيضه إلى ثلاث سنوات، لإدانته مع زملائه في قناة الجزيرة ببث أخبار كاذبة واستخدام أجهزة بث دون ترخيص. ومن بين زملائه الصحافيان، الأسترالي بيتر غريست (رحلته السلطات لبلاده)، والمصري باهر محمد. وأطلق سراح فهمي ومحمد عقب العفو الرئاسي الذي صدر في عيد الأضحى.
ويقول فهمي أثناء المدة القصيرة التي خرج فيها من السجن، عقب حكم الإدانة الأول، بكفالة قدرها نحو 30 ألف دولار، مع باهر، إنه أبلغ قادة الإخوان وقادة الجماعات المتطرفة الأخرى خلال وجوده معهم في «العقرب»، بأنه سوف يضع ما ذكروه من خبايا وتفاصيل في كتاب يصدره بعد خروجه من السجن، وأضاف وهو يتحدث لـ«المجلة» ويتطلع لصفحة النيل من كورنيش ضاحية الزمالك، أنه وجد ترحيبًا بهذا الأمر من الحداد نفسه.
[caption id="attachment_55253407" align="alignleft" width="300"] خيرت الشاطر[/caption]
الحياة في سجن «العقرب» الذي بُني من وحي السجون الأميركية المشددة وجرى افتتاحه لأول مرة عام 1993 لاستقبال الجماعات المسلحة حينذاك، تعد حياة قاسية و«بمثابة جحيم»، وهي تؤثر على أقوى الرجال، حتى لو كانوا من قيادات جماعة الإخوان الذين خاضوا تجارب السجن على فترات متقطعة منذ خمسينات القرن الماضي، كما يقول القيادي الحزبي أحمد، مشيرًا إلى أنه.. «داخل العقرب يلفك شعور بالاختناق.. ليس لديك ما تفعله، لا في النور ولا في الظلام».
ويضيف أنه كان من الصعب أن تعرف الفرق بين الليل والنهار. لا ساعة، ولا شيء تقرأه.. لا كتب ولا صحف. وكانت الأخبار تصلنا بعد حدوثها في الخارج بعدة أيام، أو في كل زيارة يقوم بها أحد الأقارب. وحين بدأت الصحف المصرية تنشر تسريبات لاعتراف الإخوان بثورة 30 يونيو (حزيران) التي أسقطت مرسي، أخذت الخلافات تشتعل بين الجميع.
ومن جانبه، يتذكر فهمي والقيادي أحمد الطريقة التي جرى بها الحصول على أحاديث من قادة الإخوان، بما فيها قصة لقاء الحداد مع أوباما التي تسببت، على ما يبدو، في حدوث شرخ بين اثنين من أكبر قادة الجماعة.
حوارات في الزنزانة
يقول فهمي: «لكي نهرب من الفراغ الطويل بين جدران السجن، قمت أنا وزميلي باهر باستغلال الفتحات الصغيرة الموجودة على باب كل زنزانة انفرادية، في عمل حوارات منظمة مع بقية المساجين. كانت الزنزانة المجاورة لي فيها بديع، وكانت زنزانة أخرى فيها قادة من الإخوان ومن تنظيم القاعدة. كان هناك الحداد أيضًا.. في السجن تحتاج للحديث مع أي كائن وبأي طريقة حتى تفلت من الجنون».
تصميم بناء سجن «العقرب»
تم تصميم بناء سجن «العقرب» على شكل حرف (H) ويتكون من أربعة عنابر كل عنبر يضم 80 زنزانة، من بينها 20 للتأديب. ويضيف فهمي أنه قام، هو وزميله باهر، وبحكم خبرتيهما في العمل الإعلامي، بتنفيذ فكرة يمكن تسميتها بـ«راديو توك شو» عن طريق طرح الأسئلة وتلقي الإجابات بأصوات مرتفعة، عبر زنازين السجن.. أي إذاعة للدردشة بين المحبوسين من خلال الفتحات الصغيرة الموجودة في كل باب.
ويقول أحمد الذي كان من بين المشاركين في هذه الدردشة، إن كل سجين في زنزانته كان يقترب من الفتحة الموجودة في بابه التي يشبه حجمها حجم علبة السجائر تقريبًا. كل فتحة لا ترى من خلالها إلا عينين أو أذن أو خد أو فم.. المهم يمكنك، خلال الضوء الخافت الكئيب، رؤية جزء من وجه جارك الذي في الجانب المقابل لزنزانتك. ولم يكن الشاطر موجودًا في هذا الجناح، ولكنه كان في جناح آخر بعيد ولا يمكنه سماع ما يجري هنا.
لم تكن الشمس تدخل. لم يكن هناك وقت يذكر للتريض في المساحة الصغيرة المخصصة لذلك. هذا غير مسموح، إلا باستثناءات نادرة.. «الزنزانة في الشتاء شديدة البرودة، وفي الصيف شديدة الحرارة. زيارات أقارب المساجين حين تجري، تجري من وراء حواجز زجاجية، والحديث بين السجين وأهله يكون عبر هاتف موصول بسلك بين جانبي الحاجز.. ولا تستطيع أن تحتضن أيًا من ذويك».
ويضيف أحمد أن بعض أيام السجن تكون لديك القدرة على الاحتمال، وتتبادل الحديث مع الآخرين بأي وسيلة.. «حتى لو كانت بالزعيق من خلف فتحات الأبواب.. وفي بعض الأوقات الأخرى يلف الحزن الجميع. ويغرق كل واحد في أفكاره الخاصة. وتشعر كأن كل شخص أصبح معلقًا في الفراغ مع نفسه وأن لا أحد يمكن أن يمد له يد العون».
برنامج الدردشة
ومن جانبه، يزيد فهمي الذي كان يعمل في قناة «CNN» الأميركية قبل أن يلتحق بقناة الجزيرة الإنجليزية، أن «هذه الإذاعة التي كنا نقوم فيها باستخدام الأصوات عبر فتحات الأبواب، تتضمن أناشيد وسرد للقرآن.. ثم فقرات لإجراء المقابلات مع الشخصيات التي كانت ملء السمع والبصر خلال فترة حكم مرسي.. كنت أنا وباهر نعد لهذه المقابلات الصوتية، وكأننا نعد لبرنامج حقيقي».
ويضيف أن الحداد قال، من خلال برنامج الدردشة الذي كان يسمعه بقية المسجونين في هذا الجناح، إنه بعد عودته من واشنطن إلى القاهرة، فوجئ بعلم وزارة الدفاع المصرية بأمر حديثه عن الجيش مع أوباما، وأن اللواء محمد العصار، الذي كان يشغل موقع مساعد وزير الدفاع لشؤون التسليح، وموقع مستشار وزير الدفاع للبحوث الفنية والعلاقات ونظم المعلومات، واجه الحداد بما جرى بينه وبين أوباما، وأن العصار لام مساعد مرسي على هذا التصرف الذي «يمس الجيش».
ومعروف أن الحداد كان عضوًا من أعضاء الظل في مكتب إرشاد الإخوان، أعلى سلطة داخل الجماعة التي أسسها حسن البنا في شرق القاهرة عام 1928. وربما كان هذا يعود لدوره كمسؤول عن العلاقات الخارجية فيها، إضافة لنشاطه الاقتصادي في تنظيم وتنمية الأعمال. وولد الرجل ذو النظارات الطبية والشارب الأسود، والابتسامة الخجولة، في مدينة الإسكندرية في بداية خمسينات القرن الماضي. وهو طبيب متخصص في التحاليل. وجرى تعيينه مساعدا لمرسي بعد فوز الأخير في انتخابات الرئاسة بنحو شهرين، ليبدأ في لعب دور في السياسة الخارجية منافسًا لدور وزارة الخارجية ذات التاريخ العتيد.
وفيما يتعلق بنفي مواقع إخوانية لما ذكره في صحيفة «المصري اليوم» عن الحداد، يقول فهمي ردًا على أسئلة «المجلة»، إن «الأمور في السجن كانت تسير بشكل مختلف، حيث إن العلاقة بين الداخل والخارج تكاد تكون منعدمة، رغم الزيارات التي كان يقوم بها بعض أقارب المساجين، أو في المرات القليلة التي يجري فيها إخراج المساجين في سيارات السجن لحضور جلسة من جلسات محاكمتهم ثم العودة مرة أخرى».
ومع أنه يصعب وصول الصوت بين زنازين «العقرب»، إلا أن السلطات يبدو أنها كانت تترك الشراعات الصغيرة في الأبواب، مفتوحة معظم الوقت لسبب ما. ويتابع فهمي أنه في واقعة الحداد، في ذلك اليوم، بدأ برنامج الدردشة مع مساعد الرئيس.. «طلبنا منه أن يروي لنا ما حدث في زيارته لأوباما. وبالفعل قال كلامًا كثيرًا.. ومن بين ما ذكره أنه بعد أن زار أوباما، وتحدث معه عن الجيش المصري، شعر بأنه أخطأ».
ويضيف فهمي أن الحداد تحدث عن أنه قال لأوباما إنه يسعى للحصول على بعض النصائح عن كيفية التحكم الديمقراطي في القوات المسلحة المعروف اختصارًا باسم dcaf، وأن أوباما الذي كان متحمسًا لتجربة حكم الإخوان قال له: «حسنا سأخطر البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) لكي يعطيك ملفًا بهذا الخصوص».
ويتابع أن الحداد ذكر في «الدردشة» عبر زنازين السجن، أنه حين رجع لمصر فوجئ بأن اللواء العصار قال له: «أنت ذاهب لأميركا لتقول هذا الكلام. ها نحن عرفنا مِن هناك.. السيسي (كان وزيرًا للدفاع) علم بالأمر وهو غاضب غضبًا شديدًا».
قيادات الإخوان والولايات المتحدة
ومن جانبه، يقول القيادي الحزبي المحسوب على الإخوان، أحمد، إن الحداد بعث برسالة لعدد من قيادات الإخوان داخل السجن، ينفي فيها أن يكون علم بمن سرب فحوى لقائه مع أوباما، ويستشهد فيها أيضًا بأن رد العصار كان كالتالي: «نحن علمنا بتفاصيل اللقاء مِن هناك»، أي من أميركا، بينما الشاطر يعتقد أن المعلومات خرجت من هنا، أي من مكتب مرسي نفسه.
ولم يرد اللواء العصار، الذي جرى اختياره منذ أيام كوزير للإنتاج الحربي في الحكومة المصرية الجديدة، على هاتفه للتعليق على هذه الواقعة، وما إذا كانت صحيحة أم لا، بينما اكتفت مصادر مقربة من السلطات الأمنية بالقول لـ«المجلة» إن «اتصالات الإخوان مع الجانب الأميركي أثناء تولي مرسي الحكم كانت مرصودة عن قرب، سواء فيما يتعلق بزيارات الحداد، أو بعض من قادة الإخوان الآخرين».
ومن جانبه، يقول مسؤول أمني مصري إنه بعد وقت قصير من عودة الحداد من الولايات المتحدة، تلاحظ أنه بدأ الإعداد لطرح مسألة العلاقة «المدنية - العسكرية» بمصر على المنتديات الدولية، حيث كان مقررًا أن يعقد أول منتدى من هذا النوع في جنيف، وهو أمر كان يمكن أن يسهم في خلق الفوضى في البلاد أثناء حكم الإخوان، إلا أن السلطات تدخلت في الوقت المناسب.
ويضيف مصدر أمني آخر أن تفاصيل زيارة الحداد في ديسمبر (كانون الأول) عام 2012 للولايات المتحدة ولقاءه الخاص مع أوباما، «كانت معلومة لدينا»، لكن هذا المصدر لم يقدم ما يثبت أو ينفي ما ذكره فهمي نقلاً عن الحداد، بما في ذلك اللقاء المزعوم لمساعد مرسي مع العصار، إلا أنه أكد أن عدة جهات مصرية (أحزاب ونقابات كان يهيمن عليها جناح الشاطر في جماعة الإخوان)، تلقت، بعد عودة الحداد من واشنطن، دعوات للمشاركة بأبحاث ومقترحات، في منتدى دولي كان سيعقد تحت اسم «العلاقات المدنية – العسكرية بمصر»، وأن السلطات المختصة في البلاد وقفت ضد مشاركة الجهات المصرية في هذا المنتدى عقب الإطاحة بحكم مرسي.
أما فيما يتعلق ببنود ورقة المصالحة التي كانت محل خلاف بين الشاطر والحداد فقد بدأت أساسًا بعدة شروط منها إعادة كتابة الدستور مرة أخرى، وإجراء انتخابات رئاسية جديدة لا يشارك فيها مرسي ولا السيسي، والقصاص للشهداء وتعويض ذويهم، إلا أن المصادر تقول إن هذه الشروط تقلصت وتراجعت إلى حد كبير بسبب الموقف الضعيف الذي أصبح عليه الإخوان سواء بتراجع عدد أنصارهم في الشارع، أو بنسيان المجتمع الدولي لقضية الجماعة مقارنة بما كان عليه الحال في عام 2013.
وبينما تطول مدة الاحتجاز والسجن، تتزايد الخلافات بين الإخوان ومجموعات المتشددين العائدين من الخارج، الذين يطلق عليهم في السجن تجاوزًا «العائدون من سوريا» بسبب كثرة عدد من كانوا يحاربون مع تنظيم داعش في سوريا والعراق. ويقول أحد المساجين السابقين إن المتطرفين العائدين من الخارج كانوا حين يلتقون بالإخوان يقولون لهم صراحة «كان ينبغي عليكم أن تقطعوا الرؤوس بمجرد الوصول للحكم. نحن حذرناكم، لكنكم لم تسمعوا لنا، فذوقوا ما صنعت أيديكم، مع أننا ندفع الثمن معكم الآن»، مشيرًا إلى أن الإخوان كانوا يغضبون من «هذه اللهجة المتشفية».